تاريخ الفكر اللساني عند العرب
نشأة الفكر اللساني عند العرب عبر العصور
كانت بوادر نشأة الفكر اللساني عند العرب بعد نزول القرآن الكريم، إذ كان معجزةً ودافعًا قويًا للاهتمام باللغة، نظرًا إلى فصاحة ألفاظه وبلاغة معانيه، فهو خطاب تحدى به الله -عز وجل- العرب الذين عُرفوا بالبراعة اللغوية والنظم، وبعد ذلك ظهرت مشكلة "اللحن" عند قراءة القرآن الكريم؛ بسبب اختلاط العرب بالعجم، وأجمعت الدراسات اللغوية على أنّ أبا الأسود الدؤلي واضع علم النحو عمل على ضبط المصحف الشريف عند القراءة.
يقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: "إنّه منذ منتصف القرن الثاني الهجري بدأ علماء المسلمين يُسجلون الحديث النبوي، ويُؤلفون في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني. وبعد أن تم تدوين هذه العلوم اتجه العلماء وجهة أخرى نحو تسجيل العلوم غير الشرعية ومن بينها اللغة والنحو".
تلا جهود أبو أسود الدؤلي في الدرس اللغوي عددًا من العلماء، مثل: الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي حاول دراسة الأصوات وصفاتها، كما تجدر الإشارة إلى جهود عدد من العلماء الآخرين الذين حاولوا وضع أسس للدرس اللغوي عند العرب قديمًا، ومنهم ما يأتي:
- عيسى بن عمر الثقفي
وهو نحوي يُنسب إليه كتابين، هما: "الجامع" و"المكمل".
- أبو عمرو بن العلاء
أحد الأعلام في النحو واللغة والقراءات السبعة، وقال فيه أبو عبيدة: "أعلم الناس بالقراءات العربية وأيام العرب والشعر، وكانت دفاتره ملء بيته إلى السقف".
- عبد الله ابن أبي إسحاق
يُقال إنّه أول من علّل النحو، وعُني بالهمز.
- سيبويه
هو صاحب أول عمل نحوي كامل، وهو "الكتاب".
الفكر اللساني في العصر الحديث
يربط العديد من الباحثين النهضة اللغوية في الثقافة العربية الحديثة بالبعثات العلمية التي قام بها محمد علي باشا، بالإضافة إلى إسهامات رفاعة الطهطاوي بعدما سافر إلى فرنسا، إذا أوصى في كتبه الاهتمام بدراسة اللغة وإنشاء مجمع للغة العربية شبيه بالمجمع العلمي الفرنسي، وتلا ذلك ظهور عدد من الكتب في الدرس اللغوي، منها ما يأتي:
- كتاب "الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية"، وكتاب "اللغة العربية كائن حي" لجورجي زيدان.
- كتاب "علم اللغة"، وكتاب "فقه اللغة" للدكتور علي عبد الواحد وافي.
كما بدأت تظهر على الساحة الثقافية العربية علاقة بين المناهج اللسانية عند الغرب والبحث اللساني عند العرب، وذلك من خلال ما قدمه العلماء العرب في حقل الدراسات اللسانية، مثل: تمام حسان، محمود السعران، عبدالرحمن الحاج صالح، وكمال بشر وغيرهم، وظهر بعد ذلك عدد من المذاهب والمناهج اللسانية العربية، ومنها ما يأتي:
- المنهج الوصفي التقريري.
- المنهج التأصيلي.
- المنهج التفسيري.
عقبات الفكر اللساني العربي
يُمكن تلخيص عقبات الفكر اللساني العربي فيما يأتي:
- حصر البحث اللساني بحقل الصوتيات فقط.
- معركة المناهج والمدارس اللسانية، خاصةً بين الوصفية والمعيارية.
- كتابة الأبحاث اللسانية باللغة الإنجليزية بدلًا من اللغة العربية.
- العكوف عن دراسة اللهجات.
أبرز علماء الفكر اللساني عند العرب
برز العديد من علماء الفكر اللساني العرب عبر تاريخ الفكر اللساني أجمع ومنهم الآتي:
- ابن رشيق
ربط ابن رشيق منهجه النقدي بين تكامل الخطاب البلاغي وقدرته على التعبير، وتحدث عن سيمة الكلام الأوفى، وهي الوصول الفوري إلى إدراك المتلقي، وتحدث أنّ بنية نسيج الخطاب لا تنسجم مع بنية المواضعة اللغوية، لذا يُصبح نفاذه إلى السامع لا يقبل النقص ولا يقبل الاعتراض.
- ابن رشد
قام ابن رشد بتحليل اختباري ارتكز هذا التحليل اللغوي على ظاهرة الاضطرار في الكلام أو ما يُعبر عنه بـ "الإسقاط الرأسي"، وبما أنّ الدلالة استقرائية بالإجماع فكان الخطاب من طبيعتها، وأمّا عن السبب الباطن فتمثل بالعلاقة بين الدال والمدلول التي اتسمت بالوحدانية.
- ابن حزم
اصطبغ منهج ابن حزم وهو المنهج التحليلي بالمرامي العقائدية، وركز على قضية الاضطرار اللغوي بجعل موجب الكلام مرآة تتوسط بحيث يكون الحدث اللغوي كشفًا ذاتيًا وتقبلاً خارجيًا في نوع من التطابق المطلق.