المساواة في تطبيق أحكام الشريعة
المساواة في تطبيق أحكام الشريعة
مبدأ المساواة في الشريعة الإسلامية
أقرّ الإسلام مبدأ المساواة بين الخلق جميعاً، وقد نصّت النصوص الصريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على أن الخلق جميعهم واحد، ولا فضل لأحدهم على آخر، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وأكّد ذلك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (لا فضلَ لِعَربيٍّ على أعجميٍّ ولا لعَجميٍّ على عربِيٍّ ولا لِأحمرَ على أسودَ ولا لِأسودَ على أحمرَ إلاَّ بالتَّقوى)،وقد جعلت الشريعة هذه المساواة مطلقة غير مقيدة، تشمل جميع الجوانب، وذلك بناءً على أن الخلق جميعاً من آدم وآدم من تراب.
وقد كان الناس قبل الإسلام يتعصّب كلّ منهم إلى عرقه وجنسه وقبيلته، فجاء الإسلام ليخبرهم ويزرع فيهم أنّ الناس جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات، والمسؤوليات العامة، ولا فرق بين جماعة وأخرى، أو جنس وجنس، أو حاكم ومحكوم، أو أسود وأبيض، أو غنيّ وفقير، وإنما معيار التفاضل بينهم هو تقوى الله، القائم على علاقة الإنسان بخالقه، والناتج عنه تمييزاً معنوياً غير مادياً ولا ملموساً.
تطبيقات المساواة في الشريعة
ظهر تطبيق مبدأ العدل في الشريعة الإسلامية من خلال العديد من المواقف التي حصلت مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقد كان حريصاً على أن يكون المثل الأعلى لما أقرّته هذه الرسالة العظيمة، ومن ذلك ما يأتي:
- سرقت امرأة من بني مخزوم ذات يوم، فأرادت قبيلتها أن تشفع لها عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ألّا يقيم الحدّ عليها، فقاموا بإرسال أسامة بن زيد -رضي الله عنه- الذي كان حِبّ رسول الله ليشفع لها عند رسول الله، فقال له رسول الله: (أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما ضَلَّ مَن قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فيهم أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ، لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا).
- قامت الرّبيّع بنت النّضر بلطم جارية لها ذات يوم حتى كسرت ثنيتها، فقدمأهل الجارية إلى رسول الله يطلبون منه القصاص بحقّ ابنتهم، فقدم أنس بن النّضر إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (لا واللَّهِ، لا تُكْسَرُ سِنُّهَا يا رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ فَرَضِيَ القَوْمُ وقَبِلُوا الأرْشَ).
- المساواة بين المسلمين والذميّين زمن رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-، وقد كانت هذه المساواة بينهم في جميع الأمور التي يشتركون فيها، أمّا ما وقع بينهم من الاختلافات فلا تساوي بينهم، ولا يختلفون معاً إلّا في جانب العقيدة، لأن المساواة معهم في هذا الجانب يؤدي إلى الجور عليهم وظلمهم، ومن المساواة في حقهم عدم إكراههم على الدخول في الإسلام، لقول الله -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).