ترتيب علامات الساعة الكبرى
ترتيب علامات الساعة الكُبرى مسألة اجتهاديّة
ذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في عدّة أحاديث علامات الساعة الكُبرى، إلّا أنّ ذِكره لها كان لا يقتضي الترتيب في وقوعها؛ وذلك لمجيء العطف فيها بالواو، وهو الأمر الذي لا يشير إلى الترتيب فيها، ولأنّ ترتيب العلامات يختلف من حديثٍ إلى آخر.
فقد كانت مسألة ترتيب علامات الساعة الكُبرى قابلة لاجتهاد العلماء، إلّا أنّهم اتّفقوا ابتداءً على أنّ خروج النار هي آخر العلامات، أمّا أُولى العلامات وما يليها، فقد كان موضع خلاف بينهم؛ فمنهم من قسّم العلامات إلى علامات أرضيّة أوّلها ظهور الدجّال، وأخرى سماويّة أوّلها طلوع الشمس من مغربها، كالحافظ ابن حجر، ومنهم من قسّم العلامات إلى علامات دالّة على قُرب الساعة أوّلها ظهور الدجال، وأخرى دالّة على وقوع الساعة أوّلها الدخان، كالإمام الطيبي.
تعددت علامات الساعة الكبرى، واجتهد العلماء في ترتيبها، واتفقوا أنّ آخر العلامات ظهوراً خروج النّار.
علامات الساعة الكبرى
ظهور المهدي
يُعَدّ تصنيف ظهور المهديّ أمراً مختلفاً فيه بين العلماء؛ إذ إنّ منهم من اعتبره من العلامات الكُبرى، ومنهم من قال إنّه من العلامات الصغرى؛ وذلك نتيجة لأنّ الروايات لم يرد فيها نصٌّ واضح على تصنيفه ضمن العلامات الكُبرى، أو الصُّغرى.
حيث ينتشر في آخر الزمان الفساد، والظلم، وتَكثُر المُنكَرات، فيأذن الله بخروج رجل صالح يجتمع له المؤمنون، فيكون قائداً حاكماً يُصلِح اللهُ على يديه أحوالَ الأمّة، ويكون اسمه محمد بن عبدالله، ويُعرَف عند أهل السنّة بالمَهديّ، وهو يخرج من قِبَل المشرق، وتحديداً من مكّة المُكرَّمة، فيُبايعه الناس عند الكعبة على السمع، والطاعة، والاتِّباع، فيحكم المسلمين بضع سنين يَنعمون فيها بالعدل والخيرات، ويعظُم أمر الأمة.
وقد ذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- المهديّ في العديد من الأحاديث، منها ما رواه الألباني عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله أنّه قال: (يخرجُ في آخرِ أُمَّتي المهديُّ، يَسقِيه اللهُ الغَيْثَ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتَها، ويُعطِي المالَ صِحاحًا، وتكثُرُ الماشيةُ، وتَعظُمُ الأُمَّةُ، يعيشُ سبعًا، أو ثمانيًا)، وقد تحدّث رسول الله أيضاً عن صفاته الخَلقيّة بقوله: (المَهْديُّ منِّي، أجلى الجبهةِ، أقنى الأنفِ، يملأُ الأرضَ قسطًا وعدلًا).
خروج المسيح الدجال
التعريف بالمسيح الدجال
الدجّال هو رجل من بني آدم يدّعي أنّه ربّ العالمين؛ فقد مكّنه الله بقدرات خارقة؛ لامتحان إيمان الناس، ويُسمّى بالمسيح الدجّال؛ لأنّ عينَه اليسرى ممسوحة؛ أي أعور، قال رسول الله: (الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ العَيْنِ)، وقِيل لأنّه يمسح الأرض كلّها، ويسير فيها، أمّا دجّال؛ فلأنّه كذّاب، ومُحتال، وقد وصف رسول الله فتنة الدجّال بأنّها أخطر فتنة تمرّ على البشريّة، إذ قال: (ما بيْنَ خَلْقِ آدَمَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ).
