بحث عن صلاة الاستسقاء
معنى صلاة الاستسقاء وسببها
يُعرّف الاستسقاء في اللُّغة بطلب السُقيا، سواءً كان ذلك من الله -تعالى- أو من النّاس، وأمّا في الاصطلاح: فهو دُعاء الله -تعالى- بطلب السُقيا منه على هيئةٍ مخصوصة، وذلك عند الحاجة للماء، ويكون الاستسقاء إما بالصّلاة؛ وتُسمّى بصلاة الاستسقاء، أو من خلال الدُّعاء في خُطبة الجُمعة ، أو بالدُّعاء بعد الصّلوات، أو بالدّعاء من غير صلاةٍ ولا خُطبة، وسبب صلاة الاستسقاء؛ قلّة المطر، وشُعور النّاس بالحاجة إلى الماء لسقي الزّرع والحيوان، وهو ابتلاء من الله -تعالى- للنّاس.
حكم صلاة الاستسقاء ووقتها
تُعدُّ صلاةُ الاستسقاء من السُّنن المؤكدة عن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وتُصلّى في أيّ وقتٍ إلّا في الأوقات المنهي عنها، والأفضل صلاتُها بعد طُلوع الشّمس بِمقدار رُمح، وهو قول جُمهور العُلماء ، وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ليس للاستسقاء صلاة، وإنّما يُكتفى بِالدُّعاء فقط، وذهب المالكيّة إلى أنّ وقتُها كوقت صلاة العيد؛ أيّ من طُلوع الشمس إلى زوالها -أي ميلها عن وسط السماء قبل الظهر-، وذهب الشافعيّة إلى جواز صلاتها حتى وإن كان ذلك في وقت نهي؛ لأنّها من الصّلوات ذات السّبب.
والأفضل أن لا تُصلّى في أوقات النّهي؛ خُروجاً من الخِلاف، وأن تُصلّى في وقت صلاة العيد في أوّل النّهار؛ لأنّهُما يتشابهان من حيث الموضع، والصِّفة، والوقت، وصلاةُ الاستسقاء من السُّنن المؤكدة في حقّ الرِّجال والنِّساء، وتُصلّى جماعةً وفُرادى، سواءً كانت في المسجد ، أو في الصحراء وهو الأفضل، وذهب جُمهور الفُقهاء إلى سُنّيّتها أيضاً في الحضر والسفر عند الحاجة، لِفعل النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- لها كما جاء في عددٍ من الأحاديث.
الحكمة من مشروعية صلاة الاستسقاء
توجد العديد من الحِكم لِمشروعيّة صلاة الاستسقاء، ومنها ما يأتي:
- طلب المطر عند انحباسه، وعند جدب الأرض، فيخرُّ النّاس لله بِخُشوعٍ وتذلُّل وتضرّع في يومٍ يُحدّدُه لهم الإمام، ويلجؤؤون إلى الله -تعالى- بالصلاة وبالدعاء.
- مظهر من مظاهر ضعف العبد وتوجّههِ إلى ربّه.
صفة صلاة الاستسقاء وكيفيتها
صلاةُ الاستسقاء ركعتان؛ يُكبّير المصلّي فيها في الرّكعة الأولى سبعُ تكبيرات، وقيل لا يوجد فيها تكبيرات، ثُمّ يقرأ بعدها الفاتحة وما تيسّر من القُرآن الكريم جهراً، ثُمّ يركع ويسجُد، ثُمّ يقوم للرّكعة الثانية ويكون فيها خمسُ تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويفعل كما فعل في الرّكعة الأولى من الرُّكوع والسُّجود، ثُمّ ختاماً يتشهّد ويُسلّم، وذهب جُمهور الفُقهاء من الشافعيّة والمالكيّة وبعض الحنفيّة إلى قيام الإمام للخُطبة بعد الانتهاء من الصّلاة، وقيل: باستحباب تقديم الخُطبة على الصّلاة؛ لِما روُي ذلك عن عُمر بن الخطّاب وعبد الله بن الزُّبير -رضيَ الله عنهُما-، وأمّا تفصيل كيفيّتُها عند الفُقهاء فهي كما يأتي:
- الشافعيّة: تُصلّى كصلاة العيد ركعتين، في الرّكعة الأولى سبعُ تكبيرات من غير تكبيرة الإحرام، ويُفصل بينها بقدر آية مُعتدلة، ويقرأ فيها بسورة قاف أو الأعلى، وفي الرّكعة الثانية خمس تكبيرات من غير تكبيرة القيام، ويقرأ فيها بعد الفاتحة بسورة القمر أو الغاشية، ثُمّ يقوم الإمامُ للخُطبة بعد الانتهاء من الصّلاة، وتكون خُطبتين كالعيد ولكن من غير تكبير، ويُسنّ قبل البدء بالخُطبتين الاستغفار.
