بحث عن سورة الزخرف
تعريف عام بسورة الزخرف
تعدُّ سورة الزخرف من السّور المُجمع على أنَّها مكية، ما عدا الآية الرابعة والخمسون فهي مدنيّة، وهي قول الله -تعالى-: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)، ويبلغ عدد آياتها تسعاً وثمانين، وكلماتها ثمانمئة وثلاث وثلاثين كلمة، وحروفها ثلاثة آلاف وأربعمئة حرف، أمّا ترتيبها بين سور القرآن الكريم فهي السورة الثالثة والأربعون.
وقد كان نزول سورة الزخرف بعد سورة الشورى في أواخر حياة المسلمين في مكة، حيث تحدثت سورة الشورى عن كون العقيدة التي دعا إليها الرَسل واحدة؛ وهي توحيد الله -تعالى- ، إلّا أنّ بعض أتباعهم ابتدعوا عقيدة جديدة مفادها أنَّ لله -تعالى- أولاد، فنزلت سورة الزخرف تُنزّه الله -تعالى- عن ذلك وتُثبت براءة الشرائع التي جاء بها الرُّسل من عقيدة الولد.
أسباب نزول سورة الزخرف
ادّعى بعض المنافقين أنّ الله -تعالى- قد تزوّج من الجنّ وصاهرهم فولدت الملائكة، فنزل قول الله -تعالى- من سورة الزخرف: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)، كما ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (وقد علِمتْ قريشٌ أنَّ النَّصارَى تعبدُ عيسَى بنَ مريمَ وما تقولُ في محمَّدٍ. فقالوا: يا محمَّدُ. ألستَ تزعمُ أنَّ عيسَى كان نبيًّا وعبدًا من عبادِ اللهِ صالحًا، فلئن كنتَ صادقًا فإنَّ آلهتَهم لكما تقولُ) ، لينزل قول الله -تعالى- من سورة الزخرف: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ* إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ* وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ* وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
مناسبة سورة الزخرف لما قبلها وما بعدها
ترتبط سورة الزخرف بما قبلها وهي سورة الشورى ارتباطاً واضحاً يظهر من خلال تشابه الموضوع الذي تتحدث عنه سورة الشورى في نهايتها وسورة الزخرف في مطلعها وهو القرآن الكريم، حيث قال الله -تعالى- في نهاية سورة الشورى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* صِرَاطِ اللَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّـهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)، وقال الله -تعالى- في مطلع سورة الزخرف: (حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
كما ترتبط سورة الزخرف بما بعدها وهي سورة الدُّخان ترابطاً واضحاً يظهر من خلال ثلاثة وجوه وهي:
- افتتاح كلتا السورتين بقول الله -تعالى-: "حم* والكتاب المبين"؛ أي القسم بالقرآن الكريم.
- تشابه الموضوع الذي تتحدّث عنه سورة الزخرف في نهايتها وسورة الدُّخان في مطلعها؛ وهو تهديد المشركين ووعيدهم بيوم لم يُذكر وقته ووصفه وذلك بقول الله -تعالى- في نهاية سورة الزخرف: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)، ثمّ بين الله -تعالى- وصف هذا اليوم بقوله في مطلع سورة الدخان: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ).
- ختم سورة الزخرف بقول الله -تعالى-: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، وذلك أشبه بعقد هدنة تجمع بين رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والمشركين بعد صراع ومواجهة بينهما، ثم جاء مطلع سورة الدُّخان بالحديث عن القرآن الكريم وأنّه قد نزل في ليلة مباركة حيث قال الله -تعالى-: (حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)، وذلك أشبه بالدَّعوة إلى أن تبدأ مسيرة مواجهة المشركين بعد الهدنة بالقرآن الكريم.
سبب تسمية سورة الزخرف
يُقصد بالزخرف الزّينة اللامعة والذهب، وقد سُمّيت سورة الزخرف بهذا الاسم لحديثها عن زينة الدنيا ومتاعها، وبريقها الخادع الذي يفنى ولا يدوم، فهي لا تّساوي جناح بعوضة عند الله -تعالى-، ولا تّقارن زينتها بنعيم الآخرة الدائم، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ* وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ).
موضوعات سورة الزخرف
أُشير مُسبقاً إلى كون سورة الزخرف إحدى السور المكيّة لذا فلا شكّ بكون صُلب موضوعها الحديث عن أصول العقيدة من توحيد الله -تعالى-، والإيمان به، وبالرسالة، والوحي، والبعث، والجزاء، وهناك عدة موضوعات تناولتها السورة منها ما يأتي:
- الحديث عن مسيرة الدعوة الإسلامية وما واجهتها من عقبات واعتراضات، ودور القرآن الكريم في مواجهة خرافات وقيم المشركين الزائفة.
- تنزيه الله -تعالى- عمّا لا يليق به من اتخاذه الأولاد والملائكة بنات له، ورغم أنّ المشركين كانوا لا يرضون البنات لأنفسهم فقد نسبوا ذلك لله -تعالى-.
- القسم بالقرآن الكريم ووصفه بالعربي للدّلالة على بلاغته، ووضوح معانيه، وألفاظه لكونه بأفصح اللغات؛ وهي لغة العرب.
- بيان مصدر القرآن الكريم وهو الوحي للدّلالة على مصداقيته، وكونه مُعجزة خالدة ليوم القيامة، ووسيلة تُنذر بها قريش وسائر العرب.
- محاجّة المشركين ومُناقشتهم في دعواهم الباطلة التي قالوا فيها بأنّهم على ملة إبراهيم -عليه السلام- فقد كانت شريعته قائمة على التوحيد ونبذ عبادة الأصنام.
- ذكر بعض أساطير المشركين بأنهم يعبدون الملائكة لكونها بنات الله، وأنّهم أهدى من أهل الكتاب لكونهم يعبدون عيسى -عليه السلام- وهو بشر.
- اعتراف المشركين بأنّ الله -تعالى- هو الخالق لكنّهم يعبدون الأصنام وينسبون البنات لله -تعالى- تقليداً لآبائهم وأجدادهم.
- ذكر قصص بعض الأنبياء من أولي العزم كإبراهيم، وموسى، وعيسى -عليهم الصّلاة والسّلام-، وأنّ ميزان الاصطفاء للنُّبوة لا يكون وفق المستوى المادي والاجتماعي وإنّما وفق المستوى الخُلقي والإنساني.
- وصف نعيم الجنة الذي أعدّه الله -تعالى- لعباده المؤمنين، وعذاب جهنم المُعدّ للكافرين، ووصف أهوال يوم القيامة وأحداثها.
- إظهار التحدي بإعجاز القرآن الكريم وكونه دليل صدق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
الخلاصة
تحدّث المقال عن عدّة أمور؛ أبرزها سبب تسمية سورة الزُّخرف بهذا الاسم، ومعلومات عامة عن السورة، وترابطها بما قبلها وما بعدها من السُّور، كما ذكر المقال أبرز موضوعات سورة الزُّخرف والتي كانت تتمحور حول أصول العقيدة وتصحيحها لدى النفوس بعد أن اعوجّت لديهم.