تحليل رواية الخيميائي
التحليل الموضوعي لرواية الخيميائي
تتمحور رواية الخيميائي للكاتب كاولو بويلو حول القوة الإلهية الموجودة بالعالم التي من خلالها فقط يستطيع الفرد أن يجد أسطورته الخفية التي ستساعده في السعي لإيجاد هدفه، فمن وجهة نظر الكاتب في الرواية فإن الفرد لا يستطيع أن يصل إلى الكمال إلا عندما يتآلف وينسجم مع الطبيعة الموجودة في الكون ليصبح قادرًا على تحقيق ذاته والوصول إلى مراده، وإذا ما أردنا ان نجد تحليلًا موضوعيًا.
فيمكن القول: أن الفرد لا يستطيع أن يحقق هدفه إلا عندما يكون قادرًا على الانتباه والخضوع للإشارات في يومه العادي، فهذه الإشارات ليست عبثيّة إنما هي الطريق الذي من خلاله يمكنه الوصول إلى مراده، ومن الجدير بالذكر أن كاولو بويلو يركز على القوة الكامنة داخل الفرد بصورة خاصة؛ إذ إن هذه الإشارات لا تأتي إلا بوجود نيّة في السعي والبحث عن معنى الإنسان الحقيقي والجوهري.
والتي من خلالها أيضًا سيكون الفرد قادرًا على تحديد أولوياته والاستغناء عن بعض الأمور الثانويّة ليصل إلى رحلته سالمًا فعلى سبيل المثال؛ فشخصية سانتياغو "الراعي" في الرواية تطلبت منه أن يتخلى عن قطيعه، ولعل القطيع كانوا تعبيرًا مجازيًا عن الأشياء المادية في حياة الإنسان؛ أي انها ثانويّة وغير ثابتة.
ولعل هذه الرواية أيضًا هي روحيّة الوصف لكنها تدل على أن الإرادة والسعي تكمن في جوهر الإنسان لكي تستجيب إليه الإشارات الإلهية وليجد طريقه آمنًا.
التحليل الأسلوبي لرواية الخيميائي
يمتاز أسلوب باولو كويلو بالمباشرة ما يسهل فهمه على القارئ؛ وذلك بسبب بساطة أسلوبه الشعري والفلسفي، فمن الممكن القول: إن أسلوب كويلو الكتابي في الرواية يهدف إلى إدماج القارئ في حالة فكرية ملهمة من خلال التنقل بين حوار الشخصيات في الرواية والتي كانت تحمل العديد من الجُمل الفلسفيّة ذات أبعاد فكريّة، من خلالها يستطيع الكاتب التعرف من خلالها على المعنى المقصود من الرواية.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الكاتب استعرض العديد من الأسئلة في روايته وهذا ليلفت انتباه القارئ ويثير فضوله بالإجابة عن هذه الأسئلة في أذهانهم بخاصة أنها أسئلة متعلقة بوحي الحاضر والمستقبل، بلا شك أنه كان لهذا الأسلوب المؤثّر دور مهم في الحفاظ على انتباه القارئ وتفاعله مع الأحداث بصور أكبر، ولعل الأسلوب الصادق في روايته ساعد القارئ بسهولة الانتقال من فكرة إلى فكرة بسلاسة.
أما فيما يتعلق بالصور الذهنيّة التي استخدمها بالرواية مثل الشكل العام للشخصية، ولباسها، ومميزاتها، وأبعادها، وكل هذه التفاصيل الغريزة جديرة أن تجعل القارئ متعلقًا بهذه الشخصية ويتفاعل معها بصدق، بخاصة مع تطورها الدائم في الرواية، وهذا كله يعود إلى الطريقة الغنائية الشعرية والمباشرة التي استخدمها كويلو في رواية الخيميائي.
الاستعارة والصور الفنية لرواية الخيميائي
تُعد الاستعارة شكل من أشكال الكلام، وتُستخدم عادةً بكلمة أو تشبيه مغاير للمعنى المقصود في الرواية؛ فعلى سبيل المثال:
- الاستعارة في كلمة "الصحراء": إذ استخدم باولو كويلو كلمة الصحراء رمزًا "للمخاطر والغموض"، وكما في الرواية فإن الكاتب استخدم كلمة الصحراء لتتحول هذه المخاطر والصعاب في نهاية المطاف إلى أمور جيّدة وتكون قادرة على أن تدل هبوب الصحراء سانتغياو إلى الاهرامات، وهي ما يبحث عنه.
- استخدام الصور الفنية: مثل استخدام قصة "روميو وجولييت" واصفًا بهما البطل سانتياغو وابنة التاجر "فاطمة"، والتي أحبها وتزوجها في النهايّة.
