انحراف الشباب الأسباب والحلول
أهميّة الشّباب
لا تقوم المُجتمعات إلا بهِمم الشّباب وطاقاتهم، فهم عِمادُها وأسبابُ رِفعتها، وهُم صُنّاع كرامتها وعزّتها، فالشّباب بما يملكونه من عنفوانٍ وفُتوّة وقوّة قادرين على توجيه طاقاتهم وقُدراتهم لنفع الأمّة وخِدمتها، وقد سجّل الشّبابُ في مختلفِ الأزمنةِ مواقفاً مُشرِّفة في الذّود عن الأوطان وفي السعي لرفعته وبنائه، حيثُ زخرَ التّاريخ الإسلاميِّ بأمثلةٍ كثيرةٍ كان للشّباب فيها دوراً رئيساً وفاعلاً، وإنّ مما يؤلِمُ أنْ يُرى هؤلاء الشًّبابُ في غير طريقهم وديدنهم حينَ ينحرفون ويسلكون مسالك مُهلكة وخطيرة، فما مفهوم انحرافِ الشباب ؟ وما هي أهم أسباب انحرافهم ؟ وما الحلول المناسبة لمعالجة تلك الانحرافات؟
مفهوم انحراف الشباب
يُعرّف الانحرافُ لغةً بأنّه الميلُ والخروجُ عن الطّريق الصّحيح وعن كلّ ما هو مُعتاد، ويُعرَّف اصطلاحاً بأنّه اختراقُ التّوقعات الاجتماعيّة وانتهاكها، والخروجُ عن المعايير التي يُحدّدها المُجتمع ويرتضيها للسّلوك وعدم الالتزام بها، ويُعرّف عالم الاجتماع كوهين (بالإنجليزية: Stanley Cohen) الانحراف بأنّه السّلوك الذي يكون خارجاً عن التّنبؤات المُشتركة والممكنة في محيط النَّسق الاجتماعي، ويُعتبر هذا التّعريف من أكثر التعريفات انتشاراً بين علماء الاجتماع.
أسباب انحراف الشّباب
هُناك الكثير من الأسباب التي تقودُ الشّباب إلى طريق الانحراف، منها:
- الفقر : يقودُ الفقر لحالةٍ من عدم الاستقرار الاجتماعيّ والحرمان الاقتصاديِّ والتي تقود لمجموعةٍ من المشاكل الاجتماعية التي تُهدّد الأسرة؛ ممّا تُسبّب ابتعاد الأبوين عن أبنائهم، وبالتالي يكونُ قد شكَّل عقبةً في وجه التنشئة والتربية المُثلى؛ ممّا يُنتجُ أفراداً ذوي سلوكاتٍ مُنحرفة.
- ضعف الوازع الدينيّ: إذ إنّ الشّباب الذي تخلّى أو ابتعد عن تعاليم دينه وشرعه سيقع بلا شك في الانحراف بشكلٍ أكبر من الشّباب الذي تمسّك بها؛ لكون الدّين أحد الأسباب التي تُعزّز مجال الأخلاق والقيم في نفس الإنسان، كما تُنحّيه عن طريق الرّذيلة والفواحش وكلّ ما يُمكن أن يؤذي ويُزعج المُجتمع والأفراد لوجود محاذيرَ شرعيّة تُنحّي الفرد عن الوقوع بمثل هذه الرذائل.
- الفراغ : إذا فرغَ المرء ولم يجد ما يفعله، فسيكون وقوعه في الانحراف أسهل ممّن يشغل وقته بما يفيد، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ).
- فسادُ بيئة الإنسان: إنّ الإنسانَ انعكاسٌ لما في بيئته، فإذا صَلُحت صَلُح وإذا فسدتْ فسَد، فمن نشأ في بيئة تُشجّع الانحراف أو تُيسّر دربه، فإنّه سيكون أكثر احتمالية للوقوع في الانحراف من غيره، فقد قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا).
- أصدقاءُ السّوء: تزيد احتماليّة انحرافِ الشّباب إذا كان أصدقاؤهم كذلك، وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدى أثر الرفيق في قوله: (إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً، ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً).
