اللغة واللهجات في العصر الجاهلي
اللغة في الأدب الجاهلي
لا نكاد نصل إلى العصر الجاهلي الذي يبدأ تاريخه قبل سنة 150 للبعثة حتى نجد لغةً متكاملةً على جميع مستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، وكأن انتشار هذه اللغة أشبه بمعجزةٍ ربانية، فإنها تبتعد عن اللهجات القديمة بعداً تكاد تقول فيه لا يقتربان بصلة، إلا اشتراكهما في بعض الخصائص اللغوية القليلة.
مثلًا هذه العبارة من اللهجة النبطية -التي تعد من أقرب اللهجات وأشدها علاقةً باللغة الفصيحة- "كن لهو خلفتن وقسد" ومعناها في الفصيحة "كن له خليفةً وقائد"، وقد سيطرت لغة العرب الشماليين (لغة الأدب الجاهلي) على لغة العرب الجنوبيين.
ومع ظهور لهجاتٍ في هذا العصر متقاربةً جداً في خصائصها إلا أنّ العرب قاطبةً اصطلحوا فيما بينهم على استخدام لهجة القريش كلغة الأدب العام، التي نظم فيها الشعراء من مختلف مشاربهم وعلى اختلاف لهجاتهم قصائدهم.
حتى اصطلاح جميع هذه القبائل على استخدام هذه اللغة يعد في حد ذاته معجزةً، فكيف يتخلى العربي الذي يفخر بذاته وقبيلته ولهجته على ترك لهجته ونظم شعره بغيرها، وهذه اللهجة القرشية هي التي أصبحت العربية الفصحى والتي نزل القرآن الكريم بها فيما بعد.
اللهجات الجاهلية وأسماؤها
اتفق العرب على استخدام لغة قريش على أنها لغة الأدب العامة التي على الشعراء أنّ ينظموا قصائدهم بها حتى تذيع وتنتشر، وقد وجدت مع لهجة قريشٍ لهجاتٍ أخرى لقبائلَ عربيةٍ، ظلوا يتكلمون بها فيما بينهم وأحياناً كانوا ينظمون قصائدهم بها ومن هذه اللهجات ما يأتي:
عنعة تميم
وهي جعل الهمزة عيناً فيقولون (عنت وعنك) مكان (أنت وأنك).
قلقلة بهراء
وهي كسر ياء المضارع فيقوان (يِلعب ويِذهب) مكان (يَلعب ويَذهب).
كسكسة تميم
وهي إضافة سين بعد كاف المخاطبة فيقولون (رأيتكِس) مكان (رأيتكِ).
كشكلة أسد
وتنسب لربيعة وهي جعل كاف المخاطبة شيناً فيقولون (رأيتش) مكان (رأيتكِ).
فحفحة هذيل
وهي جعل الحاء عيناً فيقولون (عتى) مكان (حتى).
وكم ربيعة
وهي كسر كاف الخطاب بعد الياء أو الكسرة فيقولون (عليكِم) مكان (عليكُم) و(بِكِم) مكان (بِكُم).
وهم بني كلب
وهي كسر هاء الغيبة إذا لم تسبق بكسرة أو ياء ساكنة فيقولون (بينهِم) مكان (بينهُم).
جمجمة قضاعة
وهي جعل الياء الأخيرة جيماً فيقولون (الساعج) مكان (الساعي).
وتم أهل اليمن
وهي قلب السين في آخر الكلمة تاءً فيقولون (النات) مكان (الناس).
الاستنطاء عند سعد والأزد وقيس
وهي قلب العين الساكنة نوناً فيقولون (أنطى) مكان (أعطى).
شلشلة اليمن
وهي جعل الكاف شيناً فيقولون (لبيش) مكان (لبيك).
لخلخانية الشحر
وهي حذف الألف فيقولون (مشاء الله) مكان (ما شاء الله).
طمطمانية حمير
وهي تحويل أل التعريف إلى (أم)، وقد كلمهم بها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدموا عليه فقال لهم: "ليس من امبر امصيام في امسفر،" يعني ليس من البر الصيام في السفر.
غمغمة قضاعة
وهي إخفاء الحروف في الكلام حتى تكاد لا تظهر.
أصل اللغة العربية
اللغة العربية إحدى اللغات السامية ، ويمكن القول إنها تطورت عن اللغة السامية القديمة هي وأولاد عمومتها كالآرامية والعبرية، ويمكن القول إنها حافظت على أصولها السامية في حين تغيرت بقية أولاد عمومتها.
في المجمل كل ما نستطيع الجزم به أنّ العربية هي من اللغات السامية والتي حافظت على ظاهرة الإعراب في السامية وكل ما يتجاوز هذا فهو نظرياتٌ وآراء يمكن القول بها ولا يمكن الجزم بها.
أما عن اللغة السامية فلم يتوصل أحدٌ لها ولكن توصلوا لخصائصها عن طريق مقارنة اللغات السامية التي تحمل نفس المزايا كالإعراب والمنع من الصرف والتعريف بأل ووجود همزة التعدية وغيرها من المظاهر اللغوية.
اللغات العربية القديمة
عثر الباحثون في الساميات على نقوشٍ كتبت بالخط العربي القديم، وكانت تعبر عن اللهجات العربية القديمة وهذه النقوش هي كالآتي:
- اللهجة الثمودية كتبت بالخط المُسند الجنوبي.
- اللهجة اللحيانية كتبت بالخط المسند الجنوبي.
- اللهجة الصفوية كتبت بالخط المسند الجنوبي.
- اللهجة النبطية كتبت بالخط الآرامي.
وهذه اللغات استعملت بعض الظواهر اللغوية المعروفة في اللغة الفصحية، وأقرب هذه اللهجات للعربية الفصحى هي اللهجة النبطية.