تحليل قصيدة الزهور
التحليل الموضوعي للقصيدة
إنّ المتأمل في هذه القصيدة يجد أنّ الشاعر يتحدث عن زهور قُطفت وقدمت إليه في المستشفى، ومن ثم نجده يتعمق في الحديث عنها فنراه يحكي عن آلامه ومرضه، فالزهور تقدم للعليل من باب تمني الشفاء له، وهذه الزهور كلما ينظر إليها يجد نفسه فيها، فقد احتل المرض جسده، وصارت الزهور المُقبلة إليه جزءًا من حياته، وهي ذات دلالة على الموت.
ولعل الشاعر أراد من خلال توظيفه لهذه الزهور أن يُعبِّر عن ألمه النفسي، فهو يرقد بالمستشفى منذ أيامٍ طويلة ويستشعر شفقة الناس عليه، فهو يرفض هذه الشفقة، ويريد التحرر من قيد المرض، إلا أنّه مع ذلك ما زال مقيدًا به، وما زال يستقبل الورود والزهور من أصدقائه، فالشاعر يعاني من أزمة نفسية وجودية، كما نرى في قوله:
وسلالٍ من الوردِ،
ألمحها بين إغفاءةٍ وإفاقةْ
وعلى كل باقةْ
اسم حاملها في بطاقة
التحليل الفني للقصيدة
إنّ الناظر في هذه القصيدة يجد أنّ الشاعر يستنطق الزهور والورد، ويطبعها بطابعٍ إنساني، فنراه يرسم مشهدًا سينمائيًا له وهو يقابل زهور هذه الباقات لوحده بعد أن تركه الناس، إذ يتفاجأ بقيام تلك الزهور وشروعها بالحديث، إذ بدأت تحكي له كيف كانت متصلةً بجذرها في الأرض، حتى جاء أحدهم وقطفها، ونرى ذلك في قوله:
تتحدثُ لي الزهراتُ الجميلةُ
أن أعينها اتسعت ــدهشةْــ
لحظـــــــــــــــــــة القطفِ،
لحظـــــــــــــــــــة القصفِ،
لحظةَ إعدامها في الخميلةْ!
ونرى أنّ هذه الزهور تحكي له كيف أن عيونها اتسعت لحظة القطف، فقد كانت مشدوهةً مصدومة، فهي لم تفعل شيئًا يضرُّ الإنسان حتى يقتلها، إلا أنّها جُردت من مكانها وفضائها الطبيعي في البساتين، وألفت نفسها معروضةً وراء زجاج المحلات، أو بين يدي بائعي الورود الذين يبيعون جثثها للناس، فهذه الوردة تتعجب من قسوة البشر، كما نرى في قوله.
تتحدثُ لي..
أنها سقطت من على عرشها في البساتين
ثم أفاقت على عَرضِها في زجاج الدكاكين، أو بين أيدي المنادين،
حتى اشترتها اليدُ المتفضلةُ العابرةْ
ونرى أنّ هذه الورود تتحدث إلى الشاعر عن معاناته، فهي قد صارت ساعاتها معدودة قبل أن تذبل وتموت، فهي تشتكي من ظلم الحياة والبشر، الذين قد سلبوها حقها في استكمال حياتها، فكانت تشابه الملك الذي خُلع عن عرشه، ورمي ليعيش آخر أيامه في حزن وبؤس، بعد أن كان في عزٍ ومكانة في مملكته، فالشاعر استعمل التشخيص في رسمه لورة الورود الكئيبة.
تتحدث لي..
كيف جاءت إلي..
(وأحزانُها الملكيةُ ترفع أعناقها الخضرَ)
كي تتمنى ليّ العمرَ!
وهي تجود بأنفسها الآخرةْ!!
ولعل الشاعر في توظيفه لهذا المشهد السينمائي الذي صور فيه معاناة الورود المقطوفة، أن يسقط هذا الحال على نفسه، فهو مثلها تمامًا قُطف من هذه الحياة، ثم أُلقي في المستشفى ليعُدّ ساعاته الأخيرة مثلها، فكلاهما قاربت لحظة موته، فالشاعر يجعل من هذه الورود معادلاً موضوعي له فهما ينازعان الموت، ويتشبثان في الحياة لآخر رمق، كما نرى في قوله:
كلُ باقةْ..
بين إغماءةِ وإفاقةْ
تتنفس مثليّ ــ بالكادِ - ثانيةً.. ثانيةْ
وعلى صدرها حَمَلت ــ راضيةْ..
اسمَ قاتِلها في بطاقةْ!
التحليل الإيقاعي للقصيدة
إنّ المتأمل لهذه القصيدة يجد أنّ الشاعر يُقيم قصيدته على نظام التفعيلة، وهذا النظام يترك له المجال والحرية في الإبداع الشعري، فنراه يتحرر من نمط القصيدة العمودية، ويحطم بنتيها وينشد قصيدته بغية الإشارة إلى أن جسده مهدوم تمامًا مثل هذه القصيدة التي هدمت قواعدها وكتبت على هذه الصورة المرادة.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ الشاعر يبتكر إيقاعًا داخليًا عميقًا في قصيدته، وذلك يرجع لتكرار بعض الحروف، لا سيما حرف القاف، فهذا التكرار يُحدث جرْسًا موسيقيًا داخليًا، وإشارة وتلميحًا إلى أنّ الشاعر يريد التلميح والجهر بما يخفيه في نفسه، فهذا الحرف من خصائصه أنّه حرف مجهور، ولعل الشاعر أراد أن يخبرنا بحاجته للتعبير.
ولا يقف الشاعر عند هذا الحد، بل نراه يتجاوز ذلك في توظيفه للحروف ذات الخصائص الجهرية على حساب الحروف المهموسة، فالشاعر يعاني من أزمة نفسية وجودية ويريد التعبير عنها، ويريد أن يستنطق الكلمات ويُسمع الناس بألمه، وأنّ رؤيته للزهور تتردد عليه في المستشفى يثير أحزانه.