بحث عن عقبة بن نافع
نسب عقبة بن نافع ونشأته
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أميّة بن الظرب بن الحارث بن عامر بن فهر القرشي، وُلد في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلّا أنّه لم يصحَبه، وذلك قبل عام واحد من الهجرة النبوية ، ووالداه من السابقين إلى الإسلام؛ وبهذا يكون قد وُلد ونشأ في بيت من بيوت الإسلام، وهو أخ لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-، وأمه هي النابغة؛ ولهذا فعقبة يُعدّ أخاً لعمرو بن العاص لأمّه، إلّا أنّ هناك روايات تذكر أنّهم أبناء خالة، وأخرى أنّ عقبة ابن أخت عمرو بن العاص، وخلاصة ذلك أنّه من أقرباء عمرو بن العاص، وقد تأثّر عقبة بن نافع بالبيئة التي تربّى ونشأ فيها؛ فشارك في الفتوحات الإسلامية، بل إنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولّاه قيادة الجيوش؛ لشجاعته وقوّته، علماً أنّ عمر كان يعطي القيادة للصحابة فقط، إلّا استثناءً في حقّ عقبة، ولمعَ نجمُ عقبة كقائدٍ ومحاربٍ، خاصة في المغرب العربيّ، ومن أحفاده: يوسف بن عبدالرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة من نافع من القادة المشهورين، ومثله كان حفيده عبدالرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع.
مناقب عقبة بن نافع وشخصيته العسكرية
يُذكَر من مناقب عقبة بن نافع أنّه كان مُتديِّناً وشجاعاً وحازماً، إلى جانب أنّه كان ذا دعوة مُجابة، وما وصل عقبة هذه المنزلة الرفيعة في الجهاد والقيادة إلّا لمُقوّمات كانت عنده؛ فقد كان يتّقي الله في شأنه كلّه، ويُكثر من ذِكره، والاستعانة به، وتفويض الأمر إليه، وكان يعتقد بأنّ النصر من عند الله، وأنّ انتصار المسلم هو انتصار لعقيدة الله -سبحانه وتعالى-، وكان حَسَن المعاملة مع جنوده؛ فكان يُحبّهم ويُحبّونه، ويثق بهم، ويطمئنّ على أمورهم، ويُجازي المُحسن منهم بما يستحقّ من الخير، ويتغاضى عن أخطائهم الصغيرة، ويُعاتب المُقصّر والمُخطئ بعبارة حَسنة، ولا يتتبّع عوراتهم، ولا زلّاتهم.
وتميّز عقبة عسكريّاً برجاحة عقله، وبخبرته في أمور الحرب والمكيدة والتدابير اللازمة؛ فكان يقتنص الفرص، ويفرض الحِيل، وكان لمّاحاً مُتيقِّظاً، قادراً على إدارة الأزمات، وإصدار القرارات سريعاً كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، كما كان حريصاً على سلامة جنوده، وكان يتحمّل مسؤوليّتهم، إضافة إلى أنّه كان مُتمكِّناً في الاستراتيجيّات العسكرية، ذا معرفة فيها، كمبدأ المُباغتة، وتأمين خطوط المواصلات، وإرسال الاستطلاعات، والحفاظ على المعنويّات، وغيرها من الاستراتيجيّات العسكريّة، وكان مُدرِكاً لنفسيّات جنوده؛ فيدخل الأمان إلى قلوبهم، ويدرك نفسيّات أعدائه فيدخل عليهم الرعب في الحروب.
إنجازات عقبة بن نافع
الفتوحات التي قادها عقبة بن نافع
تقلّد عقبة بن نافع في الفتوحات الإسلامية قيادة حامية (برقة)؛ إذ تولّاها في عهد الخليفة عثمان بن عفان ، واستمرّ على ذلك في عهد الخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، وكان بالإضافة إلى كونه مجاهداً في سبيل الله داعياً إليه، ينشر الإسلام بين الأمازيغ، وبعد فتح (برقة)، أمر عمرو بن العاص عقبة بن نافع أن يتوجّه إلى طرابلس؛ بهدف تأمين خطّ عودة الجيش، وحمايتهم من أيّ هجوم مُحتمَل، فأمَّنَ عقبة هذه المناطق حتى وصل إلى منطقة زويلة، ولم يجد في طريقه إليها أيّ مقاومة، واتّفق مع أهلها على الصلح مقابل ثلاثة عشر ألف دينار، وأقام في صحرائها يدعو إلى الإسلام وينشره، وبقي كذلك قرابة عشرين سنة، وبعد أن فتح زويلة، توجّه إلى النوبة بأمرٍ من عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، وكان ذلك في السنة الحادية والعشرين للهجرة، وعندما وصل المسلمون إلى النوبة فتحوها ودخولها تحت لواء المسلمين.
