الفرق بين الوقت الاختياري والضروري للصلاة
الفرق بين الوقت الاختياري والضروري للصلاة
يُعرّف الوقت الاختياري للصّلاة بأنّهُ أوّل وقت الصّلاة، ووقت الضّرورة أو الاضطرار هو ما يكون من خُروج وقت الاختيار إلى خُروج وقت الصّلاة ، ووقت الصّلاة الاختياري هو الوقت الذي لم يَنْهَ الشّرع عن تأخير الصّلاة إليه، وأمَّا الوقت الضّروريّ فيكون بتأخير الصّلاة إلى الوقت الذي نَهى الشّارع عن تأخير الصّلاة إليه، وفي كلا الوقتين تعتبر الصلاة فيهما أداءً وخلال الوقت، فلا يُعتبر قضاء، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في الوقت الاختياري والضروري للصلاة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- المالكية: ذهب المالكية إلى القول بأنّ الوقت الضروري لا يمكن تأخير الصلاة إلى حينه لغير أصحاب الضرورات، ومن أخّر الصلاة إلى حينه من غير ضرورةٍ لا يعدّ مؤدّياً لها ويأثم بذلك، والوقت الضروري هو الوقت الذي يحلّ بعد وقت الاختياري.
- الحنابلة: قال الحنابلة بأنّ الوقت الضروري لا يكون إلّا في صلاتي العصر والعشاء، فوقت الضرورة للعصر يكون عند اصفرار الشمس، والعشاء بعد ثلث أو نصف الليل، ولا يجوز أداؤهما في وقت الضرورة إلّا لأصحاب الأعذار، ويأثم من لم يكن صاحب عذر بتأخيرهما إلى وقت الضرورة.
- الشافعية: لا يوجد عند الشافعية ما يُسمّى بالوقت الضروري للصلاة، إلّا أنّهم قالوا بكراهة تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، وجواز تأخير صلاة العشاء ما لم يطلع الفجر، وقالوا أيضاً إنّ التأخير يفوّت الفضيلة.
- الحنفية: قال الحنفية إنّ أداء الصلاة في وقتها جائزٌ دون أي إثمٍ، إلّا أنّه يُكره تأخير العصر إلى اصفرار الشمس وتأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل، وكذلك يكره تأخير صلاة المغرب.
ويُمكن معرفة ذلك تفصيلاً من خلال معرفة أوقات الصّلاة؛ من حيث وقت ابتدائها وانتهائها، وهي كما يأتي:
- صلاة الفجر: ويَبدأ وقتها من طُلوع الفجر الصّادق، أو ما يُسمّى بالفجرِ الثّاني؛ وسُمّيَ بالصّادق؛ لأنَّه يَظهر فيه الصُّبح، وعلامته بياضٌ ينتشر في الأفق بشكلٍ عرضي، وينتهي وقت الفجر إلى الإسفار، أيّ عند طلوع الشّمس وظهور النّهار، وهو وقت الاختيار لها، وبعد الإسفار وطُلوع الشّمس يكون وقت الضّرورة لأصحابِ الأعذار، كالحائض الّتي تَطهر بعد الإسفار، والنائم، والمريض، فيجوز لهم الصّلاة في هذا الوقت من غير كراهة، وذلك قول الإمام مالك وأحمد، لِقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (وإنَّ أوَّلَ وَقتِ الفَجرِ حينَ يَطلُعُ الفَجرُ، وإنَّ آخِرَ وَقتِها حينَ تَطلُعُ الشَّمسُ).
- صلاة الظّهر : وتبدأ من زوال الشّمس عن مُنتصفِ السّماء باتّجاه الغرب، ولا يَصحّ صلاتها قبل الزوال ، ويُعرف الزَّوال بأنَّه انتقال ظلّ الشيء من جهة الغرب إلى جهة الشرق، فيبدأ الظّل بالزِّيادة، وأمّا نهاية وقتها فذهب الجمهور إلى أنَّه ينتهي عندما يصير ظلّ الشيء مثله، وذهب أبو حنيفة إلى أنَّ وقته يمتد إلى بُلوغ ظلّ الشيء مثليه.