صفات الدجّال ومكوثه في الناس
يُوصَف الدجال بأنّه رجل قصير القامة مُتَباعد ما بين ساقَيه، مُمتلئ الجسم، شعره كثيف أجعد، وهو أبيض البشرة، وذو جبهة عريضة، مكتوب بين عينيه كافر، لا يقرأها إلّا المؤمن؛ لقول رسول الله: (مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كاتِبٍ وغَيْرِ كاتِبٍ)، ويجول الدجّال الأرضَ خلال أربعين يوماً، وهي المدّة التي يَمكُثها في الأرض، فقد سُئِل رسول الله عن ذلك، فقال: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ).
حيث يتحرّك بسرعة كبيرة في الأرض، قال رسول الله واصفاً إيّاه: (كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ)؛ أي كالمطر النازل الذي تدفعه الريح في كلّ اتّجاه، ممّا يمكّن الدجّالَ من التجوُّل في أقطار الأرض قاطبة، باستثناء مكّة، والمدينة المنوّرة؛ حيث لن يتمكّن من دخولهما؛ لقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (ليسَ مِن بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ، والمَدِينَةَ، ليسَ له مِن نِقَابِهَا نَقْبٌ، إلَّا عليه المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ).
فتنة الدجّال وهلاكه
للدجّال عدّة أساليب في فتنة الناس، وإضلالهم، واقناع الناس بألوهيّته، فقد قال رسول الله فيه: (إنَّ معهُ مَاءً ونَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، ومَاؤُهُ نَارٌ)، ومن فتنته أيضاً أنّه يقول للأعرابيّ: (أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك؟ فيقولُ: نعم، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه، فيقولانِ: يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ، فإنه ربُّك)، إلّا أنّ أهل الإيمان لا يفتتنون به؛ فالله يُنجّيهم منه.
ومن سُبل النجاة من فتنته: أن يكون القلب عامراً بالإيمان، ثابتاً عليه؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا)، والعمل بوصيّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)، واللجوء إلى أحد الحرمَين الشريفَين؛ لأنّ الدجّال لن يتمكّن من دخولهما -كما ذُكِر سابقاً-،، أمّا هلاكه، فيكون على يد عيسى بن مريم -عليه السلام-؛ لقول رسول الله: (يقتُلُ ابنُ مَريمَ الدَّجَّالَ ببابِ لُدٍّ).
نزول عيسى
من علامات الساعة الكُبرى نزول عيسى -عليه السلام-؛ لقول رسول الله: (لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى ينزِلَ عيسَى ابنُ مريم)، وهو مربوع القامة، سَبِط الشَّعر؛ أي طويل لين ليس بأجعد، أبيض يميل إلى الحمرة، عريض الصدر، وقد وصفه رسول الله بقوله: (رَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ والبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ)، ويمكث في الأرض أربعين سنة يملأ الأرض خلالها عدلاً وأماناً، ويقتل الدجّالَ، ويَكثُر المال في عهده حتى يَفيض.
خروج يأجوج ومأجوج
التعريف بيأجوج ومأجوج وصفاتهم
يأجوج ومأجوج قبيلتان من البشر من ذريّة يافث، وهو من ولد نوح -عليه السلام-، وقد جاء أصل تسميتهم من أجيج النار إذا التهبت، أو من الأُجاج؛ وهو الماء المالح الحارق؛ لشدّة ملوحته، وخروجهم آخر الزمان من علامات الساعة الكُبرى؛ إذ دلّ على ذلك قوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ)، ومن صفاتهم الخَلقيّة أنّهم صغار العيون، وجوههم عريضة، وشَعرهم أصهب* اللون، وقد وصفهم رسول الله بقوله: (وإنَّكم لن تزالوا تُقاتِلونَ حتَّى يأتيَ يأجوجُ ومأجوجُ عراضُ الوجوهِ صغارُ العيونِ صهبُ الشِّعافِ ومن كلِّ حَدَبٍ ينسِلونَ كأنَّ وجوهَهم المَجانُّ المطرقةُ).
سدّ يأجوج ومأجوج
بنى ذو القرنَين سدّ يأجوج ومأجوج؛ وهو مَلِكٌ مؤمنٌ طاف الأرض من شرقها إلى غربها؛ أي من مطلع قرنَي الشيطان إلى المغرب؛ ولهذا سُمِّي ب(ذي القرنَين)، حيث إنّه في رحلته وصل مع جنوده إلى جبلَين عظيمَين في المشرق، بينهما ثغرة يخرج من خلالها يأجوج ومأجوج، فيقتلون ويُفسدون فيها، فاستغاث الناس بذي القرنَين؛ لما رَأوا فيه من قوّةٍ وصلاحٍ.