ولاية عقبة بن نافع إفريقية
تولّى عقبة بن نافع إفريقية بأمر من الخليفة معاوية بن أبي سفيان ، واستقرّ هو وجيشه ومَن أسلم في القيروان، وجعلها مكاناً للمسلمين يقيمون فيه، وأمر ببنائها؛ فبُنِيت المساجد والمساكن، وثبت الإسلام فيها، ودخل كثير من الناس في الإسلام، ثمّ استعمل الخليفة معاوية مَسْلَمة بن مخلد الأنصاري على مصر وإفريقية بدلاً من عقبة بن نافع، وجاء أبو المهاجر مولى مَسْلَمة إلى إفريقية فلم يحسن معاملة عقبة؛ فارتحل عقبة إلى الشام، وذهب إلى معاوية بن أبي سفيان، وعاتبه على تصرُّف أبي المهاجر معه، فاعتذر منه معاوية، ووعده بأن يعود ويستعمله على إفريقية، إلّا أنّ ذلك لم يحدث؛ لوفاة معاوية، وعندما خلفه ابنه يزيد استعمل عقبة على إفريقية، فعاد إليها، وذلك في سنة اثنين وستّين.
فتح عقبة بن نافع بعض المناطق في طريقه إلى إفريقية، كمنطقة (سرت)، ثمّ بلاد (ودان) و(جرمة)، ثمّ (فزان)، وممّا يُذكَر في قصة فتح بلاد (ودان) أنّ عقبة حين وصل إلى مغمداس سَمِع أنّ أهل ودان نقضوا عهدهم الذي كان مع بشر بن أبي أرطأة، فخرج عقبة إليهم مع سريّة من الرجال ففتحها مرة أخرى، وفتح في طريقه مدينة جرمة، واستمرّ في سيره فاتحاً حتى وصل إلى المعسكر الذي أنشأه في (مغمداس) الموجودة في (سرت)، ثمّ انتقل منها إلى إفريقية فاتحاً في طريقه (غدامس) أيضاً.
بناء عقبة بن نافع لمدينة القيروان
ذُكِرَ من قبل أنّ عقبة بن نافع فتح القيروان، وأقام فيها، وجعلها مَقرّاً للمسلمين، ومَقرّاً لنَشر الإسلام إلى آخر الدهر؛ لتكون حصناً منيعاً لهم، وقاعدة أمينة لهم في شمال أفريقية؛ حيث اختار عقبة مكان بناء المدينة بعد مشاورة مع رجاله، فاختار مكاناً مناسباً لذلك، وكان هذا المكان كثير الشجر، والدوابّ، والوحوش، فدعا الله أن يُخرجَ الوحوش والسباع من هذا المكان فاستجاب الله لدعائه، ثمّ أمر رجاله فقطعوا الأشجار؛ لبناء المدينة، وقد كانت بداية بنائها سنة خمسين للهجرة، أمّا اكتماله فقد كان في العام الخامس والخمسين من الهجرة، وضمّت مسجداً جامعاً، ومساكن للناس، وأصبحت مَقرّاً عسكريّاً للمسلمين.
استشهاد عقبة بن نافع
بنى عقبة مدينة القيروان، واستقرّ المسلمون فيها، وبعد ذلك واصل سَيره في فتح أقصى بلاد المغرب، وردّ هجوم الروم، وبلغ مُراده في الفتح الإسلاميّ، ثمّ قرّر العودة إلى القيروان، وفي طريق العودة -عندما وصل إلى طنجة- أمر الجيش أن يفترق، وبقي معه ثلاثمئة رجل من جنوده، فمال بهم إلى مدينة (تهوذة)، وكانت هناك مكيدة لعقبة وأصحابه، حيث تمّت مهاجمتهم؛ فاقتتل الفريقان إلى أن استُشهِد عقبة وكلّ من كانوا معه، وذلك في العام الثالث والستّين من الهجرة. وقد سمي المكان الذي استشهد فيه باسمه وهو إلى الآن يُعرف بسيدي عقبة.