تاريخ وادي موسى
سبب تسمية وادي موسى
كان وادي موسى يُدعى قديمًا باسم إلجي؛ حيث اشتقت من كلمة اللجوء؛ بسبب لجوء الناس إليها عند حدوث النزاعات، كما يعود تسمية الوادي بهذا الاسم نسبةً إلى النبي موسى بن عمران -عليه السلام-، حيث زار الوادي بعد خروجه مع بني إسرائيل من مصر.
كان موسى -عليه السلام- على علم باقتراب موته، فتناول حجرًا من الوادي، وثبته في أحد الجبال، ثم ضرب الحجر بعصاه،؛ ليتدفق منها اثنا عشر عينًا من المياه، فأصبحت لاحقًا اثنتي عشرة قريةً، وما زال الحجر في مكانه إلى يومنا هذا.
وادي موسى عبر العصور
استوطن الإنسان وادي موسى منذ العصور الحجرية، حيث شهد قيام مملكة الأنباط، وقد تعرض لمحاولة الاحتلال من قبل الرومان، وكان مسكنًا لكثير من النساك والرهبان؛ لما يتمتع به الوادي من مكانة دينية، واكتشفت فيه آثار تاريخية تعود إلى العصر العباسي الأول، والعصر الفاطمي، والعصر الأموي.
شهد وادي موسى الفتوحات الإسلامية، حيث ذهب أبو عبيدة برفقة جمع من المسلمين نحو مصر مرورًا بوادي موسى والشوبك، وعندما اقترب من العقبة التقى بمجموعة من الفرسان يبلغ عددهم 1000 فارس من ثقيف كانوا ذاهبين إلى مصر.
استطاع العثمانيون السيطرة على وادي موسى أثناء الحكم العثماني، وقد سكن فيها خلال تلك الفترة عرب اللياثنة الذين أتوا من بلاد الحجاز، ويمثلوا أصل معظم سكان المنطقة في الوقت الحالي.
وادي موسى عاصمة الأنباط
في عام 2001م غُير اسم لواء وادي موسى إلى لواء البترا، حيث إنّه يضم في قلبه مدينة البتراء، التي تُعد من أهم المعالم التاريخية في الأردن، كما أنّه يُحيط بها من جميع الجهات، ويُمثل البوابة الرئيسية لها؛ لذلك يُلقب وادي موسى بحارس المدينة الوردية.
يعود بناء المدينة الأثرية إلى الأنباط في سنة 400 ق. م، حيث اتخذها الأنباط عاصمةً لهم في سنة 312 ق. م، ويعود الفضل باكتشاف المدينة الوردية إلى الرحالة السويسري يوهان بيركهارت في عام 1812م.
تميزت البتراء بموقع استراتيجي على طريق الحرير، ووسط حضارة بلاد ما بين النهرين وفلسطين ومصر، فاشتهر سكان المدينة الوردية بالتجارة، وتحتوي المدينة الوردية على مجموعة من المعالم الأثرية، منها ما يأتي:
السيق
هو شق صخري يبلغ طوله 1200م، وعرضه يتراوح بين 3 - 12م، بينما يبلغ ارتفاعه 80م، حيث يبدأ عند السد وينتهي عند الخزنة، إذ يُمثل الممر الرئيسي نحوها، وتشكل السيق بفعل الطبيعة والإنسان، ويوجد في بداية الممر بقايا قوس يُمثل باب المدينة الوردية.
يُوجد على جانبي السيق قنوات مياه تنبع من عيون وادي موسى، حيث إنّ القناة اليمنى عبارة عن أنابيب فخارية، والقناة اليسرى منحوتة بالصخر، ومغلقة بألواح حجرية، كما يُوجد فلاتر لتصفية المياه، وسدود لمنع تدفق المياه بشدة، ويُوجد منحوتات نبطية على جوانب السيق نُحتت تمجيدًا للآلهة آنذاك.
الخزنة
يعتقد البدو أنّ الجرّة الواقعة أعلى الخزنة يُوجد بداخلها كنزاً؛ لذلك أُطلق عليها الخزنة، لكنها عبارة عن ضريح ملكي، كما يُعتقد بأنّ الخزنة عبارة عن معبد أو مكان لحفظ الوثائق، لكنها بالأصل مدفن لملك الأنباط الحارث الرابع.
تتكون الخزنة من طابقين، ومجموعة من الأعمدة التي تقف على مصطبة، كما يُوجد أعلى الأعمدة تيجان تحتوي أشكال عدة، ويقع درج في وسط الخزنة، وتبدو الفنون المعمارية المصرية والسورية والهلنستية واضحة فيها مع تأثرها بالطابع النبطي.
تتكون الخزنة من الداخل من ثلاث غرف، حيث تُغلق عبر باب خشبي أو برونزي مع وجود قناة صغيرة ممتدة من داخل البوابة نحو الشمال؛ وتصل إلى حوض صغير بجانب المدرج، ويُوجد على جوانب الخزنة مجموعة من السدود، والثقوب؛ لتثبيت الهيكل أثناء نحت الخزنة، بينما يُوجد في أعلى الخزنة قناة لتصريف المياه.
المسرح
يقع المسرح على يسار الخزنة، وقد نُحت خلال القرن الأول للميلاد على شكل نصف دائرة، ويتكون من 45 صفًا، حيث يستوعب 4 آلاف فرد، ويُوجد فوق المدرج قطع صخرية استخرجت من الخزنة، ونحتت ساحة الأوركسترا في الصخر، بالإضافة إلى الممران الجانبيين المرصوفين بالحجارة، بينما يتكون الجدار الخلفي من ثلاثة طوابق، حيث زُين بالكوات والأعمدة والألواح الرخامية.
وادي موسى في العصر الحديث
عند قيام الثورة العربية الكبرى شن الأمير فيصل حملةً عسكريةً نحو وادي موسى؛ لتحريره من الاحتلال العثماني بالتحالف مع العشائر، بالإضافة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، وهي كالآتي:
- محاصرة الجيش التركي المتحصن في مدينة معان، ومنع وصول الأخشاب والغذاء والمياه إليه.
- وضع المنطقة تحت السيطرة؛ لمواصلة الثورة نحو مدينة الشوبك.
- تأسيس نقطة اتصال مع الحلفاء في فلسطين عبر وادي عربة، كذلك الأمر مع العشائر الأردنية، لتزويد جيش الثورة العربية الكبرى بالمتطوعين.
حدث ذلك خلال شهر تشرين أول سنة 1917م، حيث تشكلت القوات من 300 جندي، وعدد كبير من المتطوعين، ومدفعين جبليين، و4 رشاشات، واستطاعت قوات الثورة السيطرة على الوادي بعد معارك عدة.