أحداث نهاية العالم
علامات الساعة
علامات الساعة الصغرى
توجد العديد من علامات السّاعة الصُغرى التي ثبت ذكرها في القرآن والسنة النبوية، والتي تكون قبل قيام السّاعة بأوقاتٍ مُتفاوتة، وقد يظهر بعضها مع علامات السّاعة الكُبرى ، وهي كثير جداً، وممّا جاء منها في الأحاديث الصحيحة الثابتة ما يأتي:
- بعثة النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وختم النُبوة والرّسالة به، وموته -عليه الصلاة والسلام-، قال -عليه الصلاة والسلام-: (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَيَقْرُنُ بيْنَ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى)، وقال: (اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي..).
- فتح بيت المقدس ، قال عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه-: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ)، بالإضافة إلى ظُهور الفِتن، قال -صلى الله عليه وسلم-: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)/ واتّباع سُنن ما مضى من الأمم، وكثرة الدّجالين ومُدّعي النُّبوة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنَّه رَسولُ اللَّهِ).
- كثرة الوضع في الحديث، ورفض السُنّة النبويّة، وانتشار الكذب، وعدم التأكد من صحّة الأخبار، ورفع العلم والتماسه من عند الأصاغر، مع ظُهور الفساد والجَهل، وجاء ذكر بعض هذه العلامات في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ مِن أشْراطِ السَّاعَةِ: أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ ويَثْبُتَ الجَهْلُ، ويُشْرَبَ الخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنا).
- ذهاب الصّلاح والصّالحين، ونقض عُرى الإسلام، وتكالُب الأُمم على المُسلمين، وغُربة الإسلام والمُسلمين، وانتشار القتل ، وتمنّي الموت من كثرة البلاء، وانتشار موت الفجأة، وكثرة الموت بسبب الأمراض والزّلازل، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ -وهو القَتْلُ القَتْلُ- حتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ).
- قلّة عدد الرّجال، وكثرة عدد النِّساء، وظُهور الفتن؛ كانتشار الزّنا في الطُرقات، وظُهور من يُعاونون الظَّلمة.
- انتشار الرّبا، والخمر، والمعازف، والحرير، وعدم تحريمها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ)، وظُهور القذف، والمسخ، والخسف، وضياع الأمانة، وظُهور الشّرك، وعبادة الأصنام، وقلّة البركة في الوقت، وكثرة الفِتن حتى تُصبح كالّليل المُظلم، وظُهور التشاحُن والفُحش، وقطع الأرحام، وسوء الجِوار، وكثرة التِّجارة، ووجود المال في أيدي مَن لا يشكُرون، وكل هذه العلامات وردت في الأحاديث والسّنّة.
- انتشار شهادة الزّور، وإخفاء الحقّ، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ بين يدي الساعةِ تسليمَ الخاصَّةِ، وفُشُوَ التجارةِ حتى تعينَ المرأةُ زوجَها على التجارةِ، وقطعَ الأرحامِ، وشهادةَ الزورِ، وكتمانَ شهادةِ الحقِّ، وظهورَ القلمِ)، وتكلُم السِّباع والجمادات مع الإنسان، وحسر نهر الفُرات عن جبل من الذّهب، ووجود الرُّؤيا الصّادقة عند المؤمن، ونفي الخبث من مدينة النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-؛ بحيث لا يبقى فيها إلّا الصّالحون، وعودة جزيرة العرب خضراء وذاتُ أنهارٍ ومُروج، وخُروج رجل من قحطان يدّعي النّبوة فيدينُ له النّاس، وكل هذه العلامات وردت في الأحاديث والسّنّة، ومنها:
- قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (وحتَّى تَعُودَ أرْضُ العَرَبِ مُرُوجًا وأَنْهارًا).
- قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَحْسِرَ الفُراتُ عن جَبَلٍ مِن ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عليه، فيُقْتَلُ مِن كُلِّ مِئَةٍ، تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، ويقولُ كُلُّ رَجُلٍ منهمْ: لَعَلِّي أكُونُ أنا الذي أنْجُو).
- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِن قَحْطانَ، يَسُوقُ النَّاسَ بعَصاهُ).
