بحث عن مصطفى لطفي المنفلوطي
مصطفى لطفي المنفلوطي
مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المنفلوطي هو أديب وشاعر مصري مبدع، امتاز بصياغةٍ إنشائيةٍ فذةٍ في مقالاته وكتبه، وله شعرٌ غاية في العذوبة والرقة، تلقى علومه في الأزهر الشريف ، وقد بدأ نجمه بالسطوع سنة 1907م بسبب نشره لمقالاته الأسبوعية في صحيفة المؤيد والتي كانت تحت عنوان (النظرات)، كما أنّ له كتباً مترجمةً عن الفرنسية رغم عدم إتقانه لها، لكنه كان يستعين ببعض المتقنين لها إذ كانوا يترجمون القصة له ويقوم هو بصياغتها بأسلوبه الخاص ثمّ نشرها باسمه.
حياة مصطفى لطفي المنفلوطي
ولد مصطفى لطفي المنفلوطي عام 1876 في مدينة منفلوط التابعة لمحافظة أسيوط، ونشأ وترعرع وسط عائلةٍ عريقة نسبها متصلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد عرفت بالصلاح والتقوى والعلم، ونبغ منها قضاة شرعيون توارثوا القضاء لمدة مائتي عام، وكان والده قاضياً شرعياً لمنطقته وسيداً على قومه.
التحق المنفلوطي بكُتّاب بلدته شأنه في ذلك شأن أقرانه من أبناء الريف المصري، فحفظ القرآن الكريم في سن صغير، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وعلم الفقه ، ثم انتقل إلى الأزهر لإتمام تعليمه، فدرس فيه خلال عشر سنوات شتى أنواع العلوم لا سيما علوم الفقه واللغة والأدب، وقد كان المنفلوطي شديد الرغبة في تحصيل العلم، محباً للأدب والأدباء والشعر، وسرعان ما ظهرت نزعته الأدبية، فنظم الشعر وأنشأ الرسائل بأسلوبه الرائع، فذاع صيته وعلا نجمه في الأزهر مما قربه إلى الشيخ محمد عبده حيث تتلمذ على يديه، فكان من أكثر تلاميذه تفوقاً، ونشأت صداقة حميمة بينهما، وأولاه الشيخ اهتمامه ووجهه التوجيه الصحيح نحو الحياة والأدب، وبعد وفاته رجع المنفلوطي إلى بلدته.
عُرف المنفلوطي بعزة النفس وعفتها، إذ إنّه لم يتقاضى يوماً أجراً على أدبه، ولم يُسخّر شعره أو رسائله لمنفعة شخصية قط، وكان وقوراً رزيناً، يترفع عن مجالسة من لا تعجبه أخلاقه وسلوكه، وفي وصف أخلاق المنفلوطي قال حسن الزيات في كتابه تاريخ الأدب العربي: (إنّه مؤتلف الخلق، متلائم الذوق، متناسق الفكر، متسق الأسلوب، منسجم الزي، لا تلمح في قوله ولا فعله شذوذ العبقرية، وكان صحيح الفهم في بطء سليم الفكر في جهد، دقيق الحس في سكون، هيوب اللسان في تحفظ، وهذه الخلال تظهر صاحبها للناس في مظهر الغبي الجاهل، فهو لذلك كان يتقي المجالس، ويتجنب الجدل ويكره الخطابة، وهو إلى ذلك رقيق القلب، عف الضمير، سليم الصدر صحيح العقيدة، موزع العقل والفضل والهوى بين أسرته ووطنيته وإنسانيته).
عمل المنفلوطي في الدولة في عدة مواقع، حيث عُيّن في عام 1909م في وزارة المعارف، وكانت وظيفته (محرر عربي)، وكان ذلك في عهد سعد زغلول باشا الذي كان صديقاً مقرباً له ومن أشد المعجبين به، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى وزارة الحقانية، وبعدها إلى الجمعية التشريعية، ثمّ إلى قلم السكرتارية في الديوان الملكي.
