الغزل بالمرأة في الشعر الجاهلي
صورة المرأة في الشعر الجاهلي
تجلّت صورة المرأة في الشعر الجاهليّ بوصفها وصفًا دقيقًا والتّشبيب بها، وقد اتّخذ بعضُه طابعًا قصصيًا يحكي المغامرات الغراميّة للشاعر كما هو عند امرئ القيس والمنخل اليشكريّ، حيث أتى الشعراء الجاهليّون على وصفها وصفًا حسيًّا.
إذ حصروا معايير جمال المرأة في أشعارهم ببشرتها البيضاء؛ حيث شبّهوا بياضها ببياض الظبية، وبشعرها الأسود الحرير، وبعيونها الصافية الواسعة المكحولة، وبجبينها المتّسع، وبحاجبيها الدّقيقين، وبخدّها الأسيل المبتسم، وبأسنانها البيضاء الناصعة، وشفاهها المفلجة السمراء، وقامتها الطّويلة.
كما جاء وصف المرأة في الشعر الجاهليّ معنويًا، حيث عبّر الشعراء عن عواطفهم وما يكابدونه من ألم العشق، ولوعة الفراق، وآمالهم بعيدة المنال، وشكواهم من تدخّل الوشاة بهم، وحنينهم إلى لقاء المحبوبة.
وقد ذهب مجموعة من النقّاد إلى القول إنّ المرأة الموصوفة في الشعر الجاهليّ ما هي إلّا أسطورة من خيال الشّاعر، أو أنها رمز لآلهة معبودة عند العرب قديمًا، وقد استدلّوا بذلك على بعض الشواهد الشعريّة، لكن لم تنفكّ هذا الرؤية عن كونِها رأيًا بعيدًا عن الدراسات الأدبيّة النقدية للشعر الجاهليّ.
خصائص الغزل بالمرأة في العصر الجاهلي
تُقسّم هذه الخصائص إلى خصائص خاصة في الغزل العذري وخصائص خاصة في الغزل الحسي، وهي كالآتي:
خصائص الغزل العذري
تتلخص خصائص الغزل العذري فيما يأتي:
- اقتصرت القصائد الغزلية الجاهلية على موضوع الغزل، فلم يتطرق الشاعر الجاهلي إلى موضوعات أخرى داخل القصيدة الغزلية.
- اتّسم هذا النوّع بأنه غزل روحي لا يلتفت إلى محاسن المرأة وجمالها ورغبات الشاعر فيها.
- يعيش الشاعر العذري حياته كلها في حب محبوبة واحدة ووحيدة، كما كان الموت من وجع الحب وألمه سمة العذريين في الجاهلية.
- يتعامل الشاعر الجاهلي مع حبه باستسلام وخضوع، فهو يعده من أقدار الله تعالى التي يجب عليه التسليم لها والرضا بها.
خصائص الغزل الحسي
تتلخص خصائص الغزل الحسي فيما يأتي:
- يفتخر الشاعر الجاهلي بقدرته على النيل من المرأة، بالرغم من إحاطتها بما يصعب عليهم النيل منها، مثل حرّاسها.
- يميل الشاعر إلى الأسلوب القصصي الذي يمنح الشعر متعةً وجمالًا.
- يذكر الشاعر الجاهلي أسماء حبيبات عدة، وفي ذلك دليل على تقلب قلوبهم ومشاعرهم.
نماذج الغزل بالمرأة في الشعر الجاهلي
نظم الشعراء في العصر الجاهلي الكثير من الأشعار في المرأة، سواء بقصائد كاملة أم بجزء من قصائدهم، وكانت أغلب أشعارهم في الغزل منصبة على وصف جمال المرأة الحسيّ،
غزل طرفة بن العبد
قال الشاعر طرفة بن العبد أتعرف رسم الدار قفرا منازله:
أَتَعرِفُ رَسمَ الدارِ قَفراً مَنازِلُه
:::كَجَفنِ اليَمانِ زَخرَفَ الوَشيَ ماثِلُه
بِتَثليثَ أَو نَجرانَ أَو حَيثُ تَلتَقي
:::مِنَ النَجدِ في قَيعانِ جَأشٍ مَسائِلُه
دِيارٌ لِسَلمى إِذ تَصيدُكَ بِالمُنى
:::وَإِذ حَبلُ سَلمى مِنكَ دانٍ تُواصُلُه
وَإِذ هِيَ مِثلُ الرَئمِ صيدَ غَزالُها
:::لَها نَظَرٌ ساجٍ إِلَيكَ تُواغِلُه
غَنينا وَما نَخشى التَفَرُّقَ حِقبَةً
:::كِلانا غَريرٌ ناعِمُ العَيشِ باجِلُه
سَما لَكَ مِن سَلمى خَيالٌ وَدونَها
- سَوادُ كَثيبٍ عَرضُهُ فَأَمايِلُه
فَذو النيرِ فَالأَعلامُ مِن جانِبِ الحِمى
- وَقُفٌّ كَظَهرِ التُرسِ تَجري أَساجِلُه
غزل عنترة بن شداد
يقول عنترة في قصيدة هاج الغرام:
وَدَعِ العَواذِلَ يُطنِبوا في عَذلِهِم
:::فَأَنا صَديقُ اللَومِ وَاللُوّامِ
يَدنو الحَبيبُ وَإِن تَناءَت دارُهُ
:::عَنّي بِطَيفٍ زارَ بِالأَحلامِ
فَكَأَنَّ مَن قَد غابَ جاءَ مُواصِلي
:::وَكَأَنَّني أومي لَهُ بِسَلامِ
وَلَقَد لَقيتُ شَدائِداً وَأَوابِداً
:::حَتّى اِرتَقَيتُ إِلى أَعَزَّ مَقامِ
وَقَهَرتُ أَبطالَ الوَغى حَتّى غَدَوا
:::جَرحى وَقَتلى مِن ضِرابِ حُسامي
ما راعَني إِلّا الفِراقُ وَجَورُهُ
:::فَأَطَعتُهُ وَالدَهرُ طَوعُ زِمامي
غزل النابغة الذبياني
قال الشاعر النابعة الذبياني في قصيدة أمن آل مية رائح أو مغتد:
نَظَرَت بِمُقلَةِ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ
:::أَحوى أَحَمِّ المُقلَتَينِ مُقَلَّدِ
وَالنَظمُ في سِلكٍ يُزَيَّنُ نَحرَها
:::ذَهَبٌ تَوَقَّدُ كَالشِهابِ الموقَدِ
صَفراءُ كَالسِيَراءِ أُكمِلَ خَلقُها
:::كَالغُصنِ في غُلَوائِهِ المُتَأَوِّدِ
قامَت تَراءى بَينَ سَجفَي كِلَّةٍ
:::كَالشَمسِ يَومَ طُلوعِها بِالأَسعُدِ
أَو دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوّاصُها
:::بَهِجٌ مَتى يَرَها يُهِلَّ وَيَسجُدِ