تعبير عن اتقان العمل
منذ قديم الزمان والإنسان منذ حطّت قدماه الأرض وهو يسعى لأن يبني حياته ويعمّر الأرض بكل أنواع العمل، يجرب ويحاول ويزيد على ذلك العمل شيء جديد حتّى وضع القواعد الأساسية لكل الأعمال، ووضع نقاط الإنجاز على حروف العمل، ولولا أن كان من الإنسان في القِدم إتقانٌ في عمله لما استمر في هذه الحياة، فالإتقان دليل الاستمرار والبقاء قدر الإمكان.
إنّ الاختلاف في أعمال الناس، والاختلاف بين مجموعةٍ وأخرى، والاختلاف بين دولة وأخرى، وشعبٍ وآخر لا تكمن فيما يفعلون بقدر ما تكمن في كيفما يفعلون، وهل يقومون بأعمالهم على أتمّ وجه وبإتقان أم يقومون بها بشكلٍ خاطئ أو بدرجةٍ قليلة من الإتقان؛ لأنّ كل الناس لديهم أولويات في حياتهم، وهي تأمين المسكن والطعام والأمن والتعليم والعمل، وكلّ الشعوب تعمل على هذه المحاور، لكنّها ليست كلها على خطٍ واحدٍ من التقدم أو على محور واحد من التأخر، وهذا التباين الواضح بينهم هو لأن شعبًا ما يتقن في عمله وآخر لا يتقن.
إذا وقف الإنسان يفكر قليلًا أنّ هذا العمل مطلوبٌ منه بكل الأحوال كي يُأمن عيشه وحياته، فلِم لا يقوم به على أكمل وجه، لن يأخذ منه الوقت الكثير إذا عمل بإتقان مقارنه بعمله بلا إتقان؛ وذلك لأنّ الأعمال الغير متقنة تتراكم أخطاؤها على بعضها، وتؤدي إلى كارثة فيما بعد، وتؤدي إلى خطأٍ كبير يتحمله شعبٌ كامل أو مجموعة كاملة، رغم أنّه كان بالإمكان على فردٍ أن يقوم به بساعاتٍ متعددة بأسوأ الأحوال.
حثّ الإسلام على الإتقان وجعله من الأساسيات في الإسلام سواءً كان في العبادات التي يقوم بها المسلم لله تعالى، أو في الأعمال الدنيوية التي يقوم بها والتي تعود عليه بالنفع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فقد قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105]، هذا أمر بالعمل وأنّه على العمل يكون هناك رقيب هو الله ورسوله والمؤمنون، فإن لم يتقن المسلم عمله من تلقاء نفسه ومن نزعة المسئولية في ذاته، يتقنه لأنّ هناك رقيب وليس أعظم من مراقبة الله في كل زمانٍ ومكان لإتقان كل الأعمال، وعلى سبيل العبادات، فقد قال عليه السلام ذات مرة لرجل: (اذْهب فصلِّ فإنَّكَ لم تصلِّ) [صحيح] رغم أنّه صلّى ولكنّه صلّى صلاته بلا إتقان فلم تكن على الوجه المطلوب، فوجب عليه إعادتها، فلو تمّ التعامل بهذا المنطق في أعمال الدنيا أن نقوم بإعادة العمل الغير متقن، فهذا سوف يجلب الخير الكثير والنتائج المرضية الكثيرة.
يعد الشخص الذي يتقن عمله هو محبوبٌ من الله ورسوله ومن الناس، وهناك دافعٌ كبير لإتقان العمل هو ابتغاء حب الله، فقد قال عليه السلام: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) [حسن]، وفي الأمثلة الحية لشعوب العالم والمثل القوي الذي يضرب دائمًا وهو اليابان، فالمواطن الياباني بطبيعته غير ذكي ذكاء خارق، ومعدل ذكائه لا يفوق المواطن العربي مثلًا؛ ولكن تكمن قوتهم ونهضتهم في أنّهم متقنون لأعمالهم، ويقومون بها على أكمل وجه وبطريقة جماعية لتكون أعمال مٌثلى، لذا فإتقان العمل قيمة عظيمة، وهو عبادة كبيرة، وهو سبب التقدم ودليل كل استمرارية، فلذلك يجب الحرص عليه والعمل به للوصول لأعلى المراتب في الدنيا والآخرة.