مؤلّفات وتراجم مصطفى لطفي المنفلوطي
بدأ المنفلوطي حياته الأدبية بنشر سلسلة من المقالات في صحيفة المؤيد في عام 1907م، ثمّ جمعت هذه المقالات تحت عنوان (الإسبوعيات) ثمّ فيما بعد باسم (النظرات)، وقد نشرت هذه المقالات في ثلاثة أجزاء في عام 1910م وعام 1912م وعام 1920م، ثمّ في عام 1912م نشر مجموعة من القصائد الرومانسية تحت عنوان مختارات المنفلوطي، وفي عام 1915م نشر سلسلة قصص (العبرات) وهي مجموعة من القصص الهادفة والتربوية فمنها ما هو موضوع ومنها ما هو مقتبس عن الفرنسية، وقد غلبت عليها صبغة الحزن وأعيدت طباعتها عدة مرات، ومن الجدير بالذكر هنا أنّ المنفلوطي قام بتحديث الكتابة العربية النثرية، مع المحافظة على الأفكار والأسلوب التقليدي، وفيما يأتي نبذة عن إبداعات المنفلوطي التي ألفها خلال مسيرته الأدبية:
كتاب النظرات
هو كتاب يقع في ثلاثة أجزاء ويتألف من مجموعة من رسائل المنفلوطي التي كان يكتبها وينشرها في جريدة المؤيد وفي صحف أخرى، والتي تعالج قضايا اجتماعية وسياسية ودينية، وقد خص القسم الأكبر منها للقضايا الاجتماعية ، حيث دعا إلى التحلي بفضائل الأخلاق، والدفاع عن الدين والوطن، ونادى بضرورة التخلص من الخرافات والخزعبلات، كما كان للمرأة نصيب من هذه الرسائل إذ خصها بمقالتين أكد فيهما على مكانتها وأهمية دورها في الحياة.
كتاب العبرات
كتاب العبرات هو عبارة عن تسع قصص تراجيدية ثلاثة منها من وضعه وهي الحجاب، اليتيم، والهاوية، وخمسة منها مترجمة وهي الشهداء، والذكرى، والجزاء، والضحية، والانتقام، وقصة واحدة مأخوذة عن قصة أمريكية اسمها صراخ القبور صاغها المنفلوطي بأسلوبه الخاص وجعل عنوانها العقاب، وكل هذه القصص تتمحور حول مآسي الحياة بما فيها من معاناة وآلام وشقاء ويجمعها أنّ في كل منها عبرة ومغزى وقيمة أخلاقية أو اجتماعية يهدف بها المنفلوطي إلى معالجة بعض القضايا التي كانت ملمّة بالأمة والناس في عصره كالحجاب والإدمان، وقد طبع هذا الكتاب عام 1916م.
مختارات المنفلوطي
جمع المنفلوطي في هذا الكتاب مجموعة مختارة من جيّد منظوم العرب ومنثورها في حاضرها وماضيها، وفي كلّ فنّ وغرض من فنونها وقد طبع هذا الكتاب في جزء واحد فقط.
رواية مجدولين
هي رواية من الأدب الرومانسي ، تُظهر مقدرة الحب على إنهاء الحياة بشكل تراجيدي، إذ تدور أحداث الرواية حول شاب وفتاة أحبا بعضهما، لكن الفتاة وتدعى (ماجدولين) تخلت عن حبيبها (ستيفن) وتزوجت من صديقه (إدوارد) الذي كان يتقاسم معه المسكن والمأكل من أجل المال، لكن الأيام تدور فيخسر إدوارد ثروته، وتعود مجدولين إلى ستيفن نادمة على تركها إياه، ثمّ تحاول أن تعيد حبال الود فيما بينهم، لكن كبرياء ستيفن يمنعه من العودة إلى مجدولين بالرغم من حبه لها، غير أنّه يساعدها على أن تخرج من أزمتها المادية، لكن مجدولين تيأس من الحياة وتنتحر، ولا يتحمل ستيفن الذي ما انفك قلبه ينبض بحبها فكرة أن يعيش بدون محبوبته فيؤثر اللحاق بها وينتحر هو أيضاً.