وذلك من خلال بناء سدٍّ يَحجُب يأجوج ومأجوج عنهم، وعرضوا عليه المال مقابل ذلك، فتطوّع لبنائه دون أجر، وأمر برَدم الثغرة بقِطَعٍ من الحديد والحطب، وساوى بها بين الجبلين، ثمّ أشعلها فصارت ناراً، وصَبّ النحاس المُذاب عليها، فأصبح سدّاً عالياً لم يتمكّن يأجوج ومأجوج من تسلُّقه، وشديد الصلابة لم يتمكّنوا من ثَقبه، ويستمرّ ذلك إلى أن يأذن الله بخروجهم إلى الناس؛ لقوله تعالى: (قالَ هـذا رَحمَةٌ مِن رَبّي فَإِذا جاءَ وَعدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ).
ويُشار إلى أنّه إذا اقتربت الساعة، فإنّ الله يُمكّنهم من ثقب السدّ، فيخرجون على الناس يملؤون الأرض فساداً، وقتلاً، وهَتكاً للحُرمات، ولشدّة غرورهم، وكفرهم، يرمون السماء بسهامهم؛ ليغلبوا أهلها، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ويخرُجونَ على النَّاسِ، فيستقونَ المياهَ، ويفرُّ النَّاسُ مِنهم، فيرمونَ بسِهامِهِم إلى السَّماءِ فترجعُ مخضَّبةً بالدِّماءِ، فيقولونَ: قَهَرنا مَن في الأرضِ وعلَونا مَن في السَّماءِ، قسوةً وعلوًّا).
هلاك يأجوج ومأجوج
يستمرّ يأجوج ومأجوج بالإفساد في الأرض، فلا يأمن شرَّهم إلّا مَن كان مُختبئاً، ومُتحصّناً بالحصون، ومنهم عيسى -عليه السلام- ومجموعة من المؤمنين معه، فيشتدّ بلاؤهم على المؤمنين، فيتضرّعون إلى الله بالدعاء، فيُنجّيهم الله بإرسال دود تأكل رقاب يأجوج ومأجوج، فيموتون، ثمّ يبعث الله طيراً أعناقها طويلة، فتحمل أجسادهم إلى حيث يشاء الله -سبحانه-.
وقد ورد ذلك في قول رسول الله: (فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ، فيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى الأرْضِ، فلا يَجِدُونَ في الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى اللهِ، فيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ).
هدم الكعبة
يُعَدّ هدم الكعبة من علامات اقتراب الساعة، وذلك من قِبل رجل من الحبشة يُدعى ب(ذي السُويقَتَين)؛ لصِغَر ساقَيه، ورقّتهما، قال رسول الله: (يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ)، وقد وصفه بأنّه أسود مُتَباعد ما بين ساقَيه، يهدم الكعبة حجراً حجراً، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كَأَنِّي به أسْوَدَ أفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا).
ويُشار إلى أنّ ما سيَحدُث للكعبة من خراب لا يتنافى مع قوله -تعالى-: (حَرَمًا آمِنًا)؛ إذ إنّه يبقى آمناً إلى قُرب قيام الساعة، لا إلى قيامها الفِعليّ، أمّا المدينة المنورة فسيخرج الناس منها -وذلك من علامات الساعة-، فيتركونها حتى تُصبح خاوية على الرغم من طِيب عَيشها وثمارها، إذ قال رسول الله: (يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ علَى خَيْرِ ما كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إلَّا العَوَافِ). والعوافي هي الطير والسباع،
الدخان
ثبت شرعاً أنّ الدخان علامة من علامات السّاعة الكبرى، حيث قال -سبحانه-: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هَـذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) وقد أكّد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّ الدخان الوارد في الآية الكريمة السّابقة هو من علامات الساعة، وذلك في قوله: (إنَّهَا لَنْ تَقُومَ حتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ، الدُّخَانَ)،
ويهرع النّاس حين ظهور الدّخان إلى الله سبحانه، يسألونه كشف هذه الغُمّة عنهم كما جاء بآيات سورة الدخان؛ وأنّهم قد آمنوا بما أخبرهم به سبحانه من الأمور الغيبية التي ستقع بعد ذلك، وفي هذا إشارة إلى إمكانية استدراك المرء نفسه بالتوبة والإنابة.
