المعلقات العشر مكتوبة كاملة
قصيدة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزِل
للشاعر امرئ القيس
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
- بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
- لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا
- وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأَنِّيْ غَدَاة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
- لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِيْ عَليََّ مَطِيَّهُمْ
- يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفَائِيْ عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌ
- فهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَـا
- وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ صَبَابَةً
- عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ
- وَلا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِيْ
- فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ
يَظَلُّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا
- وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
- فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا
- عَقَرْتَ بَعِيْرِيْ يَا امْرَأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِيْ وَأَرْخِي زِمَامَهُ
- وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ المُعَلِّلِ
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعًا
- فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِيْ تَمَائِمَ مُغْيَلِ
إذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ
- بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لم يُحَوَّلِ
وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ
- عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ
أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ
- وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِيْ فَأَجْمِلِي
وَإنْ كنتِ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّيْ خَليْقَةٌ
- فَسُلِّيْ ثِيَابِيْ مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
أَغَرَّكِ مِنِّيْ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
- وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقْدَحِي
- بِسَهْمَيْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
وَبَيْضَةِِ خِدْرٍٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا
- تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍاً
- عَلَيَّ حِرَاصٍ لَوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي
إذا ما الثُّرَيَّا في السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ
- تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَتْ لنَوْمٍ ثِيَابَهَا
- لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
فَقَالَتْ يَمُيْنَ اللهَ ما لَكَ حِيْلَةٌ
- وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ العَمَايَةَ تَنْجَلِي
خَرَجْتُ بِهَا تَمْشِيْ تَجُرُّ وَرَاءَنَا
- عَلَى أثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى
- بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ ذِيْ رُكَامٍ عَقَنْقَلِ
إِذَا التَفَتَتْ نَحْوِيْ تَضَوَّعَ رِيْحُهَا
- نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
إِذَا قُلْتُ هَاتِيْ نَوِّلِيْنِيْ تَمَايَلَتْ
- عَلَيَّ هَضِيْمَ الكَشَحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ
- تَرَائِبُهَا مَصْقُوْلَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
كِبِكْرِ مُقَانَاةِ البَيَاضِ بِصُفْرَةٍ
- غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرِ المُحَلَّلِِ
تَصُدُّ وَتُبْدِيْ عَنْ أَسِيْلٍ وَتَتَّقِيْ
- بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ
وَجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ
- إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلا بِمُعَطَّلِ
وَفَرْعٍ يُغَشِّي المَتْنَ أَسْودَ فَاحِمٍ
- أَثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلى العُلا
- تَضِلُّ المَدَارَى في مُثَنًى وَمُرْسَلِ
وَكَشْحٍ لَطِيْفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ
- وَسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ
وَتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كَأَنَّهُ
- أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاوِيْكُ إِسْحِلِ
تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا
- مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ
وَتُضْحِيْ فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِرَاشِهَا
- نَؤُوْمُ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
إِلى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَةً
- إِذَا ما اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ
تسلت عمايات الرجالِ عن الصّبا
- وليسَ صِبايَ عن هواها بمنسل
ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه
- نصيح على تعذَاله غير مؤتل
وليل كموج البحر أرخى سدولهُ
- عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بجوزه
- وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي
- بصُبْحٍ وما الإصْباحَ فيك بأمثَلِ
فيا لكَ من ليلْ كأنَّ نجومهُ
- بكل مغار الفتل شدت بيذبل
كأنَّ الثريا علقت في مصامها
- بأمْراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
وَقَدْ أغْتَدي وَالطّيرُ في وُكنُاتُها
- بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا
- كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ
كميت يزل اللبد عن حال متنه
- كما زَلّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزّلِ
مسحٍّ إذا ما السابحاتُ على الونى
- أثرنَ غبارًا بالكديد المركل
على العقبِ جيَّاش كأن اهتزامهُ
- إذا جاش فيه حميُه غَليُ مِرْجلِ
يطيرُ الغلامُ الخفُّ عن صهواته
- وَيُلْوي بأثْوابِ العَنيفِ المُثقَّلِ
دَريرٍ كَخُذْروفِ الوَليدِ أمَرّهُ
- تقلبُ كفيهِ بخيطٍ مُوصلِ
لهُ أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة
- وإرخاء سرحانٍ وتقريبُ تتفلِ
كأن على الكتفين منه إذا انتحى
- مَداكَ عَروسٍ أوْ صَرية َ حنظلِ
وباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ
- وباتَ بعيني قائمًا غير مرسل
فعنَّ لنا سربٌ كأنَّ نعاجَه
- عَذارَى دَوارٍ في المُلاءِ المُذَيَّلِ
فأدبرنَ كالجزع المفصل بينه
- بجيدِ مُعَمٍّ في العَشيرَة ِ مُخْوَلِ
فألحَقَنا بالهادِياتِ وَدُونَهُ
- جواحِرها في صرة ٍ لم تزيَّل
فَعادى عِداءً بَينَ ثَوْرٍ وَنَعْجَة ٍ
- دِراكًا ولم يَنْضَحْ بماءٍ فيُغسَلِ
فظلّ طُهاة ُ اللّحمِ من بينِ مُنْضِجٍ
- صَفيفَ شِواءٍ أوْ قَديرٍ مُعَجَّلِ
ورُحنا وراحَ الطرفُ ينفض رأسه
- متى ما تَرَقَّ العينُ فيه تسهل
كأنَّ دماءَ الهادياتِ بنحره
- عُصارة ُ حِنّاءٍ بشَيْبٍ مُرْجّلِ
وأنتَ إذا استدبرتُه سدَّ فرجه
- بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
أحار ترى برقًا كأن وميضه
- كلمع اليدينِ في حبي مُكلل
يُضيءُ سَناهُ أوْ مَصَابيحُ راهِبٍ
- أهان السليط في الذَّبال المفتَّل
قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بينَ حامر
- وبين إكام بعد ما متأمل
وأضحى يسحُّ الماء عن كل فيقة
- يكبُّ على الأذقان دوحَ الكنهبل
وتيماءَ لم يترُك بها جِذع نخلة
- وَلا أُطُمًا إلا مَشيدًا بجَنْدَلِ
كأن طمية المجيمر غدوةً
- من السَّيلِ والغثاء فَلكة ُ مِغزَلِ
كأنَّ أبانًا في أفانينِ ودقهِ
- كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
وَألْقى بصَحْراءِ الغَبيطِ بَعاعَهُ
- نزول اليماني ذي العياب المخوَّل
كأنّ سباعًا فيهِ غَرْقَى غدية
- بِأرْجائِهِ القُصْوى أنابيشُ عُنْصُلِ
على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبهِ
- وَأيْسَرُهُ عَلى السّتارِ فَيَذْبُلِ
وَألقى بِبَيسانَ مَعَ اللَيلِ بَركَهُ
- فَأنزَلَ مِنهُ العَصمَ مِن كُلِّ مَنزِلِ
قصيدة: هل غادر الشعراء من متردم
للشاعر عنترة بن شداد :
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
- أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
- وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها
- فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا
- بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ
- أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت
- عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ
عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها
- زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ
- مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها
- بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّماْ
- زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها
- وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ
فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً
- سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ
- عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ
وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ
- سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ
أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها
- غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ
جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ
- فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ
سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ
- يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ
وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ
- غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ
- قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ
تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ
- وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ
وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى
- نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ
هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ
- لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ
خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ
- تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ
وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً
- بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ
تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت
- حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ
يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ
- حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ
- كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ
شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت
- زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ
وَكَأَنَّما تَنأى بِجانِبِ دَفَّها ال
- وَحشِيِّ مِن هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ
هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ
- غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ
بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّم
- بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَد
- حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ
يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ
- زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ
إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني
- طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ
أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني
- سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ
وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ
- مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ
وَلَقَد شَرِبتُ مِنَ المُدامَةِ بَعدَما
- رَكَدَ الهَواجِرُ بِالمَشوفِ المُعلَمِ
بِزُجاجَةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ
- قُرِنَت بِأَزهَرَ في الشَمالِ مُفَدَّمِ
فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ
- مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ
وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً
- وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي
وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّل
- تَمكو فَريصَتُهُ كَشَدقِ الأَعلَمِ
سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ
- وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَونِ العَندَمِ
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ
- إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي
إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ
- نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ
طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً
- يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ
يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني
- أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ
وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ
- لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ
جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ
- بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ
فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ
- لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ
فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ
- يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ
وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَها
- بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ
رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَتا
- هَتّاكِ غاياتِ التِجارِ مُلَوَّمِ
لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ
- أَبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ
عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّما
- خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ
فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ
- بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ
بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ
- يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ
يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ
- حَرُمَت عَلَيَّ وَلَيتَها لَم تَحرُمِ
فَبَعَثتُ جارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي
- فَتَجَسَّسي أَخبارَها لِيَ وَاِعلَمي
قالَت رَأَيتُ مِنَ الأَعادي غِرَّةً
- وَالشاةُ مُمكِنَةٌ لِمَن هُوَ مُرتَمِ
وَكَأَنَّما اِلتَفَتَت بِجيدِ جَدايَةٍ
- رَشإٍ مِنَ الغِزلانِ حُرٍّ أَرثَمِ
نِبِّئتُ عَمرواً غَيرَ شاكِرِ نِعمَتي
- وَالكُفرُ مَخبَثَةٌ لَنَفسِ المُنعِمِ
وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى
- إِذ تَقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ
في حَومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي
- غَمَراتِها الأَبطالُ غَيرَ تَغَمغُمِ
إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ لَم أَخِم
- عَنها وَلَكِنّي تَضايَقَ مُقدَمي
لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم
- يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ
يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها
- أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ
ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ
- وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ
- وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى
- وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها
- قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ
وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً
- مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ
ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي
- لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ
وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر
- لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ
الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُم
- وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي
إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُم
- جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ
قصيدة: ألا هبي بصحنك فاصبحين
للشاعر عمرو بن كلثوم
أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحين
- وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه
- إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ
- إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا
تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت
- عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا
صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو
- وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا
وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو
- بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا
وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ
- وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا
وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَناي
- مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا
قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعين
- نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا
قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرم
- لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا
بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعن
- أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا
وَإنَّ غَداً وَإِنَّ اليَومَ رَهنٌ
- وَبَعدَ غَدٍ بِما لا تَعلَمينا
تُريكَ إِذا دَخَلتَ عَلى خَلاءٍ
- وَقَد أَمِنَت عُيونَ الكاشِحينا
ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ
- هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا
وَثَدياً مِثلَ حُقِّ العاجِ رَخص
- حَصاناً مِن أَكُفِّ اللامِسينا
وَمَتنَي لَدنَةٍ سَمَقَت وَطالَت
- رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا
وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنه
- وَكَشحاً قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا
وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ
- يَرِنُّ خُشاشُ حَليِهِما رَنينا
فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ
- أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا
وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاه
- لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا
تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّ
- رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا
فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت
- كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا
أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَين
- وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا
بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيض
- وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا
وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ
- عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا
وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ
- بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا
تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ
- مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا
وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ
- إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا
وَقَد هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِنّ
- وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا
مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحان
- يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا
يَكونُ ثِفالُها شَرقِيَّ نَجدٍ
- وَلُهوَتُها قُضاعَةَ أَجمَعينا
نَزَلتُم مَنزِلَ الأَضيافِ مِنّ
- فَأَعجَلنا القِرى أَن تَشتُمونا
قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم
- قُبَيلَ الصُبحِ مِرداةً طَحونا
نَعُمُّ أُناسَنا وَنَعِفُّ عَنهُم
- وَنَحمِلُ عَنهُمُ ما حَمَّلونا
نُطاعِنُ ما تَراخى الناسُ عَنّ
- وَنَضرِبُ بِالسُيوفِ إِذا غُشينا
بِسُمرٍ مِن قَنا الخَطِّيِّ لُدنٍ
- ذَوابِلَ أَو بِبيضٍ يَختَلينا
كَأَنَّ جَماجِمَ الأَبطالِ فيه
- وُسوقٌ بِالأَماعِزِ يَرتَمينا
نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقّ
- وَنُخليها الرِقابَ فَتَختَلينا
وَإِنَّ الضِغنَ بَعدَ الضِغنِ يَبدو
- عَلَيكَ وَيَخرِجُ الداءَ الدَفينا
وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ
- نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا
وَنَحنُ إِذا عَمادُ الحَيّ خَرَّت
- عَنِ الأَحفاضِ نَمنَعُ مَن يَلينا
نَجُذُّ رُؤوسَهُم في غَيرِ بِرٍّ
- فَما يَدرونَ ماذا يَتَّقونا
كَأَنَّ سُيوفَنا فينا وَفيهِم
- مَخاريقٌ بِأَيدي لاعِبينا
كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم
- خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا
إِذا ما عَيَّ بِالإِسنافِ حَيٌّ
- مِنَ الهَولِ المُشَبَّهِ أَن يَكونا
نَصَبنَا مِثلَ رَهوَةَ ذاتَ حَدٍّ
- مُحافَظَةً وَكُنّا السابِقينا
بِشُبّانٍ يَرَونَ القَتلَ مَجد
- وَشيبٍ في الحُروبِ مُجَرَّبينَا
حُدَيّا الناسِ كُلِّهِمُ جَميع
- مُقارَعَةً بَنيهِم عَن بَنينا
فَأَمّا يَومَ خَشيَتِنا عَلَيهِم
- فَتُصبِحُ خَيلُنا عُصَباً ثُبينا
وَأَمّا يَومَ لا نَخشى عَلَيهِم
- فَنُمعِنُ غارَةً مُتَلَبِّبينا
بِرَأسٍ مِن بَني جُشَمِ بنِ بَكرٍ
- نَدُقُّ بِهِ السُهولَةُ وَالحُزونا
أَلا لا يَعلَمُ الأَقوامُ أَنّ
- تَضَعضَعنا وَأَنّا قَد وَنينا
أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَين
- فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
- نَكونُ لِقَيلِكُم فيها قَطينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
- تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وَتَزدَرينا
تَهَدَّدنا وَأَوعِدنا رُوَيد
- مَتى كُنَّا لِأُمِّكَ مَقتَوينا
فَإِنَّ قَناتَنا يا عَمرُو أَعيَت
- عَلى الأَعداءِ قَبلَكَ أَن تَلينا
إِذا عَضَّ الثِقافُ بِها اِشمَأَزَّت
- وَوَلَّتهُم عَشَوزَنَةَ زَبونا
عَشَوزَنَةً إِذا اِنقَلَبَت أَرَنَّت
- تَشُجُّ قَفا المُثَقَّفِ وَالجَبينا
فَهَل حُدِّثتَ في جُشَمَ بنِ بَكرٍ
- بِنَقصٍ في خُطوبِ الأَوَّلينا
وَرِثنا مَجدَ عَلقَمَةَ بنِ سَيفٍ
- أَبَاحَ لَنا حُصونَ المَجدِ دينا
وَرِثتُ مُهَلهِلاً وَالخَيرَ مِنهُ
- زُهَيراً نِعمَ ذُخرُ الذاخِرينا
وَعَتّاباً وَكُلثوماً جَميع
- بِهِم نِلنا تُراثَ الأَكرَمينا
وَذا البُرَةِ الَّذي حُدِّثتَ عَنهُ
- بِهِ نُحمى وَنَحمي المُحجَرينا
وَمِنّا قَبلَهُ الساعي كُلَيبٌ
- فَأَيُّ المَجدِ إِلّا قَد وَلينا
مَتى نَعقِد قَرينَتَنا بِحَبلٍ
- تَجُزُّ الحَبلَ أَو تَقُصُّ القَرينا
وَنوجَدُ نَحنُ أَمنَعُهُم ذِمار
- وَأَوفاهُم إِذا عَقَدوا يَميناً
ونَحنُ غَداةَ أُوقِدَ في خَزازى
- رَفَدنا فَوقَ رِفدِ الرافِدينا
وَنَحنُ الحابِسونَ بِذي أُراطى
- تَسُفُّ الجِلَّةُ الخورُ الدَرينا
ونَحنُ الحاكِمونَ إَذا أُطِعن
- وَنَحنُ العازِمونَ إَذا عُصينا
وَنَحنُ التارِكونَ لِما سَخِطن
- وَنَحنُ الآخِذونَ لِما رَضينا
وَكُنّا الأَيمَنينَ إذا اِلتَقَينَ
- وَكانَ الأَيسَرين بَنو أَبينا
فَصالوا صَولَةً فيمَن يَليهِم
- وَصُلنا صَولَةً فيمَن يَلينا
فَآبوا بِالنِهابِ وَبِالسَباي
- وَأُبنا بِالمُلوكِ مُصَفَّدينا
إِلَيكُم يا بَني بَكرٍ إِلَيكُم
- أَلَمّا تَعرِفوا مِنّا اليَقينا
أَلَمّا تَعرِفوا مِنّا وَمِنكُم
- كَتائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرتَمينا
عَلَينا البَيضُ واليَلَبُ اليَماني
- وَأَسيافٌ يَقُمنَ وَيَنحَنينا
عَلَينا كُلُّ سابِغَةٍ دِلاصٍ
- تَرى فَوقَ النِطاقِ لَها غُضونا
إِذا وُضِعَت عَلى الأَبطالِ يَوم
- رَأَيتَ لَها جُلودَ القَومِ جونا
كَأَنَّ غُضونَهُنَّ مُتونُ غُدرٍ
- تُصَفِّقُها الرِياحُ إِذا جَرَينا
وَتَحمِلُنا غَداةَ الرَوعِ جُردٌ
- عُرِفنَ لَنا نَقائِذَ وَاَفتُلينا
وَرَدنَ دَوارِعاً وَخَرَجنَ شُعث
- كَأَمثالِ الرَصائِعِ قَد بَلينا
وَرِثناهُنَّ عَن آباءِ صِدقٍ
- وَنُورِثُها إِذا مُتنا بَنينا
عَلى آثارِنا بيضٌ حِسانٌ
- نُحاذِرُ أَن تُقَسَّمَ أَو تَهونا
أَخَذنَ عَلى بُعولَتِهِنَّ عَهد
- إِذا لاقَوا كَتائِبَ مُعلَمينا
لَيَستَلِبُنَّ أَفراساً وَبيض
- وَأَسرى في الحَديدِ مُقَرَّنينا
تَرانا بارِزينَ وَكُلُّ حَيٍّ
- قَدِ اِتَّخَذوا مَخافَتَنا قَرينا
إِذا ما رُحنَ يَمشينَ الهُوَينى
- كَما اِضطَرَبَت مُتون الشارِبينا
يَقُتنَ جِيادَنا وَيَقُلنَ لَستُم
- بُعولَتَنا إِذا لَم تَمنَعونا
ظَعائِنَ مِن بَني جُشَمَ بنِ بَكرٍ
- خَلَطنَ بِمَيسَمٍ حَسَباً وَديناً
وَما مَنَعَ الظَعائِنَ مِثلُ ضَربٍ
- تَرى مِنهُ السَواعِدَ كَالقُلينا
كَأَنّا وَالسُيوفُ مُسَلَّلاتٌ
- وَلَدنا الناسَ طُرّاً أَجمَعينا
يُدَهدونَ الرُؤوسَ كَما تُدَهدي
- حَزاوِرَةٌ بِأَبطَحِها الكُرينا
وَقَد عَلِمَ القَبائِلُ مِن مَعَدٍّ
- إِذا قُبَبٌ بِأَبطَحِها بُنينا
بِأَنا المُطعِمونَ إِذا قَدَرن
- وَأَنّا المُهلِكونَ إِذا اِبتُلينا
وَأَنّا المانِعونَ لِما أَرَدن
- وَأَنّا النازِلونَ بِحَيثُ شينا
وَأَنّا التارِكونَ إِذا سَخِطن
- وَأَنّا الآخِذونَ إَذا رَضينا
وَأَنّا العاصِمونَ إِذا أُطِعن
- وَأَنّا العازِمونَ إِذا عُصينا
وَنَشرَبُ إِن وَرَدنا الماءَ صَفو
- وَيَشرَبُ غَيرُنا كَدَراً وَطينا
أَلا أَبلِغ بَني الطَمّاحِ عَنّ
- وَدُعمِيّاً فَكَيفَ وَجَدتُمونا
إِذا ما المَلكُ سامَ الناسَ خَسف
- أَبَينا أَن نُقِرَّ الذُلَّ فينا
مَلَأنا البَرَّ حَتّى ضاقَ عَنّ
- وَنَحنُ البَحرُ نَملأُهُ سَفينا
إَذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا وَليدٌ
- تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا
عُقاراً عُتِّقَت مِن عَهدِ نوحٍ
- بِبَطنِ الدَنِّ تَبتَذِلُ السِنينا
كَأَنَّ الشُهبَ في الأَذانِ مِنه
- إِذا قَرَعوا بحافَتِها الجَبينا
إِذا صَمَدَت حُمَيّاها أَريب
- مِنَ الفِتيانِ خِلتَ بِهِ جُنونا
فَما بَرِحَت مَجالَ الشِربِ حَتّى
- تَغالوها وَقالوا قَد رَوينا
أَفي لَيلى يُعاتِبُني أَبوه
- وَإِخوَتُها وَهُم لي ظالِمونا
وَنَحراً مِثلَ ضَوءِ البَدرِ وافي
- بِإِتمامٍ أُناساً مُدجِنينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
- تَرى أَنّا نَكونُ الأَرذَلينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
- تَقَدَّمُنا وَنَحنُ السابِقونا
بِنا اِهتَدَتِ القَبائِلُ مَن مَعَدٍّ
- بِنارَينا وِكُنّا الموقِدينا
وَكانَ القَلبُ مِن عَكٍّ وَكانو
- كَميناً حينَ أَن جُعِلوا كَمينا
وَأَسلَمنا الرِياسَةَ في نِزارٍ
- وَكانَت مِنهُمُ في الأَحوَصينا
نَقودُ الخَيلَ دامِيَةً كُلاه
- إِلى الأَعداءِ لاحِقَةً بُطونا
وَأَنّا المانِعُون لما يَلين
- إَذا ما البيضُ فارَقَتِ الجُفونا
وَأَنّا الطالِبونَ إِذا اِنتَقَمن
- وَأَنّا الضارِبون إِذا اُبتُلينا
وَأَنّا النازِلون بِكُلِّ ثَغرٍ
- يَخافُ النازِلونَ بِهِ المَنونا
إِذا لَم نَحمِهِنَّ فَلا بَقين
- لِشَيءٍ بَعدَهُنَّ وَلا حَيينا
لَنا الدُنيا وَمَن أَضحى عَلَيه
- وَنَبطِشُ حينَ نَبطِشُ قادِرينا