- كثرة أعداد الرّوم وقِتالهم للمُسلمين، وفتح روما.
- السّلام على من يعرفه الإنسان، وترك السّلام على من لا يعرفه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ من أشراطِ الساعةِ أن يُسلِّمَ الرجلُ على الرجلِ لا يُسلِّمُ عليهِ إلا للمعرفةِ).
- ظهور الرُّويبضة، وإسنادُ الأمرُ إلى غير أهله، وورد بعض العلامات في حديث النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ أمامَ الدَّجَّالِ سنينَ خدَّاعةً يُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ، ويتَكَلَّمُ فيها الرُّوَيْبضةُ، قيلَ: وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ: الفُوَيْسقُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ).
- الاهتمام بزخرفة المساجد ، وجاء ذكرُ هذه العلامة في قول ابن عباس -رضي الله عنه-: "لنزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنّصارى"، وأن تكون هذه الزّخرفة على حساب العِبادة، فتكون المساجد مُتّسعةٌ ومُزخرفة، ولكنّ مَن يُصلّي فيها قليل، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يتبًاهى الناس في المساجد).
- التّطاول في البُنيان من الرُّعاة، الحُفاة، العُراة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (وإذا تَطاوَلَ رِعاءُ البَهْمِ في البُنْيانِ، فَذاكَ مِن أشْراطِها).
- انشاق القمر ، ووردت هذه العلامة في قولهِ -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)، وجاء في الأحاديث الصّحيحة أنّ القمر قد انشقّ إلى شِقّين، وكان كُلّ شقّ كالجبل، وقد حصل ذلك في عهد النبيّ -صّلى الله عليه وسلّم-، كما أنّ من علامات السّاعة الصُغرى؛ خُروج نار من الحِجاز تُضيء لها أعناق الإبل بِبُصرى، وورد ذلك في قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسّلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَخْرُجَ نارٌ مِن أرْضِ الحِجازِ تُضِيءُ أعْناقَ الإبِلِ ببُصْرَى)، وذكر ابن كثير أنّ هذه العلامة وقعت في عام ستمئة وأربعة وخمسين للهجرة.
- انتشار طاعون عمواس، وكثرة المال واستفاضته، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بيْنَكُمْ وبيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا).
- الحرب والقتال بين المُسلمين، واليهود، والتُّرك، والعجم، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا التُّرْكَ، صِغارَ الأعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعالُهُمُ الشَّعَرُ).
- ظُهور التّهاون بِالسُّنن التي حث الإسلام على أدائها، وقلّة النّبات، وكثرة الأمطار، وفتح القُسطنطينيّة، وهدم الكعبة واستحلالها.
- هدم الكعبة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ).
علامات الساعة الكبرى
ورد في النصوص الشرعية العديد من علامات السّاعة الكُبرى، وبيّن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- أنّها سلسلةٌ واحدةٌ في عقد، فعند نُزول وحُدوث أوّل علامة تحدث باقي العلامات مُتتابعةٌ لها، وعلامتي خُروج الدجال ونُزول عيسى -عليه السّلام- تكونان مُقدّمتان لهذه العلامات، وحُدوث هذه العلامات دليلٌ على قُرب قيام السّاعة، وهي فيما يأتي:
- ظُهور المهدي : وهو شخصٌ من أهل بيت النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، واسمهُ مُحمد بن عبد الله، يحكم سبع سنين بالعدل والقسط، ويكون خُروجه من جهة المشرق.
- خُروج المسيح الدّجال، وسُمّي بالمسيح؛ لأنّه يمسح الأرض ويقطعها كُلها في أربعين يوماً، كما أنّه ممسوح العين اليُمنى، وهو الآية الكُبرى التي تُؤذن بتغيير الأحوال على الأرض، ويُعطيه الله -تعالى- من القُدرات ما يفتن به النّاس.
- نُزول عيسى بن مريم -عليه السّلام- في دمشق عند المنارة البيضاء، ويقتُل الدّجال، ويحكم بالإسلام، وورد ذلك في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، ويَضَعَ الجِزْيَةَ، ويَفِيضَ المالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ).