الحوار والسرد في رواية الخيميائي
اعتمدت الرواية على المثل المنسوج في القصة وهو البحث عن الذات، إذ اعتمد الحوار بشكل مباشر على قصة البطل وهو سانتغياو الراعي الاندلسي الذي يذهب برحلة إلى مصر، فمن خلال هذه الرحلة والصعوبات التي تواجه الشخصيّة الرئيسيّة في الرواية يكون هناك عدة حوارات تُعمق المعنى الحقيقي لهذه الرحلة.
كما تعرض الرواية الكثير من وجهات النظر التي تمنح القارئ القدرة على التخيل والتنبؤ والتوقع دون إطار يحدد توقعه وظنونه.
آراء النقاد حول رواية الخيميائي
وفيما يلي نستعرض مجموعة من أهم آراء النقاد حول رواية الخيميائي:
- " تعد رواية مُناسبة للكبار والصغار؛ إذ إن حكاية الفتى في الرواية تعكس طموحه الكبير وإصراره في رحلته نحو الرجولة، كما أنه يمكن قراءتها من وقت لآخر؛ وهذا لأنه تحوي العديد من القصص والاقتباسات المُستفادة والملهمة".
- "يعد كتابًا ملهمًا، بالرّغم من الصعوبات التي واجهها هذا الصبي في رحلته، وبدى كأنه مُستحيلًا، ولكنه أصر أن يبحث عن كنزه الحقيقي ومهما كانت النتيجة وصعوبة الظروف، هذا الكتاب يساعد القارئ على التفكر أكثر، لذا يجب على الجميع قراءته وهذا لأنه يعطي حافزًا قويًا، ودروس وعِبر مستفادة لتحقيق ما يريده الإنسان، بخاصة للحالمين الضائعين بالعالم الوردي ولكنه زاخر بالسعي".
- "هو كتاب صوفي يحتوي على العديد من الدروس التي تفيد في الحياة العملية، إذ انها تحوي رسائل عميقة وبعيدة المدى، وهذا من خلال الرحلة التي يخوضها الفتى من أجل الحياه والإنجازات، والوصول إلى الهدف، كما أنه زاخر بالاقتباسات الجميلة مثل: " عندما تريد شيئًا ما، فالكون كله يتآمر لمساعدتك على تحقيقه".
أهم الدروس المستفادة من رواية الخيميائي
يجدر بالذكر أن كتاب الخيميايي هو أحد الكُتب الأكثر مبيعًا في التاريخ، إذ إن هناك اكثر من 65 ميلون نسخة، وهو موجود ب 56 لغة مختلفة في العالم، وهذا بسبب القصة الملهمة للكثير من الأشخاص الحالمين والطامحين، ويعرض الكتاب دروسًا مستفادة عديدة منها:
- الخوف من التجربة اسوأ من الفشل؛ فالمعاناة الحقيقة تنبع من الخوف من التجربة والمغامرة والبحث، فدومًا بعد أي تجربة جديدة يكون هناك مكافأة عظيمة ينالها الشخص في رحلة سعيّه.
- كل ما هو حقيقي سيبقى دائمًا؛ فلا يمكن أن يتم تغطية الحقيقة بعبق الدخان، وكل ما هو حقيقي بداخلك سيبقى إلى أن تصل.
- التخلي عن الكسل والرتابة، فالسر دائمًا بالتعرف على الأشياء الجيّدة كل يومه لتكون قادرًا على إيجاد الجانب المضيء في حياتك.
- تقبل الحاضر والعيش به، فلا تعش بالمستقبل ولا بالماضي، ركز على حاضرك لتكون أسعد.
- نجاحك سيكون له تأثير مضاعف، فأن تصبح نسخة أفضل من نفسك يعني أنك ستكون مؤثرًا في محيطك العائلي والعملي والاجتماعي.
- القدرة على اتخاذ القرارات، فالقرار المدروس دائمًا ما سينقلك إلى عالم آخر لم تكن تحلم به.
وفي نهاية المطاف يُمكن القول: إن الإنسان لا يستطيع أن يصنع فارقًا في حياته إذا لم يخرج من منطقة الراحة، وبدأ بالسعي نحو الأشياء التي يريد تحقيقها والحصول عليها في حياته، أيًا كانت صغيرة أم كبيرة، فما أن يبدأ في رحلته حتى يلقى قوى خفية إلهية توجهه نحو الصواب.
وتلهمه الإشارات ليكمل طريقه دون كلل: أي أن هناك أيادٍ خفيّة دائمًا ستحمله إلى ما يريد، وذلك بقدر السعي والبحث والمغامرة والصبر الذي يتحلى بهما الإنسان الطموح، قال تعالى في سورة النجم: "وأنْ ليس لِلإِنْسَانِ إِلَّا ما سعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزَاءَ الأوفى".