بعض فوائد الصيام الدينية
الصوم
يُعرّف الصوم لغةً على أنه الإمساك عن الشيء أو تركه، أما اصطلاحاً فيُعرّف على أنه عبادة الله -تعالى- بالامتناع عن كافة المفطّرات كالأكل والشرب وغيرها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن الجدير بالذكر أن الصوم ينقسم من حيث المأمور به، والمنهي عنه إلى قسمين، ويشمل المأمور به الصوم الواجب والمستحب، ومن الأمثلة على الصوم الواجب: صوم رمضان ، وصوم النذر، وكفارة اليمين، وكفارة القتل، وصوم الإحصار، وصوم التمتّع، وصوم المحرم للفدية، وصوم الجزاء عن قتل الصيد، وصوم كفارة الظهار.
أما الصوم المستحب فالأمثلة عليه كثيرة ومنها: صوم يوم وإفطار يوم وهو أفضل التطوع، وصوم أكثر شعبان، وصوم تسعة أيام من ذي الحجة؛ وآكدها يوم عرفة، وصوم ستة أيام من شوال، وصوم الاثنين والخميس، وصوم شهر الله المحرم وآكده يوم عاشوراء، وصوم الأيام البيض؛ وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، أما الصوم المنهي عنه فيشمل الصوم المحرّم وهو صوم يومي العيدين، والصوم المكروه وهو صوم يوم عرفة للحاج، ومن الجدير بالذكر أن الله -تعالى- شرع الصيام رحمةً بالعباد، وحمايةً لهم وجنّة، ومصالح الصوم مشهودةٌ بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة.
فوائد الصيام الدينية
يُعدّ الصيام من أعظم العبادات في الإسلام ، إذ إن صيام رمضان ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة التي لا يصح إسلام العبد إلا بها، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)، وقد كتب الله -تعالى- الصيام على أمّة الإسلام كما كتبه على من سبقهم من الأمم، وجعله من أعظم القربات، ورتّب عليه ثواباً لا حدود له، وللصيام الكثير من الفوائد الدينية، وفيما يأتي بيان بعضها:
- الصيام جنّة من الشهوات في الدنيا والعذاب في الآخرة: حيث إن الصوم وقايةٌ للعبد في الدنيا من الوقوع في المعاصي والشهوات، ووقايةٌ له في الآخرة من عذاب النار، مصداقاً لما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ)، بالإضافة إلى ما رُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصيامُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصينٌ من النَّارِ)، وما راوه عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيامُ جُنَّةٌ كجُنَّةِ أحدِكم مِن القتالِ)، والمقصود من الحديث النبوي الشريف أن الصيام يقي صاحبه من المعاصي وعذاب النار، كما يقي الدرع صاحبه من القتل في المعارك.
- الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة: فقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيامُ والقرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ، يقولُ الصِّيامُ: ربِّ إنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ بِالنَّهارِ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ، ويقولُ القُرْآن: ربِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليلِ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ، فيشَفَّعَانِ).
- الصيام سبب لدخول الجنة: يُعدّ الصوم سبباً من أسباب دخول الجنة ، لا سيّما أن الله -تعالى- خصّص للصائمين باباً من أبواب الجنة الثمانية ليدخلوا منه؛ وهو باب الريان، مصداقاً لما رواه سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ).
- الصوم كفارة للخطايا والذنوب: حيث إن الصوم من الأعمال التي تكفّر الخطايا والذنوب ، مصداقاً لما رواه حذيفة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ، ونَفْسِهِ ووَلَدِهِ، وجارِهِ؛ يُكَفِّرُها الصِّيامُ والصَّلاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ والنَّهْىُ عَنِ المُنْكَرِ)، والمقصود من الحديث النبوي الشريف أن الصيام من العبادات التي تكفّر الذنوب التي قد يصيبها الإنسان من خلال تقصيره في حق أولاده، أو جيرانه، أو أهله، أو الخطايا المترتّبة عليه بسبب انشغاله بأهله وماله وأولاده عن طاعة الله والعمل الصالح.
فوائد الصيام الدنيوية
إن فوائد الصوم لا تقتصر على الجانب الديني فقط، بل تشمل الجانب الدنيوي أيضاً، فثمّة الكثير من الفوائد الصحّية، والاجتماعية المترتبة على هذه العبادة العظيمة، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:
- الفوائد الصحّية للصوم: أكّد العلماء في زماننا الحاضر على أن الصوم ظاهرةٌ حيويةٌ فطريةٌ ضروريةٌ للمحافظة على الصحة الكاملة والحياة السويّة، حيث إن الصيام يؤدي إلى راحة الجسم، وإصلاح ما فيه من العلل، وامتصاص المواد المتبقّية في الأمعاء، والتي قد تتحول مع طول الوقت إلى نفاياتٍ سامّة، بالإضافة إلى دوره في تحسين عملية الامتصاص والهضم، وإعادة الحيوية لأنسجة الجسم وخلاياه المختلفة، وتقوية الذهن وتحسين الذاكرة، وقد أثبتت الدراسات دور الصوم في تنظيف الجلد وتحسين مظهره وزيادة جماله.
- الفوائد الاجتماعية للصوم: يحقّق الصوم الكثير من الفوائد الاجتماعية، حيث يُعد مظهراً عمليّاً للمساواة بين أفراد المجتمع، إذ إن كافة أفراد المجتمع غنيّهم وفقيرهم يشتركون في الإحساس بالجوع والعطش طيلة فترة الصوم، مما يدفع الغني للإحساس بمعاناة الفقير، وقد رُوي أن يوسف -عليه السلام- كان يُكثر من الصوم وهو على خزائن الأرض، فلما سُئل عن سبب ذلك قال: "أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقير".
- ويؤدي الصوم إلى نشر روح العدالة والمساوة بين أفراد المجتمع، حيث إن الفقراء يشعرون بالمساواة والسلوى، فيما يعانون من الجوع والحرمان غالباً، بالإضافة إلى أن الصوم يُنمّي السلوك الحسن من خلال ضبط النفس، والسيطرة عليها، مما يؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة، ومن أهم آثار الصوم الاجتماعية تنمية التكافل والإيثار، إذ إن الصيام يقضي على الأنانية في النفس، ويستعيض عنها بروح التكافل والإيثار، فتجد الأغنياء يسارعون إلى تقديم يد العون لإخوانهم الفقراء ، لا سيّما أنهم يشعرون بمعاناتهم.