تحليل قصيدة (على قدر أهل العزم)
تحليل قصيدة (على قدر أهل العزم)
قال المتنبي :
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
- وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
- وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ
- وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ
- وَذَلِكَ مالا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمراً سِلاحُهُ
- نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ
- وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها
- وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ
- فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا
- وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَت
- وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها
- عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ
تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ
- وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعاً
- مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها
- وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ
- فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُم
- سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ
- ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ
- وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ
- فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التَراجِمُ
فَلِلَّهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ
- فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ
تَقَطَّعَ مالا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا
- وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ
- كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً
- وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
التحليل النحوي
تنوعت الأفعال في القصيدة ما بين الفعل الماضي والفعل المضارع، إلا أنّ الفعل المضارع ظهر أكثر في بدايات القصيدة لأنّ الموضوع الذي كان يُعالجه المتنبي هو الحاضر وقدرة سيف الدولة على هزيمة خصومه في الوقت الحالي وأكثر الأفعال التي استعملها هي: "تأتي، تصغر، تعظم، يكلف، يطلب، يفدي، تدعيه" ثم يُعرج في منتصف القصيدة إلى بعض من الأفعال الماضية التي تُحكي أمجاد سيف الدول مثل: "ضرّها، خلقت، سقتها، دنا".
ابتدأ قصيدته بجملة اسمية وهي: "على قدر أهل العزم" للدلالة على ثبوت المعنى في نفس الشاعر وإرساله للمتلقي، والبيت المحوري في هذه القصيدة هو: "يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ، وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ: الذي بنى عليه قصدته كاملة.
التحليل الصرفي
وردت في القصيدة مجموعة من الأفعال المضارعة على وزن "تَفعل" مثل كلمة: تأتي "تصغر، تطلب"، وفيه دلالة على حدوث الفعل في الوقت الحاضر وتمكنه من نفس الشاعر، وكذلك مجموعة من الأفعال الماضية على وزن "فَعَل".
والتي هي امتداد لزمان يسبق زمان المتكلم أي يريد الشاعر أن يُعرف بذلك الزمان، وورد في القصيدة كلمات تحمل وزن اسم الفاعل مثل: "صارم، نائم، عالم، قادم" وهذه الألفاظ كلها تدل على الحدث الذي قام به صاحب الفعل وهنا يقصد المتنبي سيف الدولة.
التحليل الأسلوبي
تنوعت الأساليب التي استعملها المتنبي في هذه القصيدة ما بين أساليب إنشائية وأخرى خبرية، ومن ذلك قوله: "سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ" جملة خبرية قابلة للتصديق والتكذيب، أمّا قوله: "وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها" استفهام خرج من معناه الحقيقي إلى معنى استنكاري.
التحليل الإيقاعي
نسج المتنبي قصيدته على البحر الطويل وهو من أكثر البحور التي ركب الشعراء صهوتها، حيث إنّها مؤلف من تفعيلتين مكررتين وهم: "فعولن مفاعيلن" وقد سيطرت على القصيدة الأحرف الانفجارية أي الشديدة حيث قال الشاعر: "وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ."
حيث تكرر حرف الصاد كثيرًا وحرف العين وذلك كله يحمل دلالة على القوة والشدة والبأس وتكررت في القصيدة كلمة تأتي وذلك يدل على قوة الموقف الذي يتمتع به سيف الدولة وكأنّ الشاعر يُخبر الآخرين أنّ كل شيء يأتي إليه.