- صلاة العصر: ويبدأ وقتها عند زيادة الظّل على المثل، وعند أبي حنفية يبدأ وقتها بزيادة الظلّ على المثلين، ويمتدُّ وقتها عند أبي حنيفة إلى ما قبل مغيب الشمس، وينتهي وقت الاختيار لصلاة العصر عند الحنابلة ببداية اصفرار الشّمس؛ أي حين يصير ظلّ الشيء مثليه، وعند المالكية ينتهي وقتها ما لم تبدأ الشمس بالاصفرار، وعند الشافعيّة يكون وقت الاختيار إلى أن يصبح ظلّ الشّيء مثليه.
- صلاة المغرب: اتّفق الفُقهاء على أن وقت صلاة المغرب يبدأ من غُروب الشّمس، وآخر وقتها عند الحنفيّة عند مغيب الشفق، وعند الحنابلة والشافعيّة ما لم يغِب الشفق، وأمَّا المالكيّة فقالوا إنَّه لا امتداد لها، بل يُقدّر وقتها بقدر ثلاث ركعات.
- صلاة العشاء: يبدأ وقتها من مغيب الشّفق؛ وهو البياض الّذي يظهر في السّماء بعد غياب الحُمرة الّتي تَعقب غياب الشّمس، ويمتد إلى حين طُلوع الفجر الصادق.
الدليل على أول وآخر وقت لكلّ صلاة
جاء ذكر هذه الأوقات في الحديث الذي صلّى فيه جبريل -عليه السّلام- بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أوّل الوقت وآخره: (أَمَّنِي جبريلُ عليه السلامُ عندَ البيتِ مرتينِ، فصلَّى الظهرَ في الأولَى منهما حينَ كان الفَيْءُ مثلَ الشراكِ، ثُمَّ صلَّى العصرَ حينَ كان كُلُّ شيْءٍ مثلَ ظلِّهِ، ثُمَّ صلَّى المغرِبَ حينَ وجَبَتِ الشمسُ وأفطرَ الصائِمُ، ثُمَّ صلَّى العشاءَ حينَ غابَ الشفَقُ، ثُمَّ صلَّى الفجرَ حينَ بَرَقَ الفجرُ وحُرِّمَ الطعامُ علَى الصائِمِ. وصلَّى المرَّةَ الثانِيَةَ الظهرَ حينَ كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَهُ، لوقتِ العصرِ بالأمسِ، ثُمَّ صلَّى العصرَ حينَ كانَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَيْهِ، ثُمَّ صلَّى المغرِبَ لوقتِهِ الأوَّلِ، ثُمَّ صلَّى العشاءَ الآخرِةَ حينَ ذهبَ ثُلُثُ الليلِ، ثُمَّ صلى الصبحَ حينَ أسفرَتِ الأرضُ . ثُمَّ التفَتَ إلَيَّ جبريلُ فقال: يا محمدُ، هذا وقتُ الأنبياءِ مِنْ قبلِكَ، والوقتُ فيما بينَ هذينِ الوقتينِ).
أوقات الصلاة من حيث المثوبة
إنّ للصلاة وقت أفضلية ووقت يكره أو يحرم تأخير الصلاة إليه بغير ضرورة، وفيما يأتي بيان ذلك عند كل صلاة:
- صلاة الفجر أو الصّبح: ويبدأ من طُلوع الفجر الثّاني إلى طُلوع الشّمس أو حاجبها، وأمّا طُلوع الشُعاع فغير مُعتبر، وتجوزُ صلاتها قبل الإسفار، وقبل طُلوع الشّمس، ويَحرُم تأخيرها إلى آخر الوقت بحيث لا يَبقى مُتسعٌ منه.
- صلاة الظّهر: وأفضل أوقاتها يكون في أوّل الوقت، أي بعد الأخذ بأسباب الصلاة من الوضوء والطهارة، ووقتُ اختيارها يكون من وقت الأفضليّة إلى بقاء مُتّسعٍ لأدائها، وهو أيضاً وقت جواز أدائها من غير كراهة، ويَحرم تأخيرها إلى آخر الوقت، بحيث لا يَبقى مع الإنسان مُتسعٌ من الوقت لأدائها، ووقت الضّرورة فيها يبدأ في آخر الوقت بقدر تكبيرةٍ فأكثر.