- خُروج يأجوج ومأجوج، وذُكر ذلك في القرآن الكريم بقوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)، وذكر ابن كثير أنّ خُروجهم يكون مع وُجود عيسى -عليه السّلام-، وهُم من أولاد يافث بن نوح -عليه السّلام-، ويكون خُروجهم من وراء السّد الذي بناه ذو القرنين .
- الخُسوفات الثّلاث؛ في المشرق، والمغرب، وفي جزيرة العرب.
- خُروج الدُّخان.
- طُلوع الشّمس من مغربها، وورد أنّها أوّل العلامات الكُبرى ظُهوراً، وتكون مؤذِنةٌ بالتّغيير في أحوال العالم العلوي، وذُكرت هذه العلامة في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فإذا طَلَعَتْ ورَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ، وذلكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ)، ولا تُقبل التّوبة بِظُهور هذه العلامة.
- خُروج الدّابة، وتكليمها للنّاس، ووردت في قوله -تعالى-: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)، ويكون خُروجها في مكّة، وقيل: في غيرها، فتُخبر النّاس بما هُم عليه من الإيمان أو الكُفر، والصلاح والفسق، وعند ظُهورها ينقطع الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، ولا تُقبل التّوبة بظهورها.
- النّار التي تسوق النّاس إلى المحشر.
النفخة الأولى والنفخة الثانية
وكَّل الله -تعالى- الملك إسرافيل بالنّفخ في الصور ؛ والصّور هو: قرنٌ لا يعلم قدره إلّا الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ)، وتعدّدت آراءُ العُلماء في عدد النّفخات، فقال بعضهم كالقُرطُبيّ وابنُ حجر العسقلانيّ: إنّها ثلاث، وقيل: إنّهما اثنتين، وهو قول ابن العربيّ، وابنُ تيمية، وابنُ كثير، وذهب ابنُ حزم إلى أنّها أربعة، وهي: نفخةٌ للإماتة، وأُخرى للإحياء، وأُخرى للفزع والصعق، ويكون فيها الإنسان كالمغشيّ عليه، والرّابعة: تكون للإفاقة من الغشي، وبيانها فيما يأتي:
- نفخة الصّعق: وهي النّفخة التي يُصعقُ منها جميع النّاس، فيموت بعدها كُلّ مَن على الأرض، وهي النّفخة الأولى، وتكون بدايةٌ لقيام السّاعة، ويُصعقُ كذلك الملائكة، وحملة العرش، ولا يبقى إلّا الله -تعالى-، كما تُسمّى هذه النّفخة أيضاً بالرّاجفة والصّيحة، قال -تعالى-: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ).
- نفخة الفزع: ومن قال بوجود هذه الصّعقة استدلّ بقولهِ -تعالى-: (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ)، أما من قال بعدم وُجودها؛ فقالوا إنّ الفزع يكون مع نفخة الصّعق.
- نفخة البعث : وتُسمّى أيضاً بالرّادفة، ووردت هذه النفخة في قولهِ -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)، فيقوم النّاسُ بعدها من قُبورهم للحشر والحِساب، وممّا يُؤكّد ويدُلّ على البعث؛ أنّ القادر على الخلق أوّل مرة قادرٌ على إعادته مرّةً أُخرى، ومن يُحيي الأرض بعد موتها قادرٌ على إحياء الأجسام بعد الموت ، ويسير النّاس إلى المحشر كالجراد المُنتشر، لِقولهِ -تعالى-: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ)؛ أي يُغطّون الأرض من كثرتهم، وتسوقهم الملائكة جميعهم ولا يتخلّف أحدٌ منهم، وبعد هذه النّفخة تتطاير الأرواح إلى أصحابها.
- وقد ورد في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (وَأَوَّلُ مَن يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إبِلِهِ، قالَ: فَيَصْعَقُ، وَيَصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ، أَوْ قالَ يُنْزِلُ اللَّهُ، مَطَرًا كَأنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ، فَتَنْبُتُ منه أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)،
وأمّا الأصناف الذين لا يُصعقون، فجاءت أقوال العُلماء فيهم كما يأتي:
- قول ابنُ حزم: إنّهم الملائكة؛ لأنّهم أرواح بلا أرواح، فلا يموتون.
- قول مُقاتل: إنّهم جبريل ، وميكائل، وإسرافيل، وملك الموت، وأضاف بعضهم حملة العرش.
