تجارب جان بياجيه على الأطفال
ولد جان بياجيه في سويسرا في أواخر القرن التاسع عشر وقد ساعده عمله كمساعد مع كل من ألفريد بينيه وثيودور سيمون خلال عملهما لتوحيد اختبار الذكاء على تكوين ملاحظاته الخاصة عن النمو العقلي عند الأطفال، كما توصل للمزيد من النتائج والملاحظات من خلال ابنته وابن أخيه حتى وصل إلى فرضيته التي تنص على أنّ الأطفال يفكرون بطريقة تختلف عن الطريقة التي يفكر بها الكبار وأنهم ليسوا أقل ذكاءً منهم؛ لذا لا يجب التعامل معهم على أنهم نسخ مصغرة عنهم، وقد أشاد ألبرت أنشتاين بهذا الاكتشاف حيث وصفه بالعبقري.
تجارب جان بياجيه على الأطفال
قام جان بياجيه بسلسلة من التجارب لبناء فرضيات نظريته في التطور المعرفي لدى الأطفال، وقد ركز على الطريقة التي تتشكل فيها المفاهيم الأساسية لديهم مثل؛ فكرة العدد، والوقت، والكمية، ولم يصب اهتمامه على قياس مدى قدرة كل طفل على العد، أو التهجئة، أو حل المشكلات لتقدير مستوى ذكائه، وكان الهدف من ذلك هو تكوين مفهوم عن الآليات والعمليات العقلية التي تؤدي إلى تطور الأطفال منذ لحظة الولادة وحتى سن البلوغ والتي تنمو بشكل تدريجي نتيجةً للنضج البيولوجي والخبرات التي يكتسبها الأطفال من البيئة، مما ساعده على تقديم نموذج للتطور المعرفي يتألف من أربع مراحل وهي؛ المرحلة الحسية والحركية، ومرحلة ما قبل العمليات، ومرحلة العمليات الملموسة أو المادية، ومرحلة العمليات المجردة.
المخططات العقلية
اعتمد بياجيه على مفهوم المخططات بتقسيم الأشياء إلى مجموعات حيث افترض أنّ الطفل لديه هياكل أولية وراثية، والتي يتم بناء كافة الخبرات والمعلومات التي يكتسبها عليها، ومن أشهر التجارب التي قام بها وفقاً لمفهوم المخططات هي وضع كوبين يحتوي كل منهما على نفس الكمية من الماء وقام بطرح السؤال التالي على ثلاثة أطفال من فئات عمرية مختلفة "هل يحتوي الكوبان على نفس الكمية من الماء؟" ومن ثم كرر نفس السؤال بعد أن سكب كمية الماء الموجودة في أحد الأكواب داخل وعاء، فوجد أنّ الأطفال الأصغر سناً لا يستطيعون التمييز بأنّ ما حدث كان مجرد نقل لنفس كمية الماء من الكوب إلى الوعاء، وأنّ كمية الماء لم تتغير، وقد استخدم بياجيه نفس المفهوم في تجربة أخرى حيث عرض صفان متساويان من المربعات والدوائر على الأطفال، وقام بسؤالهم ما إذا كان الصفان متساويين أم لا، ثم قام بنشر أحدهما على الطاولة وعند سؤال الأطفال وجد أنّ بعضهم قد استطاع أن يميز بأنّ العدد نفسه لم يتغير حتى بعد انتشاره والبعض الآخر وهم الأصغر سناً لم يستطيعوا ذلك.
المرحلة الحسية الحركية
تتمثل هذه المرحلة في الفترة الممتدة بين الولادة وعمر السنتين، وقد أثبت بياجيه من خلال تجاربه أنّ الطفل في هذه المرحلة يستطيع أن يميز الأشياء، ويدركها من خلال عمليات حسية مثل النظر أو اللمس، ومن الأمثلة على هذه التجارب عرض لعبة على أطفال أعمارهم ضمن هذه المرحلة العمرية، ثم قام بإخفائها تحت بطانية، فوجد أنّ الأطفال من عمر 18 إلى 24 شهراً استطاعوا أن يدركوا أنّ إخفاء اللعبة دافع لهم للبحث عنها، بينما الأطفال الأقل من 6 شهور لم يقوموا بالبحث عنها؛ مما يعني أنّ إدراكهم للشيء يكمن في دوام وجوده أمام أعينهم.
مرحلة ما قبل العمليات
وجد جان بياجيه أنّ الأطفال في هذه المرحلة؛ من عمر سنتين حتى 7 سنوات يتميزون بقدرتهم على تمثيل الأشياء من خلال الأنشطة المختلفة، ومن أهم الأمثلة على ذلك اللعب الدرامي حيث يمتلك الأطفال في هذه المرحلة القدرة على ربط خيالهم بالواقع؛ مما يجعلهم يبتكرون أشياء قد لا تتخيلها، فعلى سبيل المثال؛ تجد طفلك يستخدم موزة على أنها تلفون ويتحدث إليك من خلالها، وقد نجحت العديد من المدارس في تطبيق تجارب بياجيه مع الطلاب، ومنها تخصيص وقت للعب الدرامي للصفوف الأولى لتشجيع الطلاب على تنمية مهاراتهم .
مرحلة العمليات الملموسة
أطلق بياجيه هذا الاسم على هذه المرحلة التي تقع بين عمر 7 سنوات و11 سنة؛ بسبب اعتماد العمليات العقلية لدى الأطفال على فهم الأمور والأحداث الملموسة، كما يصبح لديهم القدرة على حل المشكلات بشكل منهجي أكثر من قبل، ومن التجارب التي قام بها بياجيه حتى يستخلص الفروقات بين هذه المرحلة ومرحلة ما قبل العمليات تجربة حفظ الكمية، حيث أحضر كرتين من الطين متطابقتين تماماً، وسأل الأطفال هل الكرتان تحتويان على نفس الكمية من الطين؟ فأجاب الأطفال من كلتا المرحلتين بشكل صحيح، ولكن عندما أعاد سؤال الأطفال بعد أن حاول ضرب إحدى الكرات لتأخذ شكلاً طولياً ورقيقاً تبين له أنّ الأطفال الأقل من 7 سنوات مرحلة ما قبل العمليات لم يستطيعوا تمييز أنّ كمية الطين في الكرتين لم تتغير مع تغير شكلها، على عكس الأطفال الذين ينتمون إلى مرحلة العمليات الملموسة حيث لديهم قدرة على التمييز بأنّ الكمية تبقى كما هي، حتى لو تغير الحجم أو الشكل الظاهري، فجاءت إجابتهم صحيحة بأنّ كمية الطين متساوية في الكرتين.
مرحلة العمليات المجردة
تشمل هذه المرحلة الفئات العمرية من 11 سنة فما فوق، وكان بياجيه شديد الاهتمام بالتفكير الافتراضي في التجارب العلمية لذلك قام بإجراء العديد من الدراسات على المرحلة الإعدادية والثانوية، وكانت تجربة البندول من بين هذه التجارب التي أجبر الطلاب فيها على التفكير بشكل افتراضي وذلك بطرح أسئلة مجردة حول البندول (عبارة عن محور يتم تعليق أوزان مختلفة به بحرية) مثل؛ ما هو العامل الذي يحدد سرعة تأرجح البندول؟ وطلب منهم الإجابة دون لمس البندول، وكان الهدف من ذلك هو اختبار قدرتهم على التعامل مع كافة الاحتمالات والتلاعب مع النتائج المختلفة لها من خلال تخيلها، وتعد هذه المهارة الدقيقة أهم ما يميز هذه المرحلة.