أمّا تأثير ظهور الدخان على النّاس حينها؛ فقد أشارت بعض الروايات أنّ المؤمنين يعتريهم بسببه الزّكام، بينما يأخذ الكافرين كلَّ مأخذ، ومن تلك الروايات ما أخرجه ابن كثير عن أبي مالك الأشعري بإسناد جيّد أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ ربَّكم أنذرُكم ثلاثًا: الدُّخانُ، يأخذُ المؤمِنُ كالزُّكْمَةِ، ويأخذُ الكافرُ؛ فينتفخُ حتَّى يخرُجَ من كلِّ مَسْمَعٍ منهُ، والثَّانيةُ الدابَّةُ، والثَّالثةُ الدَّجَّالُ).خطأ استشهاد: إغلاق مفقود لوسم
وإنّ رفع القرآن لهو من أعظم الأمور التي ستحصُل ومن أشدّ الفتن؛ فإنّه لا تَبقى كلمةٌ منه في صدر أحدٍ من الخلق، ولا يبقى حرفٌ منه في مصحف، وإنَّ الله هو الوحيد القادر على رفعه؛ فهو محفوظٌ بقدرته إلى أن يشاء الله رفعه، قال تعالى: (وَلَئِن شِئنا لَنَذهَبَنَّ بِالَّذي أَوحَينا إِلَيكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَينا وَكيلًا).
طلوع الشمس من المغرب
طلوع الشمس من مغربها من العلامات العظيمة الدالّة على اقتراب الساعة؛ لقول رسول الله: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها)، وقد بيّن رسول الله أنّه في اليوم الذي تَطلع فيه الشمس من مغربها، لن ينفع النفس إيمانها إن لم تكن قد آمنت من قبل؛ وذلك لقوله: (ثَلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا) -وذكر منها- (طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها).
والسبب في عدم قبول الإيمان في ذلك اليوم أنّ طلوع الشمس من مغربها أمر عظيم يراه كلّ من يكون في ذلك الزمان؛ فتَذهَلُ العقول، وتَخضَع القلوب مُعتَرفة بخالقها.
الدابة
أخبر رسول الله عن خروج علامة من علامات الساعة الكُبرى في اليوم الذي تَطلع فيه الشمس من مغربها، ألا وهي دابّة تُكلّم الناس، إذ قال: (إنَّ أوَّلَ الآياتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، وخُرُوجُ الدَّابَّةِ علَى النَّاسِ ضُحًى)، فتُكَلّم الناس بكلام واضح، وتُخبرهم أنّ الناس كانوا لا يوقنون بآيات الله، وتُميّز المؤمن عن الكافر، بوضع علامة على أنف المؤمن، فيعُرف أنّه مؤمن.
لقول رسول الله: ( تخرجُ الدابَّةُ، فتَسِمُ الناسَ على خراطيمِهم، ثم يُعمِّرون فيكم، حتى يشتريَ الرجلُ الدابَّةَ، فيُقالُ: ممَّنِ اشتريتَ؟ فيقولُ: من الرجلِ المُخَطَّمِ)، وبعد خروجها إلى الناس لا ينفع الإيمان لمَن لم يكن مؤمناً من قَبل؛ لقول رسول الله: ( ثَلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا)، وذكر من بينها دابّة الأرض.
الخسوفات الثلاثة
تُعَدّ لفظة (الخَسْف) مصدراً للفعل (خَسَفَ)، فَخَسَفَت الأرض؛ أي غارت بمَن عليها، وخَسَفَت به الأرض؛ أي اختفى بداخلها، ومن علامات الساعة الكُبرى حدوث ثلاثة خسوف في الأرض؛ لقول رسول الله: (إنَّهَا لَنْ تَقُومَ حتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ)، وذكر منها: (وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بجَزِيرَةِ العَرَبِ)، وهذه الخسوف الثلاثة ليست كغيرها ممّا يَحدُث الآن، فهي أعظم مكاناً وقدراً، وتكون في المشرق، وفي المغرب، وفي جزيرة العرب كما أخبر رسول الله.