- قول الإمام أحمدُ بن حنبل وابنُ تيمية: إنّهم سُكّان الجنة من الحور العين والولدان، وأضاف بعض الحنابلة خزَنة الجنّة والنّار، وما في النّار من العقارب والحيّات.
- قول أبو العباس القُرطُبيّ: إنّهم الأموات؛ لأنّهم بغير إحساس فلا يُصعقون، واستدلّ بقولهِ -تعالى-: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى).
- قول ابنُ عباس: إنّهم الشُّهداء والأنبياء.
- قول القُرطُبي: إنّهم حملة العرش، أو جبريل، أو ميكائيل، أو ملك الموت، أو الولدان والحور العين الذين في الجنّة، أو موسى -عليه السّلام-.
الحشر والشفاعة الكبرى
يكون بعد إخراج النّاس من قُبورهم بعد النّفخة الثانية عدّة مواقف نذكرها فيما يأتي:
- الحشر: وهو إخراج النّاس من قُبورهم، واصطفافهم في مكانٍ واحدٍ يُسمّى المحشر ؛ وذلك لِحسابهم والقضاء بينهم، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ)، ويكون الحشر في أرضٍ غير مُرتفعةٍ ولا مُنخفضة، وورد ذكرها في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ علَى أرْضٍ بَيْضاءَ عَفْراءَ، كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ قالَ سَهْلٌ أوْ غَيْرُهُ: ليسَ فيها مَعْلَمٌ لأحَدٍ)، ويكون النّاسُ حُفاة عُراةٌ غير مختونين؛ أي من غير نِعالٍ أو لِباس، لِقولهِ -تعالى-: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ).
- ويبلغ هذا اليوم خمسين ألف سنة، لِقولهِ -تعالى-: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، وقيل: ألف سنة، لِقولهِ -تعالى-: (مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ)، وفيه تدنو الشّمس من الخلائق إلى فوق رؤوسهم، ويشعر الإنسان بها بحسب عمله، ويبقى أصنافٌ من النّاس في ظل الله -تعالى-.
- الشّفاعة: وتكون بعد ما يواجه النّاس من شدّة الموقف في الحشر، حيث يذهبون إلى الأنبياء ليشفعوا لهم، فيعتذر الأنبياء جميعهم عن ذلك حتى يأتوا إلى النبيّ محمّد -عليه الصّلاةُ والسّلام-، فيسجُد تحت العرش، ويُعطيه الله -تعالى- ما طلب، فيطلبُ منه بتعجيل الحساب لهم، وهذه الشّفاعة خاصةٌ بالنبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وتُسمّى الشفاعةُ الكُبرى، ثُمّ تكون الشفاعةُ الثانية لأهل الجنّة بِدُخولها، وشفاعتهُ في زيادة الأجر، وشفاعتهُ في عدم دُخول بعض النّاس إلى النّار بعد أن استحقوا دُخولها، وشفاعتهُ لعمّه أبي طالب .
- ثُمّ تكون الشّفاعة العامّة؛ وتكون في خُروج بعض أهل الكبائر من النّار بعد أن تفحّموا، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ولَكِنْ ناسٌ أصابَتْهُمُ النَّارُ بذُنُوبِهِمْ، أوْ قالَ بخَطاياهُمْ، فأماتَهُمْ إماتَةً حتَّى إذا كانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بالشَّفاعَةِ)، ويشفع في الشّفاعة العامّة الملائكةُ والأنبياء والمؤمنون، وتتحقّق الشّفاعةُ بشرطين؛ أن تكون بإذن الله -تعالى-، لِقوله -تعالى-: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)، وأن يكون برضا الله -تعالى- عن الشّافع والمشفوع، لِقوله -تعالى-: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى)، ويشفع بعض النّاس لأهلهم وذرّيتهم برفع درجاتهم، لِقولهِ -تعالى-: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
تغيّر الكون وتبدّله
يكون من مواقف يوم القيامة تغيّر الكون، سواءً السماء أو الأرض، فتزول الجبال، والكواكب، والمجرّات، والسُّهول، والأنهار، وهذا التغير قد يكون مُتتابعاً أو مُتفرّقاً، وبيانُ ذلك فيما يأتي:
- الجِبال: وورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)، فتكون الجبال كالعهن المنفوش؛ أيّ كالصّوف الملوّن حتى تصير كالهباء، لِقولهِ -تعالى-: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)، فتُصبح مُستوية من غير ارتفاعٍ ولا انخفاض، وتذهب الجِبال وتُزال من أماكنها، وتُصبحُ الأرض من غير شجر أو حجر، وتبقى ظاهرةً مكشوفةً للنّاس.