نُسَمّى ظالِمينَ وَما ظُلِمن
- وَلكِنا سَنَبدَأُ ظالِمينا
سَقَيناهُم بِكَأسِ المَوتِ صِرف
- وَلاقوا في الوَقائِعِ أَقوَرينا
وَنَعدو حينَ لا يُعدى عَلَين
- وَنَضرِبُ بِالمَواسي مَن يَلينا
تَنادى المُصعَبانِ وَآلُ بَكرٍ
- وَنادوا يا لَكِندَةَ أَجمَعينا
فَإِن نَغلِب فَغَلّابونَ قِدم
- وَإِن نُغلَب فَغَيرُ مُغَلَّبينا
قصيدة: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
للشاعر زهير بن أبي سلمى
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
- بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
- مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً
- وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً
- فَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
أَثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ
- وَنُؤياً كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها
- أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ
تَبَصَّر خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍ
- تَحَمَّلنَ بِالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرثُمِ
عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍ
- وِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ
وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ
- أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ
بَكَرنَ بُكوراً وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ
- فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
جَعَلنَ القَنانَ عَن يَمينٍ وَحَزنَهُ
- وَمَن بِالقَنانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحرِمِ
ظَهَرنَ مِنَ السوبانِ ثُمَّ جَزَعنَهُ
- عَلى كُلِّ قَينِيٍّ قَشيبٍ مُفَأَّمِ
كَأَنَّ فُتاتَ العِهنِ في كُلِّ مَنزِلٍ
- نَزَلنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَم يُحَطَّمِ
فَلَمّا وَرَدنَ الماءَ زُرقاً جِمامُهُ
- وَضَعنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَما
- تَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ
- رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ
يَميناً لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما
- عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما
- تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعاً
- بِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
- بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِها
- وَمَن يَستَبِح كَنزاً مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
فَأَصبَحَ يَجري فيهُمُ مِن تِلادِكُم
- مَغانِمُ شَتّى مِن إِفالِ المُزَنَّمِ
تُعَفّى الكُلومُ بِالمِئينَ فَأَصبَحَت
- يُنَجِّمُها مَن لَيسَ فيها بِمُجرِمِ
يُنَجِّمُها قَومٌ لِقَومٍ غَرامَةً
- وَلَم يُهَريقوا بَينَهُم مِلءَ مِحجَمِ
فَمِن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنّي رِسالَةً
- وَذُبيانَ هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ
فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم
- لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ
يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر
- لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
- وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
- وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
- وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم
- كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِها
- قُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ
لَعَمري لَنِعمَ الحَيُّ جَرَّ عَلَيهِمُ
- بِما لا يُواتيهِم حُصَينُ بنُ ضَمضَمِ
وَكانَ طَوى كَشحاً عَلى مُستَكِنَّةٍ
- فَلا هُوَ أَبداها وَلَم يَتَجَمجَمِ
وَقالَ سَأَقضي حاجَتي ثُمَّ أَتَّقي
- عَدُوّي بِأَلفٍ مِن وَرائِيَ مُلجَمِ
فَشَدَّ وَلَم تَفزَع بُيوتٌ كَثيرَةٌ
- لَدى حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ
لَدى أَسَدٍ شاكي السِلاحِ مُقَذَّفٍ
- لَهُ لِبَدٌ أَظفارُهُ لَم تُقَلَّمِ
جَريءٍ مَتى يُظلَم يُعاقِب بِظُلمِهِ
- سَريعاً وَإِلّا يُبدَ بِالظُلمِ يَظلِمِ
رَعَوا ما رَعَوا مِن ظِمئِهِم ثُمَّ أَورَدوا
- غِماراً تَسيلُ بِالرِماحِ وَبِالدَمِ
فَقَضَّوا مَنايا بَينَهُم ثُمَّ أَصدَروا
- إِلى كَلَأٍ مُستَوبِلٍ مُتَوَخَّمِ
لَعَمرُكَ ما جَرَّت عَلَيهِم رِماحُهُم
- دَمَ اِبنِ نَهيكٍ أَو قَتيلِ المُثَلَّمِ
وَلا شارَكوا في القَومِ في دَمِ نَوفَلٍ
- وَلا وَهَبٍ مِنهُم وَلا اِبنِ المُحَزَّمِ
فَكُلّاً أَراهُم أَصبَحوا يَعقِلونَهُم
- عُلالَةَ أَلفٍ بَعدَ أَلفٍ مُصَتَّمِ
تُساقُ إِلى قَومٍ لِقَومٍ غَرامَةً
- صَحيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخرِمِ
لِحَيٍّ حِلالٍ يَعصِمُ الناسَ أَمرُهُم
- إِذا طَلَعَت إِحدى اللَيالي بِمُعظَمِ
كِرامٍ فَلا ذو الوِترِ يُدرِكُ وِترَهُ
- لَدَيهِم وَلا الجاني عَلَيهِم بِمُسلَمِ
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
- ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب
- تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ
- وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ
- يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ
- عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ
- يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ
وَمَن لا يَذُد عَن حَوضِهِ بِسِلاحِهِ
- يُهَدَّم وَمَن لا يَظلِمِ الناسَ يُظلَمِ
وَمَن هابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَها
- وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلَّمِ
وَمَن يَعصِ أَطرافَ الزُجاجِ فَإِنَّهُ
- يُطيعُ العَوالي رُكِّبَت كُلَّ لَهذَمِ
وَمَن يوفِ لا يُذمَم وَمَن يُفضِ قَلبُهُ
- إِلى مُطمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمجَمِ
وَمَن يَغتَرِب يَحسِب عَدُوّاً صَديقَهُ
- وَمَن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ
- وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
وَمَن لا يَزَل يَستَحمِلُ الناسَ نَفسَهُ
- وَلا يُغنِها يَوماً مِنَ الدَهرِ يُسأَمِ
قصيدة: آذنتنا ببينها أسماء
للشاعر الحارث بن حلزة
آَذَنَتنا بِبَينِها أَسماءُ
- رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ
آَذَنَتنا بِبَينِها ثُمَّ وَلَّت
- لَيتَ شِعري مَتى يَكونُ اللِقاءُ
بَعدَ عَهدٍ لَها بِبُرقَةِ شَمّا
- ءَ فَأَدنى ديارَها الخَلصَاءُ
فَمَحيّاةٌ فَالصَفاحُ فَأَعلى
- ذي فِتاقٍ فَغَاذِبٌ فَالوَفاءُ
فَرياضُ القَطا فَأَودِيَةُ الشُر
- بُبِ فَالشُعبَتانِ فَالأَبلاءُ
لا أَرى مَن عَهِدتُ فيها فَأَبكي ال
- يَومَ دَلهاً وَما يَرُدُّ البُكاءُ
وَبِعَينَيكَ أَوقَدَت هِندٌ النا
- رَ أَخيراً تُلوي بِها العَلياءُ
أَوقَدَتها بَينَ العَقيقِ فَشَخصَي
- نِ بِعودٍ كَما يَلوحُ الضِياءُ
فَتَنَوَّرتُ نارَها مِن بَعيدٍ
- بِخَزارٍ هَيهاتَ مِنكَ الصلاءُ
غَيرَ أَنّي قَد أَستَعينُ عَلى الهَ
- مِّ إِذا خَفَّ بِالثَوِيِّ النَجاءُ
بِزَفُوفٍ كَأَنَّها هِقلَةٌ أَ
- مُّ رِئالٍ دَوِّيَّةٌ سَقفاءُ
آَنَسَت نَبأةً وَأَفزَعَها القَ
- نّاصُ عَصراً وَقَد دَنا الإِمساءُ
فَتَرى خَلفَها مِنَ الرَجعِ وَالوَق
- عِ مَنيناً كَأَنَّهُ إِهباءُ
وَطِراقاً مِن خَلفِهِنَّ طِراقٌ
- ساقِطاتٌ تُلوي بِها الصَحراءُ
أَتَلَهّى بِها الهَواجِرَ إِذ كُ
- لُّ اِبنَ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمياءُ
وَأَتانا عَن الأَراقِمِ أَنبا
- ءٌ وَخَطبٌ نُعنى بِهِ وَنُساءُ
أَنَّ إِخوانِنا الأَرَاقِمَ يَغلو
- نَ عَلَينا في قَولِهِم إِحفاءُ
يَخلِطونَ البَريءَ مِنّا بِذي الذَن
- بِ وَلا يَنفَعُ الخَلِيَّ الخِلاءُ
زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَن ضَرَبَ العَي
- رَ مَوالٍ لَنا وَأَنّا الوَلاءُ
أَجمَعوا أَمرَهُم بِلَيلٍ فَلَمّا
- أَصبَحُوا أَصبَحَت لَهُم ضَوضاءُ
مِن مُنادٍ وَمِن مُجيبٍ وَمِن تَص
- هالِ خَيلٍ خِلالَ ذاكَ رُغاءُ
أَيُّها الناطِقُ المُرَقِّشُ عَنّا
- عِندَ عَمرَوٍ وَهَل لِذاكَ بَقَاءُ
لا تَخَلنا عَلى غَرائِكَ إِنّا
- قَبلُ ما قَد وَشى بِنا الأَعداءُ
فَبَقينا عَلى الشَناءَةِ تَنمِي
- نا حُصونٌ وَعِزَّةٌ قَعساءُ
قَبلَ ما اليَومِ بَيَّضَت بِعُيونِ ال
- ناسِ فيها تَعَيُّطٌ وَإِباءُ
وَكأَنَّ المَنونَ تَردِي بِنا أَر
- عَنَ جَوناً يَنجابُ عَنهُ العَماءُ
مُكفَهِراً عَلى الحَوادِثِ لا تَر
- توهُ لِلدَهرِ مُؤيِدٌ صَمّاءُ
اَيّما خُطَّةٍ أَرَدتُم فَأَدّ
- ها إِلَينا تَمشي بِها الأَملاءُ
إِن نَبَشتُم ما بَينَ مِلحَةَ فَالصا
- قِبِ فيهِ الأَمواتُ وَالأَحياءُ
أَو نَقَشتُم فَالنَقشُ تَجشَمُهُ النا
- سُ وَفيهِ الصَلاحُ وَالإِبراءُ
أَوسَكَتُم عَنّا فَكُنّا كَمَن أَغ
- مَضَ عَيناً في جَفنِها أَقذاءُ
أَو مَنَعتُم ما تُسأَلونَ فَمَن حُ
- دِّثتُمُوهُ لَهُ عَلَينا العَلاءُ
هَل عَلِمتُم أَيّامَ يُنتَهَبُ النا
- سُ غِواراً لِكُلِّ حَيٍّ عُواءُ
إِذ رَفَعنا الجِمالَ مِن سَعَفِ البَح
- رَينِ سَيراً حَتّى نَهاها الحِساءُ
ثُمَ مِلنا عَلى تَميمٍ فَأَحرَم
- نا وَفينا بَناتُ مُرٍّ إِماءُ
لا يُقيمُ العَزيزُ في البَلَدِ السَه
- لِ وَلا يَنفَعُ الذَليلَ النِجاءُ