الريح الباردة
أخبر رسول الله أنّ الساعة لا تقوم إلّا على شرار الخلق، أمّا المؤمنون منهم فيُنجّيهم الله من أهوالها؛ وذلك بإرسال ريح طيّبة تقبض أرواحهم، فلا تظلّ على الأرض نَفْس في قلبها مثقال ذرّة من إيمان؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِن قِبَلِ الشَّأْمِ، فلا يَبْقَى علَى وَجْهِ الأرْضِ أَحَدٌ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن خَيْرٍ، أَوْ إيمَانٍ إلَّا قَبَضَتْهُ، حتَّى لو أنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ في كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عليه، حتَّى تَقْبِضَهُ قالَ: سَمِعْتُهَا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ).
وقد ورد عن رسول الله في رواية أخرى أنّ هذه الريح تأتي من اليمن، وذلك بقوله: (إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ اليَمَنِ)، ويحتمل الجمع بين الروايتَين وَجهَين: الأوّل أنّهما ريحان؛ شاميّة، ويمانيّة، والثاني أنّ الريح تبدأ من إحدى المنطقتَين لتصلَ الأخرى.
خروج النار
اتّفق العلماء على أنّ خروج النار هي آخر علامات الساعة الكُبرى؛ لقول رسول الله: (إنَّهَا لَنْ تَقُومَ حتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ) إلى أن قال: (وَآخِرُ ذلكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهِمْ)، ويُفهَم من حديث رسول الله أنّ هذه النار تَخرُج من اليمن، وتَسوق الناس إلى مَحشرهم وهو بلاد الشام؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ستَخرُجُ نارٌ من حَضرموتَ أو من نحوِ بحرِ حضرموتَ قبلَ يومِ القيامةِ تَحشُرُ النَّاسَ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، فما تأمُرُنا؟ فقالَ: عليكُم بالشَّامِ).
وهذه النار ليس الهدف منها إحراق الناس، وإنّما سَوقهم إلى مَحشرهم، فتبقى مُلازمة لهم ليلاً ونهاراً، تبيت معهم وترحل معهم، وتبقى هكذا حتى تَصل بهم إلى الشام، وقد ورد ذلك عن رسول الله بقوله: (ويَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ معهُمْ حَيْثُ قالُوا، وتَبِيتُ معهُمْ حَيْثُ باتُوا، وتُصْبِحُ معهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا، وتُمْسِي معهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا).
علامات الساعة الكبرى كثيرة منها؛ خروج المهدي، ونزول عيسى، وشروق الشمس من المغرب، والدخان.
الحكمة من إخفاء وقت الساعة
يُعَدّ الإيمان باليوم الآخر أصلاً من أصول الإيمان؛ لقوله -تعالى-: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، وقد أكّد القرآن على وقوع الساعة في مواضع كثيرة بسياقات متعدّدة، ومنها قوله -تعالى-: (وَإِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ)، إلّا أنّ الله لم يُطلِع أحداً على وقتها، لا نبيّاً مُرسَلاً، ولا مَلَكاً مُقرَّباً؛ فهي من الأمور الغيبيّة الخمسة التي تُعَدّ من مكنونات علم الله؛ إذ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وحكمة الله عظيمة في إخفاء وقت الساعة؛ حيث إنّ النفس البشريّة مجبولة على الترقُّب المُستَمرّ لكلّ ما هو مجهول، خاصّة إذا كان هذا المجهول أمراً عظيماً واقعاً لا محالة، فتبقى حذرة مُستعِدّة، فتَصلُح وتستقيم، أمّا من فسدت فطرته فإنّه يغفل عن حقيقة وقوع الساعة، فيتّبع هواه ويَضِلّ، وعلى الرغم من أنّ الله قد أخفى وقت الساعة، إلّا أنّه أنذر في كتابه العزيز باقتراب وقتها، إذ قال: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)؛ فهي قريبة بتقدير الله لا بمقاييس البشر، فقد قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا* وَنَرَاهُ قَرِيبًا).
أخفى الله وقت الساعة عن جميع خلقه، فلا يعلم وقتها إلا هو سبحانه؛ وفي ذلك حكمة بالغة بأن يُصلح المرء نفسه ويستقيم لأنّ الساعة آتية لا محالة.