رواية الشاعر
رواية الشاعر هي رواية تراجيدية فرنسية الأصل عنوانها كان (سيرانو دي برجراك) من تأليف الشاعر الفرنسي (إدموند روستان)، وقد ترجمها المنفلوطي وصاغها بأسلوبه الخاص، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه الرواية إضافة إلى رويات المنفلوطي الأخرى المترجمة قد لاقت رواجاً وشهرة بين الناطقين باللغة العربية بشكل كبير لما امتازت به من أسلوب بليغ ووصفٍ بديع.
الفضيلة
تعتبر الفضيلة من روايات المنفلوطي التراجيدية المترجمة، وهي قصة تدعو إلى مكارم الأخلاق وتمجيد الفضيله وفيها يصور المنفلوطي القيم الأخلاقية التي يجب أن تغرسها الأمهات في الأبناء عند تربيتهم، وتتحدث الرواية عن أسرتين بسيطتين عاشتا بالقرب من بعضهما، هما أسرة (مارجريت وولدها بول) وأسرة (هيلين وابنتها فرجيني)، فنشأ أبنائهما وترعرعا معاً، وحين أصبحا في سن الشباب أحبا بعضهما، غير أنّه لم يكتب لهذا الحب نهاية سعيدة، فقد ماتت فرجيني غرقاً حيث فضلت الموت على التخلي عن عفتها، إذ ظلت البذرة التي غرستها أمها في صدرها نقية، ثمّ لحق بها حبيبها بول الذي لم يستطع العيش بدونها فمات حزناً عليها ودفنا معاً، ثمّ ماتت هيلين بعد شهر من موت ابنتها، وماتت مارغريت بعد ثلاثة أشهر، إذ إنّ قلبيهما لم يحتملا فراق فلذات أكبادهما، ويذكرنا هنا المنفلوطي بالأهداف والقيم التي ينبغي العيش أو الموت لأجلها.
في سبيل التاج
في سبيل التاج رواية أخلاقية تدور أحداثها في البلقان، وبطلها فتى يدعى (قسطنطين)، كان قد خضع لامتحان صعبٍ في عواطفهِ، إذ كان عليه أن يختار بين حب الأسرة وحب الوطن الذي كان يتعرض لخيانة من والده المسمى (برانكومير) والذي سيطر عليه حب السلطة فضحى قسطنطين بوالده في سبيل إنقاذ وطنه وقتله، ثمّ ضحى بحياته لإنقاظ شرف الأسرة، فحكم عليه بالإعدام وأعدم دون أن يفشي سر والده لكي لا يهز صورة أسرته وصورة والده أمام الناس.