لَيسَ يُنجي مُوائِلاً مِن حِذارِ
- رَأَسُ طَودٍ وَحَرَّةٌ رَجلاءُ
فَمَلَكنا بِذَلِكَ الناسَ حَتّى
- مَلَكَ المُنذِرُ بِنُ ماءِ السَماءِ
وَهُوَ الرَبُّ وَالشَهيدُ عَلى يَو
- مِ الحَيارَينِ وَالبَلاءُ بَلاءُ
مَلِكٌ أَضلَعُ البَرِيَّةِ لا يو
- جَدُ فيها لِما لَدَيهِ كِفاءُ
فَاِترُكوا البَغيَّ وَالتَعَدي وَإِما
- تَتَعاشوا فَفي التَعاشي الدَاءُ
وَاِذكُرُوا حِلفَ ذي المَجازِ وَما قُ
- دِّمَ فيهِ العُهودُ وَالكُفَلاءُ
حَذَرَ الخَونِ وَالتَعَدّي وَهَل يَن
- قُضُ ما في المَهارِقِ الأَهواءُ
وَاِعلَموا أَنَّنا وَإِيّاكُم في
- ما اِشتَرَطنا يَومَ اِختَلَفنا سَواءُ
أَعَلَينا جُناحُ كِندَةَ أَن يَغ
- نَمَ غازِيهُمُ وَمِنّا الجَزاءُ
أم عَلَينا جُرّى حَنيفَةَ أَو ما
- جَمَّعَت مِن مُحارِبٍ غَبراءُ
أَم جَنايا بَني عَتيقٍ فَمَن يَغ
- دِر فَإِنّا مِن حَربِهِم بُراءُ
أَم عَلَينا جَرّى العِبادُ كَما ني
- طَ بِجَوزِ المَحمَلِ الأَعباءُ
أَم عَلَينا جَرّى قُضاعَةَ أَم لَي
- سَ عَلَينا مِمّا جَنوا أَنداءُ
لَيسَ مِنّا المُضَرَّبونَ وَلا قَي
- سٌ وَلا جَندَلٌ وَلا الحَدَاءُ
أَم عَلَينا جَرّى إِيادٍ كَما قي
- لَ لِطَسمٍ أَخوكُم الأَبّاءُ
غَنَناً باطِلاً وَظُلماً كَما تُع
- تَرُ عَن حَجرَةِ الرَبيضِ الظَباءُ
وَثَمانونَ مَن تَميمٍ بِأيدي
- هم رِماحٌ صُدُورُهُنَّ القَضاءُ
لَم يُخَلّوا بَني رِزاحٍ بِبَرقا
- ءِ نِطاعٍ لَهُم عَلَيهُم دُعاءُ
تَرَكوهُم مُلَحَّبينَ فَآبوا
- بِنهابٍ يَصَمُّ فيهِ الحُداء
وَأَتَوهُم يَستَرجِعُونَ فَلَم تَر
- جِعُ لَهُم شامَةٌ وَلا زَهراءُ
ثُمَّ فاءَوا مِنهُم بِقاصِمَةِ ال
- ظَّهرِ وَلا يَبرُدُ الغَليلَ الماءُ
ثُمَّ خَيلٌ مِن بَعدِ ذاكَ مَعَ الغَ
- لّاقِ لا رَأَفَةٌ وَلا إِبقاءُ
ما أصابوا مِن تَغلَبِيِّ فَمَطَلو
- لٌ عَلَيهِ إِذا تَوَلّى العَفاءُ
كَتَكاليفِ قَومِنا إِذ غَزا المُن
- ذِرُ هَلِ نَحنُ لابنِ هِندٍ رِعاءُ
إِذ أَحَلَّ العَلاَةَ قُبَّةَ مَيسو
- نَ فَأَدنى دِيارِها العَوصاءُ
فَتَأَوَّت لَهُم قَراضِبَةٌ مِن
- مُحلِّ حَيٍّ كَأَنَّهُم أَلقاءُ
فَهَداهُم بِالأَسوَدَينِ وَأَمرُ اللَ
- هِ بَلغٌ يَشقى بِهِ الأَشقياءُ
إِذ تَمَنّونَهُم غُروراً فَساقَت
- هُمِ إِلَيكُم أُمنِيَّةٌ أَشراءُ
لَم يَغُرّوكُم غُروراً وَلَكن
- يَرفَعُ الآلُ جَمعَهُم وَالضَحاءُ
أَيُّها الشانِئُ المُبلِّغُ عَنّا
- عِندَ عَمرَوٍ وَهَل لِذاكَ اِنتهاءُ
مَلِكٌ مُقسِطٌ وَأَكمَلُ مَن يَم
- شي وَمِن دونَ ما لَدَيهِ الثَناءُ
إِرمي بِمثلِهِ جالَتِ الجِنُّ
- فَآبَت لِخَصمِها الأَجلاءُ
مَن لَنا عِندَهُ مِنَ الخَيرِ آيا
- تٌ ثَلاثٌ في كُلِّهِنَّ القَضاءُ
آيةٌ شارِقُ الشَقيقَةِ إِذ جا
- ءَوا جَميعاً لِكُلِّ حَيٍّ لِوَاءُ
حَولَ قَيسٍ مُستَلئِمِينَ بِكَبشٍ
- قَرَظِيٍّ كَأَنَّهُ عَبلاءُ
وَصَتيتٍ مِنَ العَواتِكِ ما تَن
- هاهُ إِلّا مُبيَضَّةٌ رَعلاءُ
فَجَبَهناهُمُ بِضَربٍ كَما يَخرُجُ
- مِن خُربَةِ المَزادِ الماءُ
وَحَمَلناهُمُ عَلى حَزمِ ثَهلا
- نِ شِلالاً وَدُمِّيَ الأَنساءُ
وَفَعَلنا بِهِم كَما عَلِمَ اللَ
- هُ وَما إِن لِلحائِنينَ دِماءُ
ثُمَّ حُجراً أَعني اِبنَ أُمِّ قَطَامٍ
- وَلَهُ فَارِسِيَّةٌ خَضراءُ
أَسَدٌ في اللِقاءَ وَردٌ هَموسٌ
- وَرَبيعٌ إِن شَنَّعَت غَبراءُ
فَرَدَدناهُم بِطَعنٍ كَما تُن
- هَزُ عَن جَمَّةِ الطَوِيِّ الدِلاءُ
وَفَكَكنا غُلَّ اِمرِئِ القَيسِ عَنهُ
- بَعدَ ما طالَ حَبسُهُ وَالعَناءُ
وَأَقَدناهُ رَبَّ غَسانَ بِالمُن
- ذِرِ كَرهاً إِذ لا تُكالُ الدَماءُ
وَفَدَيناهُمُ بِتِسعَةِ أَملا
- كٍ نَدَامى أَسلابُهُم أَغلاءُ
وَمَعَ الجَونِ جَونِ آَلِ بَني الأَو
- سِ عَنُودٌ كَأَنَّها دَفواءُ
ما جَزِعنا تَحتَ العَجاجَةِ إِذ وَ
- لَّت بِأَقفائِها وَحَرَّ الصِلاءُ
وَوَلَدنا عَمرو بِن أُمِّ أُناسٍ
- مِن قَريبٍ لَمّا أَتانا الحِباءُ
مِثلُها تُخرِجُ النَصيحةَ لِلقَو
- مِ فَلاةٌ مِن دونِها أَفلاءُ
قصيدة: يا دار مية بالعلياء فالسند
للشاعر النابغة الذبياني
يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ
- أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ
وَقَفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها
- عَيَّت جَواباً وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ
إِلّا الأَوارِيَّ لَأياً ما أُبَيِّنُها
- وَالنُؤيَ كَالحَوضِ بِالمَظلومَةِ الجَلَدِ
رَدَّت عَلَيهِ أَقاصيهِ وَلَبَّدَهُ
- ضَربُ الوَليدَةِ بِالمِسحاةِ في الثَأَدِ
خَلَّت سَبيلَ أَتِيٍّ كانَ يَحبِسُهُ
- وَرَفَّعَتهُ إِلى السَجفَينِ فَالنَضَدِ
أَمسَت خَلاءً وَأَمسى أَهلُها اِحتَمَلوا
- أَخنى عَلَيها الَّذي أَخنى عَلى لُبَدِ
فَعَدِّ عَمّا تَرى إِذ لا اِرتِجاعَ لَهُ
- وَاِنمِ القُتودَ عَلى عَيرانَةٍ أُجُدِ
مَقذوفَةٍ بِدَخيسِ النَحضِ بازِلُها
- لَهُ صَريفٌ صَريفُ القَعوِ بِالمَسَدِ
كَأَنَّ رَحلي وَقَد زالَ النَهارُ بِنا
- يَومَ الجَليلِ عَلى مُستَأنِسٍ وَحِدِ
مِن وَحشِ وَجرَةَ مَوشِيٍّ أَكارِعُهُ
- طاوي المُصَيرِ كَسَيفِ الصَيقَلِ الفَرَدِ
سَرَت عَلَيهِ مِنَ الجَوزاءِ سارِيَةٌ
- تُزجي الشَمالُ عَلَيهِ جامِدَ البَرَدِ
فَاِرتاعَ مِن صَوتِ كَلّابٍ فَباتَ لَهُ
- طَوعَ الشَوامِتِ مِن خَوفٍ وَمِن صَرَدِ
فَبَثَّهُنَّ عَلَيهِ وَاِستَمَرَّ بِهِ
- صُمعُ الكُعوبِ بَريئاتٌ مِنَ الحَرَدِ
وَكانَ ضُمرانُ مِنهُ حَيثُ يوزِعُهُ
- طَعنَ المُعارِكِ عِندَ المُحجَرِ النَجُدِ
شَكَّ الفَريصَةَ بِالمِدرى فَأَنقَذَها
- طَعنَ المُبَيطِرِ إِذ يَشفي مِنَ العَضَدِ
كَأَنَّهُ خارِجاً مِن جَنبِ صَفحَتِهِ
- سَفّودُ شَربٍ نَسوهُ عِندَ مُفتَأَدِ
فَظَلَّ يَعجُمُ أَعلى الرَوقِ مُنقَبِضاً
- في حالِكِ اللَونِ صَدقٍ غَيرِ ذي أَوَدِ
لَمّا رَأى واشِقٌ إِقعاصَ صاحِبِهِ
- وَلا سَبيلَ إِلى عَقلٍ وَلا قَوَدِ
قالَت لَهُ النَفسُ إِنّي لا أَرى طَمَعاً
- وَإِنَّ مَولاكَ لَم يَسلَم وَلَم يَصِدِ
فَتِلكَ تُبلِغُني النُعمانَ إِنَّ لَهُ
- فَضلاً عَلى الناسِ في الأَدنى وَفي البَعَدِ
وَلا أَرى فاعِلاً في الناسِ يُشبِهُهُ
- وَلا أُحاشي مِنَ الأَقوامِ مِن أَحَدِ
إِلّا سُلَيمانُ إِذ قالَ الإِلَهُ لَهُ
- قُم في البَرِيَّةِ فَاِحدُدها عَنِ الفَنَدِ
وَشَيِّسِ الجِنَّ إِنّي قَد أَذِنتُ لَهُم
- يَبنونَ تَدمُرَ بِالصُفّاحِ وَالعَمَدِ
فَمَن أَطاعَكَ فَاِنفَعهُ بِطاعَتِهِ
- كَما أَطاعَكَ وَاِدلُلهُ عَلى الرَشَدِ
وَمَن عَصاكَ فَعاقِبهُ مُعاقَبَةً
- تَنهى الظَلومَ وَلا تَقعُد عَلى ضَمَدِ
إِلّا لِمِثلِكَ أَو مَن أَنتَ سابِقُهُ
- سَبقَ الجَوادَ إِذا اِستَولى عَلى الأَمَدِ
أَعطى لِفارِهَةٍ حُلوٍ تَوابِعُها
- مِنَ المَواهِبِ لا تُعطى عَلى نَكَدِ
الواهِبُ المِئَةَ المَعكاءَ زَيَّنَها
- سَعدانُ توضِحَ في أَوبارِها اللِبَدِ
وَالأُدمَ قَد خُيِّسَت فُتلاً مَرافِقُها
- مَشدودَةً بِرِحالِ الحيرَةِ الجُدُدِ
وَالراكِضاتِ ذُيولَ الرَيطِ فانَقَها
- بَردُ الهَواجِرِ كَالغِزلانِ بِالجَرَدِ
وَالخَيلَ تَمزَعُ غَرباً في أَعِنَّتِها
- كَالطَيرِ تَنجو مِنَ الشُؤبوبِ ذي البَرَدِ
اِحكُم كَحُكمِ فَتاةِ الحَيِّ إِذ نَظَرَت
- إِلى حَمامِ شِراعٍ وارِدِ الثَمَدِ
يَحُفُّهُ جانِبا نيقٍ وَتُتبِعُهُ
- مِثلَ الزُجاجَةِ لَم تُكحَل مِنَ الرَمَدِ
قالَت أَلا لَيتَما هَذا الحَمامُ لَنا
- إِلى حَمامَتِنا وَنِصفُهُ فَقَدِ
فَحَسَّبوهُ فَأَلفَوهُ كَما حَسَبَت
- تِسعاً وَتِسعينَ لَم تَنقُص وَلَم تَزِدِ
فَكَمَّلَت مِئَةً فيها حَمامَتُها
- وَأَسرَعَت حِسبَةً في ذَلِكَ العَدَدِ
فَلا لَعَمرُ الَّذي مَسَّحتُ كَعبَتَهُ
- وَما هُريقَ عَلى الأَنصابِ مِن جَسَدِ
وَالمُؤمِنِ العائِذاتِ الطَيرِ تَمسَحُها
- رُكبانُ مَكَّةَ بَينَ الغَيلِ وَالسَعَدِ
ما قُلتُ مِن سَيِّئٍ مِمّا أَتَيتَ بِهِ
- إِذاً فَلا رَفَعَت سَوطي إِلَيَّ يَدي
إِلّا مَقالَةَ أَقوامٍ شَقيتُ بِها
- كانَت مَقالَتُهُم قَرعاً عَلى الكَبِدِ
إِذاً فَعاقَبَني رَبّي مُعاقَبَةً
- قَرَّت بِها عَينُ مَن يَأتيكَ بِالفَنَدِ
أُنبِئتُ أَنَّ أَبا قابوسَ أَوعَدَني
- وَلا قَرارَ عَلى زَأرٍ مِنَ الأَسَدِ
مَهلاً فِداءٌ لَكَ الأَقوامُ كُلُّهُمُ
- وَما أُثَمَّرُ مِن مالٍ وَمِن وَلَدِ
لا تَقذِفَنّي بِرُكنٍ لا كِفاءَ لَهُ
- وَإِن تَأَثَّفَكَ الأَعداءُ بِالرِفَدِ
فَما الفُراتُ إِذا هَبَّ الرِياحُ لَهُ
- تَرمي أَواذِيُّهُ العِبرَينِ بِالزَبَدِ
يَمُدُّهُ كُلُّ وادٍ مُترَعٍ لَجِبٍ
- فيهِ رِكامٌ مِنَ اليَنبوتِ وَالخَضَدِ
يَظَلُ مِن خَوفِهِ المَلّاحُ مُعتَصِماً
- بِالخَيزُرانَةِ بَعدَ الأَينِ وَالنَجَدِ
يَوماً بِأَجوَدَ مِنهُ سَيبَ نافِلَةٍ
- وَلا يَحولُ عَطاءُ اليَومِ دونَ غَدِ
هَذا الثَناءُ فَإِن تَسمَع بِهِ حَسَناً
- فَلَم أُعَرِّض أَبَيتَ اللَعنَ بِالصَفَدِ
ها إِنَّ ذي عِذرَةٌ إِلّا تَكُن نَفَعَت
- فَإِنَّ صاحِبَها مُشارِكُ النَكَدِ
قصيدة: أقفر من أهله ملحوب
للشاعر عبيد بن الأبرص
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ
- فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ
فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ
- فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ
فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ
- لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ
إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشاً
- وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ
أَرضٌ تَوارَثُها شُعوبُ
- وَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ
إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِكاً
- وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ
عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ
- كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ
واهِيَةٌ أَو مَعينٌ مُمعِنٌ
- أَو هَضبَةٌ دونَها لُهوبُ
أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ
- لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ
أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ
- لِلماءِ مِن تَحتِهِ قَسيبُ
تَصبو فَأَنّى لَكَ التَصابي
- أَنّى وَقَد راعَكَ المَشيبُ
إِن تَكُ حالَت وَحُوِّلَ أَهلُها
- فَلا بَديءٌ وَلا عَجيبُ
أَو يَكُ أَقفَرَ مِنها جَوُّها
- وَعادَها المَحلُ وَالجُدوبُ
فَكُلُّ ذي نِعمَةٍ مَخلوسٌ
- وَكُلُّ ذي أَمَلٍ مَكذوبُ
وَكُلُّ ذي إِبِلٍ مَوروثٌ
- وَكُلُّ ذي سَلَبٍ مَسلوبُ
وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ
- وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ
أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ
- أَم غَنِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ
أَفلِح بِما شِئتَ فَقَد يُبلَغُ بِال
- ضَعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَريبُ
لا يَعِظُ الناسُ مَن لَم يَعِظِ ال
- دَهرُ وَلا يَنفَعُ التَلبيبُ
إِلّا سَجِيّاتِ ما القُلوبِ
- وَكَم يَصيرَنَّ شانِئاً حَبيبُ
ساعِد بِأَرضٍ إِذا كُنتَ بِها
- وَلا تَقُل إِنَّني غَريبُ
قَد يوصَلُ النازِحُ النائي وَقَد
- يُقطَعُ ذو السُهمَةِ القَريبُ
مَن يَسَلِ الناسَ يَحرِموهُ
- وَسائِلُ اللَهِ لا يَخيبُ
وَالمَرءُ ما عاشَ في تَكذيبٍ
- طولُ الحَياةِ لَهُ تَعذيبُ
بَل رُبَّ ماءٍ وَرَدتُ آجِنٍ
- سَبيلُهُ خائِفٌ جَديبُ
ريشُ الحَمامِ عَلى أَرجائِهِ
- لِلقَلبِ مِن خَوفِهِ وَجيبُ
قَطَعتُهُ غُدوَةً مُشيحاً
- وَصاحِبي بادِنٌ خَبوبُ
عَيرانَةٌ مُؤجَدٌ فَقارُها
- كَأَنَّ حارِكَها كَثيبُ
أَخلَفَ ما بازِلاً سَديسُها
- لا حِقَّةٌ هِي وَلا نَيوبُ
كَأَنَّها مِن حَميرِ غابٍ
- جَونٌ بِصَفحَتِهِ نُدوبُ
أَو شَبَبٌ يَحفِرُ الرُخامى
- تَلُفُّهُ شَمأَلٌ هُبوبُ
فَذاكَ عَصرٌ وَقَد أَراني
- تَحمِلُني نَهدَةٌ سُرحوبُ
مُضَبَّرٌ خَلقُها تَضبيراً
- يَنشَقُّ عَن وَجهِها السَبيبُ
زَيتِيَّةٌ ناعِمٌ عُروقُها
- وَلَيِّنٌ أَسرُها رَطيبُ
كَأَنَّها لِقوَةٌ طَلوبُ
- تُخزَنُ في وَكرِها القُلوبُ
باتَت عَلى إِرَمٍ عَذوباً
- كَأَنَّها شَيخَةٌ رَقوبُ
فَأَصبَحَت في غَداةِ قِرَّةٍ
- يَسقُطُ عَن ريشِها الضَريبُ
فَأَبصَرَت ثَعلَباً مِن ساعَةٍ
- وَدونَهُ سَبسَبٌ جَديبُ
فَنَفَضَت ريشَها وَاِنتَفَضَت
- وَهيَ مِن نَهضَةٍ قَريبُ
يَدِبُّ مِن حِسِّها دَبيباً
- وَالعَينُ حِملاقُها مَقلوبُ
فَنَهَضَت نَحوَهُ حَثيثَةً
- وَحَرَدَت حَردَةً تَسيبُ
فَاِشتالَ وَاِرتاعَ مِن حَسيسِها
- وَفِعلَهُ يَفعَلُ المَذؤوبُ
فَأَدرَكَتهُ فَطَرَّحَتهُ
- وَالصَيدُ مِن تَحتِها مَكروبُ
فَجَدَّلَتهُ فَطَرَّحَتهُ
- فَكَدَّحَت وَجهَهُ الجَبوبُ
يَضغو وَمِخلَبُها في دَفِّهِ
- لا بُدَّ حَيزومُهُ مَنقوبُ
قصيدة: ودع هريرة إن الركب مرتحل
للشاعر الأعشى
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
- وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
- تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها
- مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت
- كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها
- وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها
- إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ
إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت
- وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ
- إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ
صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا
- جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ
أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ
- رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ
نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها
- لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ
هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها
- كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ
إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً
- وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ
ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ
- خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ
يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ
- مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ
يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ
- وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
- غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
- مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
- فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
- ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها
- وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ
يا مَن يَرى عارِضاً قَد بِتُّ أَرقُبُهُ
- كَأَنَّما البَرقُ في حافاتِهِ الشُعَلُ
لَهُ رِدافٌ وَجَوزٌ مُفأَمٌ عَمِلٌ
- مُنَطَّقٌ بِسِجالِ الماءِ مُتَّصِلُ
لَم يُلهِني اللَهوُ عَنهُ حينَ أَرقُبُهُ
- وَلا اللَذاذَةُ مِن كَأسٍ وَلا الكَسَلُ
فَقُلتُ لِلشَربِ في دُرنى وَقَد ثَمِلوا
- شيموا وَكَيفَ يَشيمُ الشارِبُ الثَمِلُ
بَرقاً يُضيءُ عَلى أَجزاعِ مَسقِطِهِ
- وَبِالخَبِيَّةِ مِنهُ عارِضٌ هَطِلُ
قالوا نِمارٌ فَبَطنُ الخالِ جادَهُما
- فَالعَسجَدِيَّةُ فَالأَبلاءُ فَالرِجَلُ
فَالسَفحُ يَجري فَخِنزيرٌ فَبُرقَتُهُ
- حَتّى تَدافَعَ مِنهُ الرَبوُ فَالجَبَلُ
حَتّى تَحَمَّلَ مِنهُ الماءَ تَكلِفَةً
- رَوضُ القَطا فَكَثيبُ الغَينَةِ السَهِلُ
يَسقي دِياراً لَها قَد أَصبَحَت عُزُباً
- زوراً تَجانَفَ عَنها القَودُ وَالرَسَلُ
وَبَلدَةً مِثلِ ظَهرِ التُرسِ موحِشَةٍ
- لِلجِنِّ بِاللَيلِ في حافاتِها زَجَلُ
لا يَتَنَمّى لَها بِالقَيظِ يَركَبُها
- إِلّا الَّذينَ لَهُم فيما أَتَوا مَهَلُ
جاوَزتُها بِطَليحٍ جَسرَةٍ سُرُحٍ
- في مِرفَقَيها إِذا اِستَعرَضتَها فَتَلُ
إِمّا تَرَينا حُفاةً لا نِعالَ لَنا
- إِنّا كَذَلِكَ ما نَحفى وَنَنتَعِلُ
فَقَد أُخالِسُ رَبَّ البَيتِ غَفلَتَهُ
- وَقَد يُحاذِرُ مِنّي ثُمَّ ما يَئلُ
وَقَد أَقودُ الصَبى يَوماً فَيَتبَعُني
- وَقَد يُصاحِبُني ذو الشِرَّةِ الغَزِلُ
وَقَد غَدَوتُ إِلى الحانوتِ يَتبَعُني
- شاوٍ مِشَلٌّ شَلولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ
في فِتيَةٍ كَسُيوفِ الهِندِ قَد عَلِموا
- أَن لَيسَ يَدفَعُ عَن ذي الحيلَةِ الحِيَلُ
نازَعتُهُم قُضُبَ الرَيحانِ مُتَّكِئاً
- وَقَهوَةً مُزَّةٌ راوُوقُها خَضِلُ
لا يَستَفيقونَ مِنها وَهيَ راهَنَةٌ
- إِلّا بِهاتِ وَإِن عَلَّوا وَإِن نَهِلوا
يَسعى بِها ذو زُجاجاتٍ لَهُ نُطَفٌ
- مُقَلِّصٌ أَسفَلَ السِربالِ مُعتَمِلُ
وَمُستَجيبٍ تَخالُ الصَنجَ يَسمَعُهُ
- إِذا تُرَجِّعُ فيهِ القَينَةُ الفُضُلُ
مِن كُلِّ ذَلِكَ يَومٌ قَد لَهَوتُ بِهِ
- وَفي التَجارِبِ طولُ اللَهوِ وَالغَزَلُ
وَالساحِباتُ ذُيولَ الخَزِّ آوِنَةً
- وَالرافِلاتُ عَلى أَعجازِها العِجَلُ
أَبلِغ يَزيدَ بَني شَيبانَ مَألُكَةً
- أَبا ثُبيتٍ أَما تَنفَكُّ تَأتَكِلُ
أَلَستَ مُنتَهِياً عَن نَحتِ أَثلَتِنا
- وَلَستَ ضائِرَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ
تُغري بِنا رَهطَ مَسعودٍ وَإِخوَتِهِ
- عِندَ اللِقاءِ فَتُردي ثُمَّ تَعتَزِلُ
لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّ النَفيرُ بِنا
- وَشُبَّتِ الحَربُ بِالطُوّافِ وَاِحتَمَلوا
كَناطِحٍ صَخرَةً يَوماً لِيَفلِقَها
- فَلَم يَضِرها وَأَوهى قَرنَهُ الوَعِلُ
لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّت عَداوَتُنا
- وَاِلتُمِسَ النَصرُ مِنكُم عوضُ تُحتَمَلُ
تُلزِمُ أَرماحَ ذي الجَدَّينِ سَورَتَنا
- عِندَ اللِقاءِ فَتُرديهِم وَتَعتَزِلُ
لا تَقعُدَنَّ وَقَد أَكَّلتَها حَطَباً
- تَعوذُ مِن شَرِّها يَوماً وَتَبتَهِلُ
قَد كانَ في أَهلِ كَهفٍ إِن هُمُ قَعَدوا
- وَالجاشِرِيَّةِ مَن يَسعى وَيَنتَضِلُ
سائِل بَني أَسَدٍ عَنّا فَقَد عَلِموا
- أَن سَوفَ يَأتيكَ مِن أَنبائِنا شَكَلُ
وَاِسأَل قُشَيراً وَعَبدَ اللَهِ كُلُّهُمُ
- وَاِسأَل رَبيعَةَ عَنّا كَيفَ نَفتَعِلُ
إِنّا نُقاتِلُهُم ثُمَّتَ نَقتُلُهُم
- عِندَ اللِقاءِ وَهُم جاروا وَهُم جَهِلوا
كَلّا زَعَمتُم بِأَنّا لا نُقاتِلُكُم
- إِنّا لِأَمثالِكُم يا قَومَنا قُتُلُ
حَتّى يَظَلَّ عَميدُ القَومِ مُتَّكِئاً
- يَدفَعُ بِالراحِ عَنهُ نِسوَةٌ عُجُلُ
أَصابَهُ هِندُوانِيٌّ فَأَقصَدَهُ
- أَو ذابِلٌ مِن رِماحِ الخَطِّ مُعتَدِلُ
قَد نَطعَنُ العيرَ في مَكنونِ فائِلِهِ
- وَقَد يَشيطُ عَلى أَرماحِنا البَطَلُ
هَل تَنتَهونَ وَلا يَنهى ذَوي شَطَطٍ
- كَالطَعنِ يَذهَبُ فيهِ الزَيتُ وَالفُتُلُ
إِنّي لَعَمرُ الَّذي خَطَّت مَناسِمُها
- لَهُ وَسيقَ إِلَيهِ الباقِرُ الغُيُلُ
لَئِن قَتَلتُم عَميداً لَم يَكُن صَدَداً