- النُّجوم: فمن علامات قُرب يوم القيامة؛ طمس النُجوم، وذهاب نورها، فلا تُرى كما كانت عليه من قبل، لِقولهِ -تعالى-: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ)، بالإضافة إلى تساقُطها وتناثُرها، لِقولهِ -تعالى-: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ).
- السّماء: فإنّها تُفتح ولا تبقى مُغلقة، ويُصبح لها أبواب، لِقولهِ -تعالى-: (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً)، ويموج بعضها ببعض، ثُمّ تتشقّق على عِظمِها وارتفاعها، لِقولهِ -تعالى-: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)، وفي نهاية الأمر تُطوى وتُبدّل وتُنزع، لِقولهِ -تعالى-: (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ).
- الأرض: حيثُ تُرجُّ الأرض، وتُدكّ، وتُزلزل، لقولهِ -تعالى-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، وتتخلّى عمّا في بطنها وتُلقيهم، لِقولهِ -تعالى-: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)، وتشهدُ عمّا حدث عليها، وتُبدّل بأرضٍ غيرها، لِقولهِ -تعالى-: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ).
- الشّمس والقمر: حيث يذهب ضوء القمر، وتُظلم الشّمس، ثُمّ يُجمعان ويُرميان، لِقولهِ -تعالى-: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَخَسَفَ الْقَمَرُ* وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)، وتُكوّر الشّمس؛ أيّ يذهب ضوؤها، وقيل: يُرمى بها.
العرض والحساب
يُعدُّ الحِساب جُزءاً من العرض؛ حيثُ إن العرض أشمل من الحساب، فالعرض يشمل الحِساب والوُقوف، وهو عرض جميع الخلائق على الله -تعالى- ، فلا يخفى عليه منهم أحد، لِقولهِ -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، وأمّا المعنى الثاني للعرض: فهو عرض معاصي المؤمنين، ومغفرة الله -تعالى- لها، وسترها عليهم، وأمّا الحِساب: فهو المُناقشة، لِقولهِ -تعالى-: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وورد ذلك في كثيرٍ من الأحاديث، كقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَومَ القِيامَةِ إلَّا هَلَكَ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أليسَ قدْ قالَ اللَّهُ تَعالَى: {فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، وليسَ أحَدٌ يُناقَشُ الحِسابَ يَومَ القِيامَةِ إلَّا عُذِّبَ).
ويشمل الحِساب تعريف النّاس بأعمالهم التي عملوها في الدُنيا من خيرٍ أو شر، وتذكيرهم بما نسوه منها، لِقولهِ -تعالى-: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)، وفي هذا الموقف يكون تطاير الصُّحف، ويكون الحِساب والسؤال مُختلفاً بين شخصٍ والآخر، فمنهم من يُحاسب حساباً يسيراً، ومنهم من يكون حِسابهُ عسيراً، ومن النّاس من يدخُل الجنّة بلا حِساب، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفًا بغيرِ حِسابٍ، هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، وأمّا الكافر فلا توزن له أعماله لعدم وجود حسنات له، فيجعل الله -تعالى- أعماله كالهباء المنثور، وتُعرض عليهم لتوبيخهم عليها، لِقولهِ -تعالى-: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).