- صلاة العصر : والأفضل أدائها في أوّل الوقت، إلى أن يصير ظلّ الشيء مثله، ووقت الاختيار يبدأ من وقت الفضيلة إلى أن يُصبح ظل الشيء مثليه، ووقت الجواز لأدائها من غير كراهة يبدأ من وقت الفضيلة إلى اصفرار الشمس، ويُكره تأخيرها إلى اصفرار الشّمس، لكنّ الصّلاة في هذا الوقت جائزة، ويَحرُم تأخيرها إلى آخر الوقت بحيث لا يَتّسع الوقت لأدائها، ووقت الضّرورة هو وقت زوال المانع بحيث يَبقى من الوقت ما يَسع تكبيرة فأكثر.
- صلاة المغرب: وتُؤدّى عند غياب الشّمس إلى غياب الشّفق الأحمر، وهو أفضل وقت أدائها، ويَحرُم تأخيرها إلى ما بعد ذلك إلَّا للضّرورة، وأمّا وقتُ جوازها مع الكراهة فيبدأ من انتهاء الأوقات السابقة، ويَمتد إلى أن يَبقى من الوقت ما يَسعها.
- صلاة العِشاء : ويبدأ وقتها من غياب الشفق الأحمر وهو وقت الأفضلية، إلى طُلوع الفجر الصّادق، ويَجوز الصّلاة خلال هذا الوقت من غير كراهة أو تحريم، ويُكره أداؤها بعد ظُهور الفجر الكاذب، ويَحرُم تأخيرها إلى آخر وقتها بحيث لا يَبقى مُتسعٌ لأدائها.
الأوقات التي تحرم فيها الصّلاة
يوجد العديد من الأوقات التي جاء الشّرع بتحريم صلاة التّطوع فيها فيها، ويُستثنى من ذلك قضاء سُنّة الفجر بعد الصّلاة، أو سُنّة الظّهر بعد العصر، أو قضاء الصّلوات الفائتة، أو باقي الصّلوات ذات السَّبب؛ كصلاة الجنازة ، أو الخُسوف، وغيرها، وأوقات التحريم خمسة أوقات، وهي فيما يأتي:
- بعد صلاة الفجر حتّى تطلع الشّمس، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ).
- بعد طُلوع الشّمس إلى ارتفاعها قدر رُمح في رأي العين، وهو بقدر متر تقريباً، ويُقدّر بربع أو ثُلث ساعة، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتَّى تَرْتَفِعَ، فإنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بيْنَ قَرْنَيْ شيطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ).
- قيام الشّمس حتى زوالها باتّجاه الغرب ودُخول وقت الظهر، لحديث عقبة بن عامر-رضيَ الله عنه- قال: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ).
- بعد صلاة العصر إلى غُروب الشّمس، وكذلك عند شُروعها بالغروب إلى غيابها، لقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (لا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، ولَا صَلَاةَ بَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ).
وقد وردت هذه الأوقات في السُّنّة النبويّة الشريفة في حديثين، أما الحديث الأول فهو قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ)، والحديثُ الثاني عن أبي سعيد الخدريّ -رضيَ الله عنه- قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، ولَا صَلَاةَ بَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ).
وتحرُم صلاة النافلة في هذه الأوقات عند الحنابلة، وعند المالكيّة والشافعيّة في الأوقات الثلاث الواردة في الحديث الأول، ويُكره تنزيهاً في الوقتين الآخريين، ويُكره تحريماً الصّلاة في الأوقات الخمسة عند الحنفيّة، ويَصح مع الكراهة التنزيهيّة أداء سجدة التّلاوة في أوقات النّهي، أو الصّلاة المنذورة، وذهب المالكيّة إلى حُرمة التّنفّل في الأوقات الثلاث الأولى، ويجوز قضاء الفرائض الفائتة فيها، واستثنى الشافعيّة من الكراهة صلاة الجُمعة ، والصّلاة في الحرم المكيّ، وأيضاً الصلوات ذات السّبب غير المُتأخر؛ كصلاة الكُسوف، وتحيّة المسجد .