- لَنَقتُلَن مِثلَهُ مِنكُم فَنَمتَثِلُ
لَئِن مُنيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعرَكَةٍ
- لَم تُلفِنا مِن دِماءِ القَومِ نَنتَفِلُ
نَحنُ الفَوارِسُ يَومَ الحِنوِ ضاحِيَةً
- جَنبي فُطَيمَةَ لا ميلٌ وَلا عُزُلُ
قالوا الرُكوبَ فَقُلنا تِلكَ عادَتُنا
- أَو تَنزِلونَ فَإِنّا مَعشَرٌ نُزُلُ
قصيدة: عفت الديار محلها فمقامها
للشاعر لبيد بن ربيعة
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
- بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها
- خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعدَ عَهدِ أَنيسِها
- حِجَجٌ خَلَونَ حَلالُها وَحَرامُها
رُزِقَت مَرابيعَ النُجومِ وَصابَها
- وَدقُ الرَواعِدِ جَودُها فَرِهامُها
مِن كُلِّ سارِيَةٍ وَغادٍ مُدجِنٍ
- وَعَشيَّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرزامُها
فَعَلا فُروعُ الأَيهُقانِ وَأَطفَلَت
- بِالجَهلَتَينِ ظِبائُها وَنَعامُها
وَالعَينُ ساكِنَةٌ عَلى أَطلائِها
- عوذاً تَأَجَّلُ بِالفَضاءِ بِهامُها
وَجَلا السُيولُ عَنِ الطُلولِ كَأَنَّها
- زُبُرٌ تُجِدُّ مُتونَها أَقلامُها
أَو رَجعُ واشِمَةٍ أُسِفَّ نُؤورُها
- كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوقَهِنَّ وِشامُها
فَوَقَفتُ أَسأَلُها وَكَيفَ سُؤالُنا
- صُمّاً خَوالِدَ ما يُبينُ كَلامُها
عَرِيَت وَكانَ بِها الجَميعُ فَأَبكَروا
- مِنها وَغودِرَ نُؤيُها وَثُمامُها
شاقَتكَ ظُعنُ الحَيِّ حينَ تَحَمَّلوا
- فَتَكَنَّسوا قُطُناً تَصِرُّ خِيامُها
مِن كُلِّ مَحفوفٍ يُظِلُّ عَصِيَّهُ
- زَوجٌ عَلَيهِ كِلَّةٌ وَقِرامُها
زُجَلاً كَأَنَّ نِعاجَ توضِحَ فَوقَها
- وَظِباءَ وَجرَةَ عُطَّفاً آرامُها
حُفِزَت وَزايَلَها السَرابُ كَأَنَّها
- أَجزاعُ بيشَةَ أَثلُها وَرُضامُها
بَل ما تَذَكَّرُ مِن نَوارَ وَقَد نَأَت
- وَتَقَطَّعَت أَسبابُها وَرِمامُها
مُرِّيَّةٌ حَلَّت بِفَيدِ وَجاوَرَت
- أَهلَ الحِجازِ فَأَينَ مِنكَ مَرامُها
بِمَشارِقِ الجَبَلَينِ أَو بِمُحَجَّرٍ
- فَتَضَمَّنَتها فَردَةٌ فَرُخامُها
فَصُوائِقٌ إِن أَيمَنَت فَمَظِنَّةٌ
- فيها وِحافُ القَهرِ أَو طِلخامُها
فَاِقطَع لُبانَةَ مَن تَعَرَّضَ وَصلُهُ
- وَلَشَرُّ واصِلِ خُلَّةٍ صَرّامُها
وَاِحبُ المُجامِلَ بِالجَزيلِ وَصَرمُهُ
- باقٍ إِذا ضَلَعَت وَزاغَ قِوامُها
بِطَليحِ أَسفارٍ تَرَكنَ بَقِيَّةً
- مِنها فَأَحنَقَ صُلبُها وَسَنامُها
وَإِذا تَغالى لَحمُها وَتَحَسَّرَت
- وَتَقَطَّعَت بَعدَ الكَلالِ خِدامُها
فَلَها هِبابٌ في الزِمامِ كَأَنَّها
- صَهباءُ خَفَّ مَعَ الجَنوبِ جَهامُها
أَو مُلمِعٌ وَسَقَت لِأَحقَبَ لاحَهُ
- طَردُ الفُحولِ وَضَربُها وَكِدامُها
يَعلو بِها حُدبَ الإِكامِ مُسَحَّجٌ
- قَد رابَهُ عِصيانُها وَوِحامُها
بِأَحِزَّةِ الثَلَبوتِ يَربَأُ فَوقَها
- قَفرَ المَراقِبِ خَوفُها آرامُها
حَتّى إِذا سَلَخا جُمادى سِتَّةً
- جَزءً فَطالَ صِيامُهُ وَصِيامُها
رَجَعا بِأَمرِهِما إِلى ذي مِرَّةٍ
- حَصِدٍ وَنُجحُ صَريمَةٍ إِبرامُها
وَرَمى دَوابِرَها السَفا وَتَهَيَّجَت
- ريحُ المَصايِفِ سَومُها وَسِهامُها
فَتَنازَعا سَبِطاً يَطيرُ ظِلالُهُ
- كَدُخانِ مُشعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرامُها
مَشمولَةٍ غُلِثَت بِنابِتِ عَرفَجٍ
- كَدُخانِ نارٍ ساطِعٍ أَسنامُها
فَمَضى وَقَدَّمَها وَكانَت عادَةً
- مِنهُ إِذا هِيَ عَرَّدَت إِقدامُها
فَتَوَسَّطا عُرضَ السَرِيِّ وَصَدَّعا
- مَسجورَةً مُتَجاوِراً قُلّامُها
مَحفوفَةً وَسطَ اليَراعِ يُظِلُّها
- مِنهُ مُصَرَّعُ غابَةٍ وَقِيامُها
أَفَتِلكَ أَم وَحشِيَّةٌ مَسبوعَةٌ
- خَذَلَت وَهادِيَةُ الصِوارِ قِوامُها
خَنساءُ ضَيَّعَتِ الفَريرَ فَلَم يَرِم
- عُرضَ الشَقائِقِ طَوفُها وَبُغامُها
لِمُعَفَّرٍ قَهدٍ تَنازَعَ شِلوَهُ
- غُبسٌ كَواسِبُ لا يُمَنُّ طَعامُها
صادَفنَ مِنها غِرَّةً فَأَصَبنَها
- إِنَّ المَنايا لا تَطيشُ سِهامُها
باتَت وَأَسبَلَ واكِفٌ مِن ديمَةٍ
- يُروي الخَمائِلَ دائِماً تَسجامُها
يَعلو طَريقَةَ مَتنِها مُتَواتِرٌ
- في لَيلَةٍ كَفَرَ النُجومَ غَمامُها
تَجتافُ أَصلاً قالِصاً مُتَنَبِّذاً
- بِعُجوبِ أَنقاءٍ يَميلُ هُيامُها
وَتُضيءُ في وَجهِ الظَلامُ مُنيرَةً
- كَجُمانَةِ البَحرِيِّ سُلَّ نِظامُها
حَتّى إِذا اِنحَسَرَ الظَلامُ وَأَسفَرَت
- بَكَرَت تَزُلُّ عَنِ الثَرى أَزلامُها
عَلِهَت تَرَدَّدُ في نِهاءِ صَعائِدٍ
- سَبعاً تُؤاماً كامِلاً أَيّامُها
حَتّى إِذا يَئِسَت وَأَسحَقَ حالِقٌ
- لَم يُبلِهِ إِرضاعُها وَفِطامُها
وَتَوَجَّسَت رِزَّ الأَنيسِ فَراعَها
- عَن ظَهرِ غَيبٍ وَالأَنيسُ سَقامُها
فَغَدَت كِلا الفَرجَينِ تَحسَبُ أَنَّهُ
- مَولى المَخافَةِ خَلفُها وَأَمامُها
حَتّى إِذا يَئِسَ الرُماةُ وَأَرسَلوا
- غُضفاً دَواجِنَ قافِلاً أَعصامُها
فَلَحِقنَ وَاِعتَكَرَت لَها مَدرِيَّةٌ
- كَالسَمهَرِيَّةِ حَدُّها وَتَمامُها
لِتَذودَهُنَّ وَأَيقَنَت إِن لَم تَذُد
- أَن قَد أَحَمَّ مَعَ الحُتوفِ حِمامُها
فَتَقَصَّدَت مِنها كَسابِ فَضُرِّجَت
- بِدَمٍ وَغودِرَ في المَكَرِّ سُخامُها
فَبِتِلكَ إِذ رَقَصَ اللَوامِعُ بِالضُحى
- وَاِجتابَ أَردِيَةَ السَرابِ إِكامُها
أَقضي اللُبانَةَ لا أُفَرِّطُ ريبَةً
- أَو أَن يَلومَ بِحاجَةٍ لُوّامُها
أَوَلَم تَكُن تَدري نَوارُ بِأَنَّني
- وَصّالُ عَقدِ حَبائِلٍ جَذّامُها
تَرّاكُ أَمكِنَةٍ إِذا لَم أَرضَها
- أَو يَعتَلِق بَعضَ النُفوسِ حِمامُها
بَل أَنتِ لا تَدرينَ كَم مِن لَيلَةٍ
- طَلقٍ لَذيذٍ لَهوُها وَنِدامُها
قَد بِتُّ سامِرَها وَغايَةُ تاجِرٍ
- وافَيتُ إِذ رُفِعَت وَعَزَّ مُدامُها
أُغلي السِباءَ بِكُلِّ أَدكَنَ عاتِقٍ
- أَو جَونَةٍ قُدِحَت وَفُضَّ خِتامُها
وَصَبوحِ صافِيَةٍ وَجَذبِ كَرينَةٍ
- بِمُوَتَّرٍ تَأتالُهُ إِبهامُها
بادَرتُ حاجَتَها الدَجاجَ بِسُحرَةٍ
- لِأُعَلَّ مِنها حينَ هَبَّ نِيامُها
وَغَداةِ ريحٍ قَد وَزَعتُ وَقَرَّةٍ
- إِذ أَصبَحَت بِيَدِ الشَمالِ زِمامُها
وَلَقَد حَمَيتُ الحَيَّ تَحمُلُ شِكَّتي
- فُرُطٌ وَشاحِيَ إِذ غَدَوتُ لِجامُها
فَعَلَوتُ مُرتَقِباً عَلى ذي هَبوَةٍ
- حَرِجٍ إِلى أَعلامِهِنَّ قَتامُها
حَتّى إِذا أَلقَت يَداً في كافِرٍ
- وَأَجَنَّ عَوراتِ الثُغورِ ظَلامُها
أَسهَلتُ وَاِنتَصَبَت كَجَذعِ مُنيفَةٍ
- جَرداءَ يَحصَرُ دونَها جُرّامُها
رَفَّعتُها طَرَدَ النِعامِ وَشَلَّهُ
- حَتّى إِذا سَخِنَت وَخَفَّ عِظامُها
قَلِقَت رِحالَتُها وَأَسبَلَ نَحرُها
- وَاِبتَلَّ مِن زَبَدِ الحَميمِ حِزامُها
تَرقى وَتَطعَنُ في العِنانِ وَتَنتَحي
- وِردَ الحَمامَةِ إِذ أَجَدَّ حَمامُها
وَكَثيرَةٍ غُرَبائُها مَجهولَةٍ
- تُرجى نَوافِلُها وَيُخشى ذامُها
غُلبٌ تَشَذَّرُ بِالذُحولِ كَأَنَّها
- جِنُّ البَدِيِّ رَواسِياً أَقدامُها
أَنكَرتُ باطِلَها وَبُؤتُ بِحَقِّها
- عِندي وَلَم يَفخَر عَلَيَّ كِرامُها
وَجَزورِ أَيسارٍ دَعَوتُ لِحَتفِها
- بِمَغالِقٍ مُتَشابِهٍ أَجسامُها
أَدعو بِهِنَّ لِعاقِرٍ أَو مُطفِلٍ
- بُذِلَت لِجِيرانِ الجَميعِ لِحامُها
فَالضَيفُ وَالجارُ الجَنيبُ كَأَنَّما
- هَبَطا تَبالَةَ مُخصِباً أَهضامُها
تَأوي إِلى الأَطنابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ
- مِثلُ البَلِيَّةِ قالِصٌ أَهدامُها
وَيُكَلِّلونَ إِذا الرِياحُ تَناوَحَت
- خُلُجاً تُمَدُّ شَوارِعاً أَيتامُها
إِنّا إِذا اِلتَقَتِ المَجامِعُ لَم يَزَل
- مِنّا لِزازُ عَظيمَةٍ جَشّامُها
وَمُقَسِّمٌ يُعطي العَشيرَةَ حَقَّها
- وَمُغَذمِرٌ لِحُقوقِها هَضّامُها
فَضلاً وَذو كَرَمٍ يُعينُ عَلى النَدى
- سَمحٌ كَسوبُ رَغائِبٍ غَنّامُها
مِن مَعشَرٍ سَنَّت لَهُم آبائُهُم
- وَلِكُلِّ قَومٍ سُنَّةٌ وَإِمامُها
لا يَطبَعونَ وَلا يَبورُ فَعالُهُم
- إِذ لا يَميلُ مَعَ الهَوى أَحلامُها
فَاِقنَع بِما قَسَمَ المَليكُ فَإِنَّما
- قَسَمَ الخَلائِقَ بَينَنا عَلّامُها
وَإِذا الأَمانَةُ قُسِّمَت في مَعشَرٍ
- أَوفى بِأَوفَرِ حَظِّنا قَسّامُها
فَبَنى لَنا بَيتاً رَفيعاً سَمكُهُ
- فَسَما إِلَيهِ كَهلُها وَغُلامُها
وَهُمُ السُعاةُ إِذا العَشيرَةُ أَفظِعَت
- وَهُمُ فَوارِسُها وَهُم حُكّامُها
وَهُمُ رَبيعٌ لِلمُجاوِرِ فيهُمُ
- وَالمُرمِلاتِ إِذا تَطاوَلَ عامُها
وَهُمُ العَشيرَةُ أَن يُبَطِّئَ حاسِدٌ
- أَو أَن يَميلَ مَعَ العَدُوِّ لِئامُها
قصيدة: لخولة أطلال ببرقة ثهمد
للشاعر طرفة بن العبد
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
- تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً
- خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ
- يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بِها
- كَما قَسَمَ التُربَ المُفايِلُ بِاليَدِ
وَفي الحَيِّ أَحوى يَنفُضُ المَردَ شادِنٌ
- مُظاهِرُ سِمطَي لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ
خَذولٌ تُراعي رَبرَباً بِخَميلَةٍ
- تَناوَلُ أَطرافَ البَريرِ وَتَرتَدي
وَتَبسِمُ عَن أَلمى كَأَنَّ مُنَوِّراً
- تَخَلَّلَ حُرَّ الرَملِ دِعصٌ لَهُ نَدي
سَقَتهُ إِياةُ الشَمسِ إِلّا لِثاتِهِ
- أُسِفَّ وَلَم تَكدِم عَلَيهِ بِإِثمِدِ
وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها
- عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ لَم يَتَخَدَّدِ
وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ
- بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي
أَمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نَصَأتُها
- عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ
جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها
- سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ
تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتبَعَت
- وَظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ
تَرَبَّعَتِ القُفَّينِ في الشَولِ تَرتَعي
- حَدائِقَ مَوليِّ الأَسِرَّةِ أَغيَدِ
تَريعُ إِلى صَوتِ المُهيبِ وَتَتَّقي
- بِذي خُصَلٍ رَوعاتِ أَكلَفَ مُلبِدِ
كَأَنَّ جَناحَي مَضرَحيٍّ تَكَنَّفا
- حِفافَيهِ شُكّا في العَسيبِ بِمَسرَدِ
فَطَوراً بِهِ خَلفَ الزَميلِ وَتارَةً
- عَلى حَشَفٍ كَالشَنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ
لَها فَخِذانِ أُكمِلَ النَحضُ فيهِما
- كَأَنَّهُما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ
وَطَيُّ مَحالٍ كَالحَنيِّ خُلوفُهُ
- وَأَجرِنَةٌ لُزَّت بِدَأيٍ مُنَضَّدِ
كَأَنَّ كِناسَي ضالَةٍ يُكنِفانِها
- وَأَطرَ قِسيٍّ تَحتَ صُلبٍ مُؤَيَّدِ
لَها مِرفَقانِ أَفتَلانِ كَأَنَّها
- تَمُرُّ بِسَلمَي دالِجٍ مُتَشَدَّدِ
كَقَنطَرَةِ الروميِّ أَقسَمَ رَبُّها
- لَتُكتَنَفَن حَتّى تُشادَ بِقَرمَدِ
صُهابيَّةُ العُثنونِ موجَدَةُ القَرا
- بَعيدَةُ وَخدِ الرِجلِ مَوّارَةُ اليَدِ
أُمِرَّت يَداها فَتلَ شَزرٍ وَأُجنِحَت
- لَها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ
جُنوحٌ دِفاقٌ عَندَلٌ ثُمَّ أُفرِعَت
- لَها كَتِفاها في مُعالىً مُصَعَّدِ
كَأَنَّ عُلوبَ النِسعِ في دَأَياتِها
- مَوارِدُ مِن خَلقاءَ في ظَهرِ قَردَدِ
تَلاقى وَأَحياناً تَبينُ كَأَنَّها
- بَنائِقُ غُرٌّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ
وَأَتلَعُ نَهّاضٌ إِذا صَعَّدَت بِهِ
- كَسُكّانِ بوصيٍّ بِدِجلَةَ مُصعِدِ
وَجُمجُمَةٌ مِثلُ العَلاةِ كَأَنَّما
- وَعى المُلتَقى مِنها إِلى حَرفِ مِبرَدِ
وَخَدٌّ كَقِرطاسِ الشَآمي وَمِشفَرٌ
- كَسِبتِ اليَماني قَدُّهُ لَم يُجَرَّدِ
وَعَينانِ كَالماوَيَّتَينِ اِستَكَنَّتا
- بِكَهفَي حِجاجَي صَخرَةٍ قَلتِ مَورِدِ
طَحورانِ عُوّارَ القَذى فَتَراهُما
- كَمَكحولَتَي مَذعورَةٍ أُمِّ فَرقَدِ
وَصادِقَتا سَمعِ التَوَجُّسِ لِلسُرى
- لِهَجسٍ خَفِيٍّ أَو لِصَوتٍ مُنَدَّدِ
مُؤَلَّلَتانِ تَعرِفُ العِتقَ فيهِما
- كَسامِعَتَي شاةٍ بِحَومَلَ مُفرَدِ
وَأَروَعُ نَبّاضٌ أَحَذُّ مُلَملَمٌ
- كَمِرداةِ صَخرٍ في صَفيحٍ مُصَمَّدِ
وَأَعلَمُ مَخروتٌ مِنَ الأَنفِ مارِنٌ
- عَتيقٌ مَتى تَرجُم بِهِ الأَرضَ تَزدَدِ
وَإِن شِئتُ لَم تُرقِل وَإِن شِئتُ أَرقَلَت
- مَخافَةَ مَلويٍّ مِنَ القَدِّ مُحصَدِ
وَإِن شِئتُ سامى واسِطَ الكورِ رَأسُها
- وَعامَت بِضَبعَيها نَجاءَ الخَفَيدَدِ
عَلى مِثلِها أَمضي إِذا قالَ صاحِبي
- أَلا لَيتَني أَفديكَ مِنها وَأَفتَدي
وَجاشَت إِلَيهِ النَفسُ خَوفاً وَخالَهُ
- مُصاباً وَلَو أَمسى عَلى غَيرِ مَرصَدِ
إِذا القَومُ قالوا مَن فَتىً خِلتُ أَنَّني
- عُنيتُ فَلَم أَكسَل وَلَم أَتَبَلَّدِ
أَحَلتُ عَلَيها بِالقَطيعِ فَأَجذَمَت
- وَقَد خَبَّ آلُ الأَمعَزِ المُتَوَقِّدِ
فَذالَت كَما ذالَت وَليدَةُ مَجلِسٍ
- تُري رَبَّها أَذيالَ سَحلٍ مُمَدَّدِ
وَلَستُ بِحَلّالِ التِلاعِ مَخافَةً
- وَلَكِن مَتى يَستَرفِدِ القَومُ أَرفِدِ
فَإِن تَبغِني في حَلقَةِ القَومِ تَلقَني
- وَإِن تَقتَنِصني في الحَوانيتِ تَصطَدِ
مَتى تَأتِني أُصبِحكَ كَأساً رَويَّةً
- وَإِن كُنتَ عَنها ذا غِنىً فَاِغنَ وَاِزدَدِ
وَإِن يَلتَقِ الحَيُّ الجَميعُ تُلاقِني
- إِلى ذِروَةِ البَيتِ الرَفيعِ المُصَمَّدِ
نَدامايَ بيضٌ كَالنُجومِ وَقَينَةٌ
- تَروحُ عَلَينا بَينَ بُردٍ وَمَجسَدِ
رَحيبٌ قِطابُ الجَيبِ مِنها رَقيقَةٌ
- بِجَسِّ النَدامى بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ
إِذا نَحنُ قُلنا أَسمِعينا اِنبَرَت لَنا
- عَلى رِسلِها مَطروقَةً لَم تَشَدَّدِ
إِذا رَجَّعَت في صَوتِها خِلتَ صَوتَها
- تَجاوُبَ أَظآرٍ عَلى رُبَعٍ رَدي
وَما زالَ تَشرابي الخُمورَ وَلَذَّتي
- وَبَيعي وَإِنفاقي طَريفي وَمُتلَدي
إِلى أَن تَحامَتني العَشيرَةُ كُلُّها
- وَأُفرِدتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ
رَأَيتُ بَني غَبراءَ لا يُنكِرونَني
- وَلا أَهلُ هَذاكَ الطِرافِ المُمَدَّدِ
أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى
- وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي
فَإِن كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ مَنيَّتي
- فَدَعني أُبادِرها بِما مَلَكَت يَدي
وَلَولا ثَلاثٌ هُنَّ مِن عيشَةِ الفَتى
- وَجَدِّكَ لَم أَحفِل مَتى قامَ عُوَّدي
فَمِنهُنَّ سَبقي العاذِلاتِ بِشَربَةٍ
- كُمَيتٍ مَتى ما تُعلَ بِالماءِ تُزبِدِ
وَكَرّي إِذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً
- كَسيدِ الغَضا نَبَّهتَهُ المُتَوَرِّدِ
وَتَقصيرُ يَومَ الدَجنِ وَالدَجنُ مُعجِبٌ
- بِبَهكَنَةٍ تَحتَ الطِرافِ المُعَمَّدِ
كَأَنَّ البُرينَ وَالدَماليجَ عُلِّقَت
- عَلى عُشَرٍ أَو خِروَعٍ لَم يُخَضَّدِ
كَريمٌ يُرَوّي نَفسَهُ في حَياتِهِ
- سَتَعلَمُ إِن مُتنا غَداً أَيُّنا الصَدي
أَرى قَبرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بِمالِهِ
- كَقَبرِ غَويٍّ في البَطالَةِ مُفسِدِ
تَرى جُثوَتَينِ مِن تُرابٍ عَلَيهِما
- صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفيحٍ مُنَضَّدِ
أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ وَيَصطَفي
- عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
أَرى العَيشَ كَنزاً ناقِصاً كُلَّ لَيلَةٍ
- وَما تَنقُصِ الأَيّامُ وَالدَهرُ يَنفَدِ
لَعَمرُكَ إِنَّ المَوتَ ما أَخطَأَ الفَتى
- لَكَالطِوَلِ المُرخى وَثِنياهُ بِاليَدِ
فَما لي أَراني وَاِبنَ عَمِّيَ مالِكاً
- مَتى أَدنُ مِنهُ يَنأَ عَنّي وَيَبعُدِ
يَلومُ وَما أَدري عَلامَ يَلومُني
- كَما لامَني في الحَيِّ قُرطُ بنُ مَعبَدِ
وَأَيأَسَني مِن كُلِّ خَيرٍ طَلَبتُهُ
- كَأَنّا وَضَعناهُ إِلى رَمسِ مُلحَدِ
عَلى غَيرِ ذَنبٍ قُلتُهُ غَيرَ أَنَّني
- نَشَدتُ فَلَم أُغفِل حَمولَةَ مَعبَدِ
وَقَرَّبتُ بِالقُربى وَجَدِّكَ إِنَّني
- مَتى يَكُ أَمرٌ لِلنَكيثَةِ أَشهَدِ
وَإِن أُدعَ لِلجُلّى أَكُن مِن حُماتِها
- وَإِن يَأتِكَ الأَعداءُ بِالجَهدِ أَجهَدِ
وَإِن يَقذِفوا بِالقَذعِ عِرضَكَ أَسقِهِم
- بِكَأسِ حِياضِ المَوتِ قَبلَ التَهَدُّدِ
بِلا حَدَثٍ أَحدَثتُهُ وَكَمُحدِثٍ
- هِجائي وَقَذفي بِالشَكاةِ وَمُطرَدي
فَلَو كانَ مَولايَ اِمرَأً هُوَ غَيرَهُ
- لَفَرَّجَ كَربي أَو لَأَنظَرَني غَدي
وَلَكِنَّ مَولايَ اِمرُؤٌ هُوَ خانِقي
- عَلى الشُكرِ وَالتَسآلِ أَو أَنا مُفتَدِ
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً
- عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
فَذَرني وَخُلقي إِنَّني لَكَ شاكِرٌ
- وَلَو حَلَّ بَيتي نائِياً عِندَ ضَرغَدِ
فَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خالِدٍ
- وَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ عَمروَ بنَ مَرثَدِ
فَأَصبَحتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وَزارَني
- بَنونَ كِرامٌ سادَةٌ لِمُسَوَّدِ
أَنا الرَجُلُ الضَربُ الَّذي تَعرِفونَهُ
- خَشاشٌ كَرَأسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ
فَآلَيتُ لا يَنفَكُّ كَشحي بِطانَةً
- لِعَضبٍ رَقيقِ الشَفرَتَينِ مُهَنَّدِ
حُسامٍ إِذا ما قُمتُ مُنتَصِراً بِهِ
- كَفى العَودَ مِنهُ البَدءُ لَيسَ بِمِعضَدِ
أَخي ثِقَةٍ لا يَنثَني عَن ضَريبَةٍ
- إِذا قيلَ مَهلاً قالَ حاجِزُهُ قَدّي
إِذا اِبتَدَرَ القَومُ السِلاحَ وَجَدتَني
- مَنيعاً إِذا بَلَّت بِقائِمِهِ يَدي
وَبَركٍ هُجودٍ قَد أَثارَت مَخافَتي
- بَوادِيَها أَمشي بِعَضبٍ مُجَرَّدِ
فَمَرَّت كَهاةٌ ذاتُ خَيفٍ جُلالَةٌ
- عَقيلَةُ شَيخٍ كَالوَبيلِ يَلَندَدِ
يَقولُ وَقَد تَرَّ الوَظيفُ وَساقُها
- أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيتَ بِمُؤيِدِ
وَقالَ أَلا ماذا تَرَونَ بِشارِبٍ
- شَديدٍ عَلَينا بَغيُهُ مُتَعَمِّدِ
وَقالَ ذَروهُ إِنَّما نَفعُها لَهُ
- وَإِلّا تَكُفّوا قاصِيَ البَركِ يَزدَدِ
فَظَلَّ الإِماءُ يَمتَلِلنَ حُوارَها
- وَيُسعى عَلَينا بِالسَديفِ المُسَرهَدِ
فَإِن مُتُّ فَاِنعيني بِما أَنا أَهلُهُ
- وَشُقّي عَلَيَّ الجَيبَ يا اِبنَةَ مَعبَدِ
وَلا تَجعَليني كَاِمرِئٍ لَيسَ هَمُّهُ
- كَهَمّي وَلا يُغني غَنائي وَمَشهَدي
بَطيءٍ عَنِ الجُلّى سَريعٍ إِلى الخَنى
- ذَلولٍ بِأَجماعِ الرِجالِ مُلَهَّدِ
فَلَو كُنتُ وَغلاً في الرِجالِ لَضَرَّني
- عَداوَةُ ذي الأَصحابِ وَالمُتَوَحِّدِ
وَلَكِن نَفى عَنّي الرِجالَ جَراءَتي
- عَلَيهِم وَإِقدامي وَصِدقي وَمَحتِدي
لَعَمرُكَ ما أَمري عَلَيَّ بِغُمَّةٍ
- نَهاري وَلا لَيلي عَلَيَّ بِسَرمَدِ
وَيَومٍ حَبَستُ النَفسَ عِندَ عِراكِهِ
- حِفاظاً عَلى عَوراتِهِ وَالتَهَدُّدِ
عَلى مَوطِنٍ يَخشى الفَتى عِندَهُ الرَدى
- مَتى تَعتَرِك فيهِ الفَرائِصُ تُرعَدِ
وَأَصفَرَ مَضبوحٍ نَظَرتُ حِوارَهُ
- عَلى النارِ وَاِستَودَعتُهُ كَفَّ مُجمِدِ
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً
- وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ
- بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وَقتَ مَوعِدِ