الورود على الحوض
ذكر الإمامُ ابنُ حجر أنّ عدد الأحاديث التي رُويت في الحوض قد جاءت عن أكثر من ثمانين صحابيّاً، ونهر الكوثر من الأنهار التي أعطاها الله -تعالى- لنبيّه -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وتعدّدت آراء العُلماء في مكان وُجود الحوض، فقيل: إنه قبل الصراط وقبل الميزان، وقيل: يكون بعد الصراط، وذهب الإمامُ البُخاريّ إلى هذا القول، ووردت صفات هذا الحوض في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَن شَرِبَ مِنْها فلا يَظْمَأُ أبَدًا)، وجاء في بعض الأحاديث أنّ مكانه في السّماء يُقابل مكان منبر النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في الأرض، وقيل إنّ طوله مسيرة شهر، وقيل: نصف شهر، وقيل: أقل من ذلك، والجمع بينها أنّ ذلك يكون بحسب البُطء والإسراع في المشي، وجاء عن القاضي عياض أنّ ذلك كان لِمُجرد التّقدير وبيان السّعة، وليس للتحديد.
وممّن يُرَدّ عن الحوض أصحاب البِدع، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسذلام-: (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي، فَلَيُقالَنَّ لِي: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)، وذكر الإمامُ النوويّ في تحديد هذا الصنف ثلاثة أقوال، فقال: هُم المُنافقون والمُرتدّون، وقال: المُرتدّون في زمن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وقال: هُم أصحاب الكبائر والمعاصي الذين ماتوا على التّوحيد، وأصحاب البدع غير الخارجين من الإسلام، وتعدّدت آراء العُلماء في ترتيب الحوض، والأقرب أنّه يكون بعد الحِساب وقبل الميزان؛ بدليل أنّه لا يُرد الحوض من خفت موازينه، ثُمّ يكون تطاير الصُّحف، ثُمّ المُرور فوق الصِّراط.
المرور فوق الصراط
يُعرّف الصّراط بأنّه الطريق، وفي الاصطلاح: هو جِسرٌ ممدودٌ فوق جهنّم ، ويمرّ فوقه النّاس بعد الموقف، ويكون النّاسُ في ظُلمةٍ دونه وقت تبدُّل الأرض والسماوات، فقد سأل أحد الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيْنَ يَكونُ النَّاسُ يَومَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسَّمَوَاتُ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هُمْ في الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ)، ولكن هذه الظُلمة تكون نوراً للمؤمنين، لِقولهِ -تعالى-: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، وأمّا ما ورد من أدلّة ثُبوت الصّراط؛ فقولهِ -تعالى-: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا)، ومن النّاس من ينجو كالمُتّقين ، ومن الناس من يسقُط في جهنّم.
ولا يكون مُرورهم بحسب طاقاتهم البشريّة، وإنّما بحسب أعمالهم، ويمرّ عليه جميع الخلائق، وأوّل من يتجاوزه النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، حيث أخرج الإمام البخاري في صحيحه في ذلك: (ويُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فأكُونُ أوَّلَ مَن يُجِيزُ، ودُعَاءُ الرُّسُلِ يَومَئذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أما رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غيرَ أنَّهَا لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ).
دخول الجنة والنار
بعد مُرور النّاس على الصّراط وتجاوزهم له، يقف المؤمنون بعده على قنطرةٍ بين الجنّة والنار، ليُقتصّ بينهم، ويُنقّوا ممّا علق في نُفوسهم حتى يدخلوا الجنّة بعدها، وأوّل مِن يدخُل الجنّة هو النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، ثُمّ الأنبياء، ثُمّ أُمّة النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وورد في ذلك حديث النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (آتي بابَ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ فأسْتفْتِحُ، فيَقولُ الخازِنُ: مَن أنْتَ؟ فأقُولُ: مُحَمَّدٌ، فيَقولُ: بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ).
ففي آخر أحداث القيامة تكون الجنّة أو النّار ، وهُما الدّاران التي يستقرّ بهما الخلائق؛ وتكون بناءً على أعمالهم، فالمؤمن المُتّقي والطّائع يكون من أهل الجنّة، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)، وأمّا النّار فهي دار المهانة، والعِقاب للكافرين المُكذبين بالله -تعالى- وبرُسله، لِقولهِ -تعالى-: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، وهُما أبديّتان لا تفنيان، والنعيم أو العذاب فيهما أبديٌّ كذلك، وفي الجنّة ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأعظمُ نعيمها رؤية وجه الله -تعالى-، ويكونُ دُخولها بفضل الله -تعالى-، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ)، كما تكون الدّرجات في الجنّة والتّمتع فيها بحسب أعمال الإنسان في الدّنيا.