تحليل مسرحية أوديب
موضوعات مسرحية أوديب
تتحدث هذه المسرحية المأساوية التي كتبها سوفوكليس عن نبوءة تصل الملك لايوس أنّ ابنه سيقتله ويتزوج أمه، فيطلب أن يُقتل ابنه هذا، لكن الأم تُعطيه إلى راعٍ يعتني به وتدعي موته، ليتربّى أوديب في بلاط أحد الملوك ويُصبح ملكًا عندما يكبر، فيتصادف يومًا ما مع لايوس دون أن يعرف من هو ويقتله.
يقوم بحل إحدى الألغاز فيُكافأ بتزويجه زوجة لايوس التي هي أمه البيولوجية، ليعترف له أحد الكهنة لاحقًا عندما يستجوبه عمن قتل الملك لايوس فيخبره مع الراعي أنّه من فعل ذلك وأنّه تزوج أمه، لتقوم أمه بقتل نفسها فور معرفتها، ويقلع أوديب عيناه من فظاعة المأساة التي وقعت عليه.
حملت المسرحية جانبًا من السخرية المأساوية في أحداثها ويتجلّى عندما طالب أوديب شعبه بالكشف عن قاتل لايوس لينتهي الطاعون بالقضاء على هذا القاتل، فلا يستجيب أحد له، فيقوم بلعن القاتل، وهو في الحقيقة يلعن نفسه لأنّه بالفعل من قتل لايوس، فبقي يبحث عن نفسه دون قدرة منه على رؤية واقع الأمر، مما أثار الكوميديا الساخرة حوله.
تلخيص أحداث مسرحية أوديب
اعتُبرت هذه المسرحية أحد أهم الأمثلة على المسرحيات التراجيدية بسبب ما تحمله من مأساة؛ حيث يتضح لنا أنّ أوديب ربما لم يكن أثر من دمية في يد القدر، الذي حكم عليه مُنذ أن كان رضيعًا بمصيره الفظيع، الذي حاول قدر الإمكان الهروب منه عندما جاءت إلى قصره نبوءة تتحدث أنّه سيقتل والده ويتزوج أمه.
فترك والديه غير الحقيقين ليهرب من هذه النبوءة التي ظلت تُلاحقه إلى أن تحققت، لكن سوفكليس كعادة التراجيديا يُحاول تحميل البطل جزءًا من المسؤولية فيما يتعلق بمصيره، فلو لم يتغطرس أوديب ويغضب لما قتل لايوس ولما ساهم في تحقق النبوءة، فالعيب الأخلاقي الذي حملته شخصية أوديب عجّل عليه قدره.[3]
الرمزية في المسرحية
تعدّدت الرموز في مسرحية أوديب، ومن أهمها ما يأتي:
رمزية العمى والرؤية
شكل موضوع البصر والعمى مُفارقةً عامّة في المسرحية؛ حيث إنّ الحقيقة التي لم يكن أوديب يراها وهي قابعة أمام عينيه كانت هي العمى المجازي، فعدم امتلاك الحقيقة، وعدم فهم لما يدور حول الشخص وفي نطاق بصره يُعتبر عمىً.[2]
كان بذلك أوديب المبصر أعمى عن الإدراك والمعرفة، وعندما أبصر الحقيقة تسبب لنفسه بعمىً حقيقيّ، إذ نجد في هذه الرمزية تجلٍّ هامّ لحقيقة أنّ معرفة الواقع يراه العقل المبصر لا العيون.
رمزية الندوب في أقدام أوديب
عندما علم الملك بنبوءة قتل ابنه له أمر بقتله، فتمّ تكبيل قدميّ أوديب وتركه على الجبل قبل أن تُنقذه أمه وتمنحه للراعي، الأمر الذي ترك ندوبًا على أقدامه وبقيت هناك، ما يرمز إلى أنّ أوديب كان قدره قد ترك علامةً عليه مُنذ ولادته، ما يوحي بالاعتقاد أنّ البشر لا يملكون القدرة على مواجهة الآلهة وما تُحدده من مصير لهم، فهو أمر محتوم.[5]
تمثل هذه الندوب سخرية أخرى من أوديب الذي كانت هويته واضحةً أمامه، لكنها لم تلفت انتباهه بشكل جدّي إلا بعد فوات الأوان، ولقد انتبهت أمّه التي أصبحت فيما بعد زوجته على ندوب قدميه وأشارت عليه بالسؤال، إلّا أنّ عمى البصيرة الذي ذكرناه كان غالبًا عليهما، أو ربما لاستبعاد هذه الشخصيات حدوث أمر فظيع كالذي حدث، والذعر الذي سببته النبوءة فجعلتهما يتجاهلان هذه الإشارات.
الآراء حول مسرحية أوديب
أثارت مسرحية أوديب شفقة وخوف العديد من الجماهير على مر السنوات، وهذين الشعورين مُهمَين جدًا بالنسبة لأرسطو ؛ إذ يراهما هدفًا من أهداف التراجيديا أن تُثير المأساة الشفقة والخوف في الجماهير.
كانت الشفقة بسبب المصير المأساوي والسقوط الفظيع للبطل في قدر حاول تجنبه، أمّا الخوف فقد كان حول فكرة حتمية الأقدار البشرية، وكيف تُساهم الطبيعة الإنسانية في تثبيتها.
لقد قامت العديد من العلوم الإنسانية ببناء رؤاها على مصير أوديب، كعلم النفس مثلًا؛ إذ اتخذ فرويد من أوديب اسمًا لعُقدة موجودة تعبّر عن تعلق الذكر بأمّه، ومُحاولة إبعاد والده عنها حتى لو اضطر إلى إقصاءه.
بهذا فإنّ مسرحية أوديب لم تكن مُجرد تراجيديا هامة، بل إنّ الصفات الشخصية التي تمتّع فيها أوديب نفسه، وصراعه مع قدره المحتوم، وتعامله مع طبيعته وسقوطه جعلت من هذه المسرحية عبقرية زمانية في الأدب التراجيدي.