تحليل أقصوصة الزهايمر
التحليل الموضوعي لأقصوصة الزهايمر
تدور أحداث القصة حول يعقوب العريان، الذي يقف أمام بائعة العطور؛ ليشتري زجاجة عطر لزوجته، وهو يعلم تمام المعرفة أنه من النوع المفضل لديها، واسمه "إكسنتركس"، ولكن عندما سألته البائعة عما يريده تحديدًا، لم يستطع تذكر اسمه، وقد حاول مرارًا وتكرارًا تذكره، ولكن بلا فائدة، فبدأت البائعة محاولة مساعدته، فشعر بالخجل الشديد، واضطرب كثيرًا، فقرر الاعتذار ومغادرة المتجر واعدًا البائعة بعودته قريبًا مع اسم العطر الذي يريد، ابتسمت له بطريقة لطيفة وخرج من المتجر، وتعتبر هذه الأقصوصة عبارة عن مجموعة من الرسائل التي كان يرسلها لزوجته في أثناء رحلة علاجه خارج موطنه، فقد آثر السفر والابتعاد؛ كي لا تتأثر أسرته بمرضه.
في إحدى الرسائل التي أرسلها لزوجته، بينما كان يُعالج في المستشفى من الألزهايمر، أخبر زوجته أنّ مرض ألزهايمر أرستقراطي للغاية، ويعود السبب في ذلك إلى أنه لم يصب إلا صفوة الصفوة، إذ أصيب به عددٌ من الأشخاص الغربيين المشهورين وقد ذكر منهم؛ السياسي الأمريكي المعروف: باري جولدواتر، والنجمة العالمية وريتا هيوارث، وممثل الملاحم السينمائية الكبرى شارلتون هيستون، وملكة هولندا وتدعى: جوليانا، أما أكثرهم شهرة، فقد كان الرئيس رونالد فقد وصف المرض أنه؛ مرض جميل! إذ يتقابل المريض مع نفس الأشخاص كل يوم، ولكنه يظن نفسه أنه قابل أشخاصًا جددًا في كل مرّة.
التحليل الأسلوبي لأقصوصة الزهايمر
بعدما كان الدكتور غازي القصيبي يقبع في فراش المرض، أنهى أقصوصته الأخيرة، وبعدما توفي رحمه الله تمت طباعتها ونشرها، وبعد الاطلاع عليها تبين أنها تحمل أسلوب الرسائل القصيرة، وقد نوّه الدكتور إلى أنها ليست سيرة ذاتية، بقدر ما قد تكون رسائل من زوج إلى زوجته، وهي تحتوي على اثنتي عشرة رسالة، كتبها طارق العريان لزوجته بينما كان مسافرًا في رحلة علاج خارج وطنه.
وقد عبّر الدكتور غازي القصيبي من خلال أقصوصته تلك عن المشاعر التي تعتري الإنسان عندما تتابع الذكريات في مخيلته، فكانت هذه الأقصوصة محاولة للهروب من تلك الذكريات نحو عالم النسيان والراحة من تعب الحياة وضنك العيش، كما كان للأغراض التربوية والاجتماعية مكانة واضحة في أسلوبه في الأقصوصة، من خلال تحفيز القارئ نحو التعاطف مع مرضى ألزهايمر.
الاستعارة والصور الفنية في أقصوصة الزهايمر
استخدم الدكتور غازي القصيبي في أقصوصته العديد من القواعد النحوية التي ينبغي توافرها في القصة القصيرة، كما استخدم ضمير الغائب مثل: هو، وهي، وكذلك استخدم علامات الوصل، والحذف، والاستبدال، وهذا يدل على الحالة المضطربة لمريض ألزهايمر؛ فهو يكون ما بين حالة النسيان والتذكر، كما أنه حرص على تماسك النصوص، من خلال الحبكة التي تلعب دورًا كبيرًا في وحدة النصوص في القصة القصيرة، من خطاب وبنية متكاملة، وعلاقات دلالية، وتشابيه، واستعارة.
توافرت في الأقصوصة العديد من المعايير، مثل: الترابط النحوي، والحبكة القوية، التي قادَت إلى أسلوب سهل سلس غير معقد، وفي الوقت ذاته قويًا، مما أسهم في توضيح القصة للقارئ العادي الذي لا يمتلك الكثير من المعرفة حول القصة القصيرة، وشروطها، وأساسياتها، وقواعدها، وقد تنوّعت المعلومات التي قدمها الكاتب ما بين منخفضة، ومتوسطة، وعالية، وكان للخطاب والحوار دور بارز من خلال الوقائع التي عرضتها الرسائل، كما تنوّعت المصادر التي استخدمها الكاتب، ما بين الأمثال الشعبية، والقرآن والسنة، فقد جمع بين المعايير النصية كافة، إذ شكلت نصًا متماسكًا ومتناسقًا بغرض التأثير في المُتلقي.
