الفرق بين الجنة والنار
الدار الآخرة
جعل الله -سبحانه وتعالى- لهذه الدنيا نهاية، وجعل الدار الآخرة دار البقاء والخلود، وإنّ أول منازل الآخرة القبر، فيكون روضة من رياض الجنة للمؤمن، وحفرة من حفر جهنّم للكافر، وإنّ عذاب القبر مُثبت في الشريعة الإسلامية، ومن الأمور التي تُنجّي منه: الاستعاذة بالله تعالى من عذاب القبر، والحرص على العمل الصالح، وقراءة سورة الملك ، وبالعودة للحديث عن رحلة الآخرة فإنّ النفخ في الصور هو ما يتبع منزلة القبر، وهناك نفختان؛ أمّا الأولى فتُعرف بنفخة الفزع، وأمّا الثانية فتُعرف بنفخة البعث، والنفخة الثانية تلي الأولى بأربعين، فيبعث الله تعالى الخلائق جميعهم، ثمّ يأتي الحشر، والحشر يوم قدره خمسون ألف سنة، فيه يجمع الله تعالى الخلائق على اختلافهم، وتجدر الإشارة إلى أنّ المؤمنين في هذا اليوم يكونون مُطمئنين يمرّ عليهم اليوم كصلاة الظهر، بينما يكون على الكافرين والمنافقين شديداً، فيعمّهم الفزع، ويتخاصمون فيما بينهم، ويلعن بعضهم بعضاً، وتُكشف خفاياهم، ثمّ تكون الشفاعة، والشفاعة خاصة وعامة، أمّا الخاصة فيُقصد بها الشفاعة التي خصّ بها الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليشفع لأمّته فيُعجّل حسابهم ويكشف بلاءهم، أمّا العامة فهي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وغيره، وهي لرفع درجات المؤمنين في الجنة وإخراج من دخل من النار منهم.
ثمّ يحين الحساب، فيُحاسب الله تعالى الكافرين أمام الخلائق، فيسألهم عن مالهم، وأعمارهم، وسائر دنياهم، ويفضح أعمالهم أمام الخلائق، أمّا المؤمن فيخلو الله تعالى في حسابه، وبعد إقرار المؤمن بذنوبه يغفرها الله تعالى له، ويجدر بالذكر أنّ الصلاة والقتل أول ما يُحاسب عليه الإنسان يوم القيامة ، وإنّ أمّة محمد صلى الله عليه وسلم هي أولى الأمم حساباً، وبعد ذلك يتلقّى المؤمن كتابه بيمينه، بينما يأخذه الكافر في شماله، ثم يزن الله تعالى أعمال الخلائق بميزان دقيق، وبعد ذلك يرد المؤمنون الحوض، ثمّ يعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة والكافرون يقعون في النار.
الجنة
يرجع أصل كلمة الجنة في اللغة إلى الفعل جن بمعنى ستر، وتُعزى تسميتها بهذا الاسم لكثرة الأشجار فيها بما في ذلك النخيل، وإنّ أشجار الجنة ونخيلها تكون مُلتفّة على بعضها البعض بطريقة تستر ما فيها، وأمّا تعريف الجنة في الاصطلاح فهي الدار التي أعدّها الله -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين المُوحّدين لتكون لهم جزاءً ونعيماً، فقد أعدّ فيها سبحانه ما تشتهيه أنفسهم وتطيب به أعينهم، وذلك ثواباً لهم على الأعمال الصالحة التي قدموها في دنياهم، وقد ورد اسم الجنة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وجاء بمصطلحات مختلفة، منها دار الخلد، وجنة المأوى، وجنة الفردوس، وغير ذلك، وقد جاء في وصفها أنّها بعرض السماوات والأرض، أُكُلها دائم، وظلّها دائم، أي أنّ النعيم فيها مقيم، والمساكن فيها طيبة، والأنهار تجري فيها، وهذه الأنهار على أنواع عديدة، فمنها ما هو من عسلٍ مُصفّىً، ومنها ما هو من ماء نظيف، وأنهار من لبنٍ لم يتغير طعمه ولا رائحته ولا مذاقه.
ومن نعيم الجنة أيضاً: فاكهة بألوانها المختلفة، وخمرة لذّة للشاربين، وتمتاز خمرة الآخرة عن الدنيا بأنّها لا تُذهب العقول وإنّما تُدخل السرور على قلب من يشربها، وملابس أهل الجنة الاستبرق والسندس، أي من الحرير الناعم الطبيعيّ، وإنّ المتقين الذين هم أهل الجنة ومن تبعهم بعمل صالح إلى يوم الدين يتّكئون في الجنة على سُرر، ويطلبون ما يشتهون من لحم طير وغيره، ويُزوّجهم الله تعالى بالحور العين، والحور العين خارقات الحُسن والجمال في عُمُر الشباب لم يطأهنّ أيّ من الإنس أو الجنّ من قبل، وغير ذلك الكثير من النعيم الدائم الذي يصعب حصره في سطور، ويجدر بالذكر أنّ للجنة درجات، أعلاها على الإطلاق الفردوس الأعلى، وأمّا بالنسبة لعدد درجاتها فلم يُعرف على الوجه الأكيد، ولكن ورد فيه آراء، منها أنّ عدد درجاتها بعدد آيات القرآن الكريم، وذلك بالأخذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها).
النار
تُعرّف النار في اللغة على أنّها اللهب أو الحرارة المُحرقة، أمّا في الاصطلاح فهي الدار التي أعدّها الله تعالى خاتمة لعذاب من كفر به سبحانه، والناس والحجارة هم وقودها، وذلك مصداقاً لما جاء في قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وكما أنّ للجنة منازل فإنّ للنار دركات، ويُدخل الله تعالى أهل النار الدركات المختلفة بحسب مدى عصيانهم وسوء أعمالهم، وإنّ أسفل دركاتها اُعدّت للمنافقين كما جاء في قول الله جلّ وعلا: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).
يوجد في النار ألوان من العذاب يتمنى أهلها عندما يرونها لو يفتدون أنفسهم بأيّ شيء، ويمكن تخيل ذلك ببيان أنّ نار الدنيا بحرارتها ولهيبها ما هي إلا جزء قليل من جهنّم، وفي النار سلاسل يُسلك فيها أهلها، وأغلال تُسحب أعناقهم بها، وماؤها حميم، وظلها يحموم، وهواؤها سموم، وعند لفحها للوجوه تتركها عظماً بلا لحم، وتصهر البطون وما فيها، كما أنّ جهنّم ضيقة ينحشر بها الكافرون والمنافقون متراصّين، وذلك زيادة لهم في ألوان العذاب وأشكاله، وأمّا طعام أهل النار فهو الضريع، والضريع شوك مرّ نتن لا يُشبع، وهذا ما يدفعهم لتناول صديد وقيح الأبدان، وشرابهم حميم شديد الحرارة يُقطّع الأمعاء والأحشاء، وثيابهم من نار، وإنّ من شدة ما في جهنّم من عذاب يتمنى أهلها لو يموتون، ولكن يزداد عليهم العذاب.