بعض أشعار المنفلوطي
من أشعار المنفلوطي هذان البيتان من قصيدة (سقاها وحيّا تربها وابلُ القطرِ):
سقاها وحيّا تربها وابلُ القطرِ
- وإن أصبحت قفراءَ في مهمةٍ قفرِ
طواها البلى طيَّ الشحيحِ رداءَه
- وليس لما يطوى الجديدانِ من نشرِ
هذان البيتان من قصيدة (ليهنكَ يا بيلُ الجلالُ وعزةٌ):
ليهنكَ يا بيلُ الجلالُ وعزةٌ
- يكادُ لها القلبُ الكسيرُ يطيرُ
ملكتَ على الزهدِ الأُلوفَ وكلُّنا
- إلى قَطرةٍ مما ملكتَ فقيرُ
هذان البيتان من قصيدة (مَبَاسِمَ الثَغرِ ما أحلى حُمياكِ):
مَبَاسِمَ الثَغرِ ما أحلى حُمياكِ
- وطلعةَ البَدرِ ما أبهى محياكِ
وأعينَ العينِ من للعينِ إن نظرت
- بلحظِكِ الفاتِرِ الأجفانِ والشاكي
هذان البيتان من قصيدة (أرى المجدَ في حدِّ الحسام المصممِ):
أرى المجدَ في حدِّ الحسام المصممِ
- وسيرَ العُلا إثرَ الخميسِ العَرمرَمِ
ومن جعل التدبير في الحربِ هَمّهُ
- أذلت إليه كل دهياءَ صَيلَمِ
أسلوب ولغة المنفلوطي ورأيه في الألفاظ والمعاني
اهتم المنفلوطي في مقالاته كثيراً في قضية اللفظ والمعنى، تلك القضية التي شغلت العلماء والنقاد العرب والأوروبين منذ زمن بعيد، واختلفت وجهات نظرهم حول هذه القضية، فمنهم من يردّ أهم مقومات العمل الأدبي إلى المعنى، ومنهم من يردّها إلى اللفظ، ومنهم من يساوي بينهما، وقد وضح المنفلوطي رأيه في هذه القضية إذ رفض بقوة ثنائية اللفظ والمعنى، حيث ساوى في المنزلة بينهما، على الرغم من سيطرة نظرة النقاد والبلاغيين الذين يفرقون بين اللفظ والمعنى على الساحة الأدبية في زمن المنفلوطي.
هذا بعض مما قاله المنفلوطي لتوضيح رأيه في مسألة ثنائية اللفظ والمعنى: (يجب أن يشف اللفظ عن المعنى شفوف الكأس الصافية، عن الشراب حتى لا يرى الرائي بين يديه سوى عقل الكاتب ونفس الشاعر، وحتى لايكون للمادة اللفظية شأن عنده أكثر مما يكون للمرآة في تمثيل الصور والمخائل، ويجب أن يتمثل المعنى في ذهن المتكلم قبل أن يتمثل اللفظ، حتى إذا حسن الأول أفاض على الثاني جماله ورونقه، فالفظ لا يُجمل حتى يَجمُل المعنى، بل لا مفهوم للفظ الجميل إلا المعنى الجميل).
بالنسبة لأسلوب المنفلوطي فإنّ أهم ما يميزه السمات الآتية:
- البعد عن التكلف والنأي عن التقليد.
- الاهتمام بحسن الصياغة وجمال الإيقاع.
- سلامة الألفاظ وقصر الجمل، والاهتمام بالألفاظ العربية.
- ترك التعقيد والمحسنات فيما عدا بعض السجع المطبوع الذي يأتي بين الحين والآخر لدعم موسيقى الصياغة، ورعاية الجانب العاطفي.
- القوة والمتانة والرقة والعذوبة إضافة إلى السلاسة والترسُّل.
- خلوّ التراكيب من أي عيب ونسجها بطريقة بيانيّة غاية في الروعة.
وفاة مصطفى لطفي المنفلوطي
توفي المنفلوطي بعد معاناةٍ قصيرةٍ من المرض، حيث إنّه كان قد أصيب بشلل بسيط قبل وفاته بقرابة الشهرين تسبب له بثقلٍ في لسانه لبضعة أيامٍ، لكنه لم يُشعر أحداً من أصدقائه بذلك وأخفى الأمر عنهم، و لم يعرض نفسه على طبيبٍ إذ إنّه لم يكن يثق بالأطباء، وربما كان إهماله هذا هو السبب في تطور حالة التسمم البولي الذي أصيب به والذي أدى إلى وفاته، وقد كان ذلك بعد سهرة قضاها مع بعض أقاربه وأصدقائه من الأدباء والموسيقيين والسياسيين، حيث فاضت روحه إلى بارئها في صباح يوم عيد الأضحى في عام 1924م رحمه الله، وكان قد رثاه عدد من شعراء الوطن العربي منهم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم .