المنهج الوصفي عند الغرب
المنهج الوصفي عند الغرب
يُعرِّف "دي سوسير" رائد اللسانيات الحديثة المنهجَ الوصفي بأنه المنهج الذي يهتم بدراسة مكونات وعناصر اللغة من حيث الوظيفة التي يقوم بها كل منهم، إضافة إلى موقع كل عنصر في النص اللغوي إلى جانب غيره من العناصر الأخرى، ويعد هذا التعريف أحسن ما عُرِّف به المنهج الوصفي.
ويُشبّه "دي سوسير" مبدأ عمل المنهج الوصفي بلعبة الشطرنج، حيث إنّ اللاعب لا يهتم بالطريقة التي تصل فيها اللعبة نفسها إلى البلدة التي هو فيها، ولا حتى أصلها أو الموطن الذي نشأت فيه، إنما يهتم بالوظيفة التي يؤديها كل عنصر في اللعبة، وبالكيفية التي يؤثّر فيها على غيره من العناصر، وبموقعها من العناصر الأخرى.
يتبع "دي سوسير" منهجاً معيناً في دراسة اللغة، والذي يقوم على ثلاثة أسس رئيسة، أهمها أنه يدرس اللغة من جانبين، هما ما يلي:
- الجانب الوصفي
تنبع أهميته في أنه يدرس اللغة بوصفها كائناً حياً، حيث إن الدراسة الوصفية تُلخّص جميع الأنشطة والممارسات اللغوية التي يقوم بها هذا الكائن خلال فترة معيّنة.
- الجانب التاريخي
يدرس الباحث فيها اللغة من حيث التطورات التي تمر بها، وذلك من خلال المقارنة بين مرحلتين تاريخيين منفصلتين، إذ إن اللغة تتغير بتغير الأزمان، وتأتي أهمية هذا الجانب بعد تطبيق الجانب الوصفي على اللغة المدروسة.
نشأة المنهج الوصفي عند الغرب
تتزامن نشأت المنهج الوصفي مع البحوث الاجتماعية التي تدرس الواقع الاجتماعي، وذلك في القرن الثامن عشر، حيث إن الدراسات الاجتماعية في ذلك الوقت كانت تهدف إلى دراسة الوضع الاجتماعية لمختلف طبقات المجتمع ومستوياته، حتى إن بعضها ركّز دراساته على السجون الأوروبية، كما استلهم "دي سوسير" معالم هذا المنهج من البحوث الاجتماعية التي قام بتطويرها وتكييفها مع التواصل بين أفراد المجتمع.
خطوات المنهج الوصفي
يتبع المنهج الوصفي في دراساته عدة خطوات في غاية الأهمية، من أبرزها النقاط الآتية:
- يتّبع الموضوعية في جميع دراساته، حيث إنه يصف جميع الظواهر بطريقة حيادية خالية من أي تحيّزات.
- يشاهد الظواهر اللغوية بمختلف أنواعها.
- يتتبع اللغة ويتفحصها بطريقة استقرائية واسعة، وعلى نحو مستمر بلا انقطاع.
- يُحلِّل المادة المدروسة بطريقة إحصائية.
- يعمل على استنباط القوانين العامة والمهمة.
- يعمد إلى استخدام ما هو لائق من الأنماط الرياضية، إضافة إلى توظيف المثل.
- يَضع أسباباً ومُعللات من شأنها جعل هذه القوانين منطقية.
- يبني نظريات مفيدة وسهلة التطوير.
إجراءات المنهج الوصفي العملية
هناك عدة إجراءات عملية مهمة للباحث الذي يتّبع المنهج الوصفي، وهي على النحو الآتي:
- اعتماد الموضوعية المطلقة
- مشاهدة الظواهر اللغوية.
- استخدام الاستقراء المستمر.
- التحليل الإحصائي.
- استعمال الأنماط الرياضية المناسبة.
- تعليل القوانين وجعلها معقولة.
- بناء النظريات الفاعلة للتطبيق.
الركائز التي يعتمد عليها المنهج الوصفي
يعتمد المنهج الوصفي على 3 ركائز أساسية بالغة الأهمية، هي ما يأتي:
- وحدة المكان
إذ لا بد أن يجعل الباحث مكان اللغة الموصوفة محدداً، وذلك حتى يتجنب تعرض هذه اللغة للحن الأمم المجاورة لها، فتتأثر بها لاختلاطها بهم.
- وحدة الزمان
يجب أن يهتم الباحث بتحديد الفترة الزمنية التي يدرس اللغة فيها، لأن اللغة تتغير تبعاً لتغير الوقت وتتأثر بالتطورات التي تحدث من حولها، ولذا وجب تحديد الفترة الزمنية الواقعة فيها اللغة.
- وحدة المستوى
من المهم أن يُحدد الباحث مستوى اللغة التي يدرسها، وذلك من حيث عدة مستويات مختلفة، مثل: هل هذه اللغة فصحى أم وسطى أم عامية، أم هل هي شعر أم نثر أم قصة، هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب تصنيفها إلى أصعدة، مثل: الصعيد الصرفي، والصعيد الدلالي، والصعيد الصوتي، وغيرها.
اهتمام مدرسة براغ بالمنهج الوصفي
اهتمت مدرسة براغ بمنهج "دي سوسير" الوصفي أو ما يسمى بـ "السانكروني"، كما أنها تبنت الأفكار التي نادى بها "دي سوسير"، حيث نشأت مدرسة براغ في بداية الأمر من مجموعة مشاركين وذلك عام 1926م، وبعد ثلاثة سنوات بدأت بنشر أولى الأفكار التي تبنتها تحت عنوان "أعمال مدرسة براغ اللغوية" وذلك عام 1929م، وقد ركزت على الجانب الفونولوجي.