- فسادُ والديّ الإنسان أو أحدهما: يجبُ على المرء أن يختارَ شريكاً صالحاً ليُشاركه حياته وتربية أولاده، فإنّ أخلاقَ الوالدين وتعاملهما وقيمهما تؤثّران على الأبناء؛ إذ إنّ الطِّفل يُولد على الفطرة ، وسلوكُ والديه هو ما يؤثِّر به بالإيجاب أو السّلب، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ موْلودٍ إلَّا يولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبواهُ يهوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرانِهِ ، أوْ يُمَجِّسانِهِ، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هلْ تُحِسُّونَ فيها مِنْ جَدْعاءَ).
- اليُتم: عندما يفقدُ الإنسان والده الذي كان يرعاه ويُدبّر أموره وأسباب معيشته سيزوره الهمّ والفقر والغمّ؛ ممّا قد يدفعه لكثيرٍ من السّلوكات السيئة كالسرقة وبيع المخدرات وغيرها، وبالتالي لطريق الانحراف.
- كثرة المال: لا يعرفُ بعضُ الشّباب مقدار النّعمة التي هُم فيها في حالة الغنى، فيقومون بتبذير المال وإنفاقه بإسراف فيما لا يُفيد، وقد يكون هذا أحد أسباب انحرافهم.
- الحرية المطلقة: عندما يُمارس الشّباب حُريّتهم بشكلٍ مُطلقٍ وغير مسؤول، فإنّ عواقب الأمور تكون وخيمة، فهم يظنّون أنّ معنى الحرية يتجسّد في قول وفعل ما يشاؤون، وفي الخروج والدخول دون رقيب، وفي لبس وصرف ما يُريدون، ولا يدرون أنّ هذه المفاهيم الخاطئة موصلة لطريق الانحراف.
حلول انحراف الشّباب
بعد طرح كلّ هذه الأسباب المؤدِّية لانحراف الشّباب، فلا بُدّ من إيجاد حلولٍ منطقية تُعيد الشّباب لطريقهم الصّحيح والسّليم والنافع لمجتمعهم، ومن أبرز هذه الحلول ما يلي:
- تأسيسُ الفردِ وتربيته منذُ طفولته على مكارم الأخلاق والفضائل والقيم التي تقيهم من الخوض في طريق الانحراف عبر تظافر جهود مُختلف المؤسسات التربوية والاجتماعيّة كالأسرة والمدرسة؛ حيثُ تقع مسؤولية تنشئة هذا الجيل على هذه المؤسسات أساساً، فالأسرة التي تُعاني حالةً من التّوتّر والمشاكل، والمدرسةُ التي تنتشرُ فيها أساليب القوة والعنف في التعليم هي بيئات تُشعرُ الفرد بالظُّلم والضّياع نتيجة إحساسه بفقدان المسؤولية والقيمة الاجتماعية؛ مما يؤدّي به للانتقام باتّخاذ مناحٍ منحرفة.
- إنشاءُ خُطّة محكمةٍ تُشرف عليها الدّولة، والمؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية، وتتبناها لدعم الشّباب والاهتمام بهم والنّهوض بطاقاتهم وتوجيهها نحو خدمة المجتمع ونفعه، وتطوير ثقافتهم وإشغال أوقات فراغهم عبرَ تأمين ما يُناسبهم من أعمال لأجل القضاء على البطالة .
- محاولة القضاء على الفقر وتحسين الأحوال المعيشية للأسر المحتاجة؛ لتتحقّق لكل فردٍ حياةٌ كريمة خاليةٌ من ضيق العيش الذي يُشكّل أجواءً سلبية تقود الشباب للانحراف.
- محاولة القضاء على الجهل عبر فرضِ التعليم الإلزاميّ للأطفال في مرحلة التعليم الأساسيّة، وإيجاد ظروفٍ مناسبة وسليمة لمتابعة دراستهم، والانخراط باهتماماتٍ وقيم سامية وغاياتٍ يعملون على تحقيقها؛ ممّا يُبعدهم عن الانحراف وطُرقه.