وتظهر في الاقتباسات الآتية العديد من الأساليب الفنية الرائعة من تشابيه واستعارة، وصور فنية جميلة:
- وراءَ كُلّ إنجازٍ عظيم.. إيمانٌ عظيم.
- كيف تستطيع أمّة أن تصنع مستقبلها وهي في قبضة ماضيها؟
- سنوات المراهقة في حياة كل إنسان (وإنسانة) هي سنوات ضائعة لا معنى لها مسروقة من الطفولة والرجولة معًا.
- هذا مرض جميل!
- الكرامة البشرية مرتبطة ارتباطًا عضويًا بالعقل البشري.
الحوار والسرد في أقصوصة الزهايمر
سرد بطل الرواية طارق العريان العديد من الوقائع التي يعانيها مريض ألزهايمر من: معاناة، ومرض، وعزلة، ومعاناة يومية، ومكابدة، وقد تطرق الدكتور غازي القصيبي من خلال روايته لسرد العديد من القضايا المهمة، مثل: القضايا السياسية، والعرب، واليهود، وقضية الاختلاط، والمراهقة، والقضية الفلسطينية، وقد سرد في إحدى رسائله، وهي الرسالة العاشرة شعوره نحو ذلك المرض الذي وصفه بالموت قبل الموت.
المريض يعيش حالة من الغياب والضياع، ولا يعود هو نفسه القديمة، وتصبح ذكرياته محتجزة خلف جدار سميك، كما أنه كان للأسلوب الساخر دور في سرد الرسائل، فقد خلط بين الحب، والموت، والحرية، والفراغ، في أسلوب درامي ساخر، وظهر ذلك جليًا عندما وصف لزوجته في رسالته حواره مع الدكتور هنري كيسنجر.
تحليل الشخصيات في أقصوصة الزهايمر
قدم لنا الدكتور غازي القصيبي بطله الذي لا يكون بطلًا في حد ذاته، وإنما هو إنسان مريض متعب، يواجه مأساة النسيان الذي وصفه بعضهم بالموت، وهو الشخصية الوحيدة والأساسية التي حرم صاحبها وهو طارق العريان من مواجهة ومصارعة الأقدار، التي تحتاج إلى مصارعة، ومواجهة، ووعي، وتصميم، وهذا ما لا يستطيع مريض ألزهايمر القيام به، وكان لشخصيات أخرى أدوار أخرى في أقصوصته مثل: زوجته التي كان يرسل إليها الرسائل، والتي بلغ عددها اثنتي عشرة رسالة، يحدثها فيها عن مشاعره، وخوفه، واضطرابه، وهو بعيد، وبائعة العطور ذات الابتسامة العذبة، وبعض الشخصيات التي اكتفى بذكرها من خلال حديثه عن المرض الأرستقراطي الذي أصيب به عدد من المشاهير، الذين اكتفى بذكرهم فقط.
آراء النقاد حول أقصوصة الزهايمر
إن عدم وجود ترابط بين تلك الرسائل، وعدم الوحدة الموضوعية لها أفقد القراء الدافع للاستمرار في القراءة، ولكن أسلوب الكاتب المشوّق وخبرته في جذب القارئ ساعد كثيرًا في تحقيق الفهم الواضح لكل من يقرأ الأقصوصة، ونتج عن ذلك حبكة غير موضوعية؛ بسبب انعدام الترابط بين الرسائل كافة، وقد انتهت الرسائل تحت عنوان مخرج، إذ جُمعت كلها مع شتى الأوراق الخاصة بطارق العريان، إلى زوجته بعد وفاته بنوبة قلبية، وقد كانت مختومة بتوقيع الدكتور المعالج له في قسم ألزهايمر في جامعة جورج تاون.
كان لأقصوصة الدكتور غازي القصيبي أهمية عظيمة، فقد ذكر فيها ما يعاني منه مريض ألزهايمر من خلال شخصية طارق العريان، الذي آثر السفر ومراسلة زوجته في أثناء رحلة علاجه، وقد استخدم القصيبي العديد من الأساليب المُتبعة في كتابة القصة القصيرة، فقد استخدم السرد، والحوار، والصور، والتشابيه، والتعابير الفنية المختلفة، كما استخدم مجموعة من الشخصيات، التي ساهمت في تحريك أحداث القصة ولم تخلُ الأقصوصة من النقد.