تعامل النبي مع اليهود
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
عُرف عن نبيّنا الكريم مُحمّد -صلى الله عليه وسلم- حُسن الخلق؛ حتى قبل أن يُبعث نبيّاً، فأطلقت عليه قريش لقب الصّادقِ الأمين؛ فقد كان كامل الخُلق، ثم بعثه الله -سبحانه وتعالى-؛ فأنعم عليه أيضاً بأخلاق الإسلام، فزادت أخلاقه حُسناً، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ومن مكارم أخلاقه -عليه السلام- أنّه عامل غير المسلمين؛ من يهودٍ أو نصارى معاملةً حسنة، وأعطاهم حقوقهم، لكن دون أن يتعدّى على حق الإسلام والمسلمين.
معاملة النبي لليهود
عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة؛ وجد ثلاثة قبائل يهودية تسكن المدينة؛ وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، كما كان في شمال المدينة تجمع كبير ليهود خيبر، ونستعرض فيما يأتي طريقة معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الفئة من مجتمع المدينة:
ترقيق قلوب اليهود
عندما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة المنورة، حاول تأليف قلوب اليهود بعدد من الأمور، نذكر منها:
- اتجاه القبلة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً.
- صيام يوم عاشوراء
وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (إنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟).
(فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ).
دعوة النبي لليهود
بدأ -صلى الله عليه وسلم- في دعوته لليهود؛ جماعات وأفراداً، وكان أول من جاءه من اليهود عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، وكان اسمه الحصين بن سلام، فقد جاء النبي وسأله عدداً من الأسئلة ليتثبت من كونه نبياً مرسلاً، حتى اتضح له ذلك، فأعلن إسلامه أمام قومه، وأسلم من بعده عدد قليل من اليهود؛ لكن الأكثر منهم ظلوا على كفرهم.
المعاهدة النبوية مع اليهود
أجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- معاهدة بينه وبين اليهود؛ والتي نصت على عدد من البنود التي تكفل للمجتمع الإسلامي حقه، وتحفظه، وتكفل كذلك لليهود حقوقهم، ومن أهم بنود هذه المعاهدة:
- أن اليهود جزء من المجتمع المدني؛ مع المحافظة على حرية الاعتقاد.
- على المسلمين نفقهتم، وعلى اليهود نفقتهم كذلك.
- حفظ حقوقهم المالية؛ من تملك، وبيع وشراء، وغيرها.
- تعاون اليهود مع المسلمين في الحفاظ على أمن المدينة.
حقوق غير المسلمين في الإسلام
كان العرف الإسلامي يتفق على تسمية المواطنين من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي؛ باسم أهل الذمة، أو الذميين، والذمة تعني العهد والأمان، والضمان، فكانت التشريعات الإسلامية تضمن لأهل الذمة عدداً من الحقوق في المجتمع الإسلامي، ومن ذلك:
- حقُّ الحياة
ترك الإسلام النّاس جميعهم ليعيشوا بسلامٍ، إلا من قتل، أو خان، أو اعتدى.
- حقُّ اختيار الدين
لم يُكره النبي أي شخصٍ على دخول الإسلام؛ بل ترك لهم حُرّيّة الاختيار، على الرّغم من مُحاولاته العديدة لهدايتهم.
- حقُّ التّملّك
لم يمنع النّبيُّ -عليه السلام- أحداً من اليهود من التمّلك، ولم يُصادر أيّاً من ممتلكاتهم.
- حقُّ العدل
كان النبي -عليه السلام- عادلاً في التّعامل مع اليَهود؛ فأعطاهم حقوقهم، وكان ينصر مظلومَهم، وتَرك لهم القضاءَ بينهم بقضاء دينهم؛ طالما لم يكن هناك طرف مسلمٌ في القضيّة؛ فحينها يكون القضاء للإسلام.
- حقُ المعاملة
أمر النبيُّ الكريم المُسلمين بمُعاملة اليهود بالبِرّ والإحسان، وجميع أخلاق المسلمين؛ فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يزور مريضهم، ويقبل هداياهم، ويعفو عن المسيء فيهم، وكان يُتاجر معهم، وتواضع لهم، وحاورهم وجالسهم.
- حق الحماية
وهذه الحماية تشمل حمايتهم من كل عدوان خارجي، ومن كل ظلم داخلي حتى ينعموا بالأمان والاستقرار.
- التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر.
تغير معاملة النبي لليهود
بعد أن عاملَ النبيّ الكريم اليهود بالحُسنى، وحثّ المسلمين على خير المُعاملة معهم؛ غدروا به وخانوه، وحَاولوا قتله عدّة مرّات، وحَرضوا قريشاً على غزوه، كما زرعوا الفتنة، وخاضوا في أعراض المسلمين، وأذوهم، واعتدوا عليهم، وتجاوزوا حدودهم، وعندما لم تُفلح الهداية والمعاملة الحسنى معهم، أجلاهم من المدينة، وحذّر من التّعامل معهم.