الكرم في الشعر الجاهلي
وسائل الكرم في الشعر العربي
من أعظم مفاخر العرب التي وردت لدى العرب لإتمام الكرم، ولجلب الأضياف واهتدائهم لمكان خيمة الأجاويد الضاربة في الصحراء حيث الليالي الباردة فيقرونهم، ومنها الآتي:
نارُ القِرى
هي نارٌ توقد في مكان مرتفع ليهتدي إليها الضيف والضائع إلى مكان الضيافة، فيتدفأ المقرور من البرد، وقد كثرت أشعارهم في هذا الجانب مفاخرة، إذ يقول النابغة الذبياني في ذلك:
متى تأتِهِ تعشو إلى ضوءِ نارِهِ
- تجدْ خير نار عندها خير موقد
كما كانوا إذا مدحوا الكريم أثنوا أيضا على طيب ناره وهدوئها، وجودة حطبه وحسن إيقاد النار، يقول الأعشى في مدح المحلَّق:
لعمري لقد لاحت عيونٌ كثيرةٌ
- إلى ضوءُ نارٍ في يَفعاعٍ تُحَرَّقُ
تَشبُّ المقرورين يِصطَلِيانها
- وباتَ على النَّاس االنّدى والمُحَلَّقُ
الجََفلَى
هي وليمة كبيرة يدعو فيها سادة القوم عامة الناس إلى مأدبة في أيام الشتاء الباردة، نحو قول طرفة بن العبد:
نحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلى
- ألا نرى الآدَبَ فينا يَنْتَقِر
حسن استقبال الضيف
تعد من لوزام تأصل الكرم، وهي إظهار المضيف السرور في استقبال الضيف بطلق المحيا، وعدم العبوس في وجه الضيف، إذ يقول في ذلك عروة بن الورد:
سَلي الطارقَ المُعَتَّرَ يا أمَّ مالكٍ
- إذا ما أتاني بينَ قدري ومَجزِرِي
أيسفرُ وجهي إِنَّهُ أوَّلُ القِرى
- وأبذلُ معروف لهُ دونَ مُنكَري
قيمة الكرم وأهمّيته في الشعر الجاهلي
للكرم قيمة إنسانية عالية، فهو إحدى مكونات مروءة الإنسان العربي الجاهلي، ومصدر اعتزازه وافتخارقومه، حيث إنّه صفة ثابتة ومتوارثة ومتأصلة في نفسه، وقد برزت هذه القيمة في الجاهلية نتيجة لعدة عوامل، منها الآتي:
- طبيعة الترحال والحلُّ في الصحراء القاحلة طلباً للرعي والموارد، أدت إلى بسط الكرم أجنحته، فالمسافر والضّال في الصحراء الشاسعة بحاجة إلى من يضيّفه ويكرمه.
- النزاعات والحروب بين القبائل وما تخلفه من نقص في الأكل والشرب، ويتطلب ذلك من سادة القبائل سدّ رمق حياة الإنسان اللاجئ وإيوائه فترتفع مكانتهم لدى قومهم.
- توق العربي للفخر بالآباء والأجداد، وحبّه أن يرتبط اسمه بالكرم فيعلو ذكره بين الناس.
- واجب أخلاقي فحياتهم مرتبطة بما تجود عليهم السماء، ولا بد من وجود فقراء في تلك الظروف، وهذا يفرض على الغني أن يجود بماله ليسد عوز هؤلاء الفقراء، وإلا كان عرضة للهجاء على لسان العرب.
قصص العرب في الكرم
كان الكرم فياضاً عند أكثر عرب الجاهلية، ومن قصص العرب في الكرم ما يأتي:
كرم حاتم الطائي
حاتم الطائي كان جواداً في الجاهلية، فقد ضُرب المثل في كرمه المُغدِق الفيّاض، فهو يذم البخل ويفتخر بكرمه بأن جعل بيته موطأ للضيوف، ويصور ذلك في شعره قائلًا:
"وإذا مابخيلُ النّاسِ هَرّت كِلابُهُ
- شَقَّ على الضيفَ الضعيف عَقورُها
فإنّي جَبان الكلبِ بيتي مُوطِّأ
- أجود ُ إذا ما النفسُ شَحَّ ضَميرُها
كما ذكر أنّ أفضل ما قيل في الكرم هو قول حاتم الطائي:
أماوي إنَّ المالَ غادٍ ورائحٌ
- ويبقى المالِ والأحاديثَ والذِكرُ
تري أن ما أهلكتُ لم يك ُ ضرني
- وأنّ يدي ممابَخلتُ به صَفرُ
يُذكر أن حاتم الطائي ورث الكرم من أمّه عتبة التي كانت من أسخى الناس وأقراهم، على الرغم من منع أخواتها عنها المال لمدة طويلة بسبب تبذيرها، لكنهم أرجعوه لها بعد مدة وأعطوها قطعة من الإبل.
لكن عندما جاءتها امرأة تسألها، ما لبثت إلا أن أعطتها القطعة من الإبل، ويذكر أنّ الجوع قد ألمها عندما منع أخواتها عنها المال، وعاهدت نفسها ألا تمنع المال عن سائل أبدًا.
هوذة بن مُرَّة الشيباني
من كرماء العرب في الجاهلية الذين ذكر اسمهم كثيرا، حيث يقال إنه آل على نفسه ليطعم كل من هبّت الرِّيحُ شمالًا، ومدحه أحدهم بقوله:
ومنا الذي حل البحيرة شاتيا
- وأطعم أهل الشام غير محاسب