- الحنفيّة: وقد تعدّدت أقوالهم فيها، فمنهم من ذهب إلى أنّها دُعاءٌ واستغفار من غير صلاة، وتكون باستقبال الإمام القبلة، ويدعو وهو قائم مع رفع يديه والناّس جُلوس يُؤمّنون على دُعائه، وذهب بعضهم إلى أنّها تُصلّى ركعتين.
- الحنابلة: تُصلّى كصلاة العيد ، وتكون فيها خُطبةٌ واحِدة، ويفتتحُها الإمام بالتكبير، مع الإكثار من الاستغفار والصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، ورفع يديه عند الدُّعاء، ويقرأ في الصّلاة سورة الأعلى وسورة الغاشية.
- المالكيّة: تُصلّى كصلاة العيد إلّا أنّ المصلّي يستغفر بدل التكبيرات، ثم تكون الخُطبتان بعد الصّلاة، مع فعل الإمام للسُّنن كاستقبال القبلة، والدّعاء، وقلب الرِّداء، ويقرأ الإمام في الرّكعة الأولى سورة الأعلى، وفي الثانية بسورة الشمس.
يتقدّم الإمام للصّلاة من غير أذانٍ ولا إقامة، ويخطُب بعدها أو قبلها بحسب آراء المذاهب، ويقول في بدايتها كما جاء في السُنّة النبويّة أنَّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان إذا صعد على المنبر بعد الاستسقاء قال: (إنَّكم شَكَوتُمْ جدبَ ديارِكُم واستئخارَ المطرِ عن إبَّانِ زمانِهِ عنكُم وقد أمرَكُمُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أن تدعوهُ ووعدَكُم أن يستجيبَ لَكُم)، مع الإكثار من الأدعية التي يطلبُ فيها الغيث والمطر من الله -تعالى-، كدعاء النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا)، وذهب جُمهور الفُقهاء غير أبي حنيفة إلى أنّ النّداء يكون لها بقول: "الصّلاة جامعة"، وأنّها تكونُ جماعةً في الصّحراء مع الجهر فيها بالقراءة.
ما يستحب فعله عند صلاة الاستسقاء
توجد العديد من الأُمور التي يُستحبُّ فِعلُها عند أداء صلاة الاستسقاء، ومنها ما يأتي:
- تحويل وقلب الرِّداء، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنّ ذلك يُستحبُ للإمام والمأموم، وهو قول الشافعيّ وأحمد، وذهب أبو حنيفة إلى عدم استحباب ذلك، وجاء عن سعيد بن المسيّب والثوريّ أنّ ذلك مُختصٌّ بالإمام فقط.
- ويكون تحويل الرِّداء؛ بجعل الأيمن على الأيسر والعكس، لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قالَ: فَحَوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِرَاءَةِ).
- يُستحبّ من الإمام طلب التّوبة والصّدقة من النّاس قبل خُروجهم للصّلاة، وإعادة المظالم لأصحابها، وصيام ثلاثة أيام قبلها، ثم يكون خُروجهم في اليوم الرّابع لأداء الصّلاة، مع خُروجهم بثيابٍ تدلّ على التذلُّل كما ذهب إلى ذلك الجُمهور خلافاً للحنابلة، ويطلبُ منهم إخراج أطفالهم وكِبار السِن والضعفاء؛ ليكون ذلك أقرب إلى رحمة الله -تعالى- .
- رفع الأيدي عند الدّعاء للإمام والمأمومين، لِحديث أنس بن مالك -رضيَ الله عنه-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شيءٍ مِن دُعَائِهِ إلَّا في الِاسْتِسْقَاءِ، وإنَّه يَرْفَعُ حتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ).
- خُروج النّاس على هيئة المُتضرّعين والمُتواضعين، مع ابتعادهم عن الزّينة والتجمُّل؛ لإظهار الفقر التامّ لله -تعالى-.
- التّوبة من المعاصي، والإكثار من الطّاعات، ويُستحب التّنظُف عند الذّهاب إليها، ولكن من غير تطيُّب.
- استحباب طلب الدُّعاء من أهل الصّلاح.