الصور الفنية في قصيدة المساء لإيليا أبو ماضي
الصور الفنية في قصيدة المساء لإيليا أبو ماضي
بدأ ظهور مفهوم الصور الفنية أو الشعرية في نهاية القرن التاسع عشر، وأصبحت عنصراً مهماً في كتابة القصائد الشعرية؛ لأنها تساعد الشاعر على رسم أفكاره بأسلوب ممتع وبسيط، وبنفس الوقت تساعد على تفاعل بين الشاعر والمتلقي من خلال استخدم الاستعارة والكناية والتشبيه، ومن الصور الفنية التي برزت في قصيدة المساء لإيليا أبو ماضي ما يأتي ذكره:
- السحبُ تَرْكضُ في الفضاءِ
- رَكْض الخائفينْ
- وَالشَمسُ تَبدو خَلفَها صفراء
- عاصِبَةَ الجَبين
- وَالبَحرُ ساجٍ صامِتٌ فيهِ
- خُشوعُ الزاهِدين
- لَكِنَّما عَيناكِ باهِتَتانِ
- في الأُفقِ البَعيد
- سَلمى بِماذا تُفَكِّرين
- سَلمى بِماذا تحلُمين
استخدم الشاعر الصور الفنية في ثلاثة مواضع وهي عندما صور الغيوم بالإنسان الذي يركض خوفاً من شيءٍ ما، وعندما صور الشمس بإنسان آخر يركض خلف الشخص الأول خائفاً وهو مُصفر وشاحب الوجه يبدو عليه المرض والتعب ويضع عصبة على جبينه، وعندما صور البحر هادئ الأمواج كالشيخ الذي يكون زاهداً، وخاشعاً، ووقوراً في حياته.
- أَرَأَيتِ أَحلامَ الطُفولَةِ تَختَفي
- خَلفَ التُخوم
- أَم أَبصَرَت عَيناكِ أَشباحَ
- الكُهولَةِ في الغُيوم
- أَم خِفتِ أَن يَأتي الدُجى
- الجاني وَلا تَأتي النُجوم
- أَنا لا أَرى ما تَلمَحينَ من
- المَشاهِدِ إِنَّما
- أَظلالُها في ناظِرَيكِ
- تَنِمُّ يا سَلمى عَلَيكِ
هنا استخدم الشاعر الصور الفنية عندما صور أحلام الطفولة كأنها شيء من الممكن أن يختفي بين حدود الدول، وعندما صور سواد الليل في الجاني الذي يمكن أن يسرق الأشياء الجميلة، وصور النجوم بالشخص الجيد الذي لا يأتي، وعندما صور الخوف الذي تعيشه سلمى بظلال الأشياء.
- إِنّي أَراكِ كَسائِحٍ فيم القَفرِ
- ضَلَّ عَنِ الطَريق
- يَرجو صَديقاً في الفَلاةِ وأين
- في القَفرِ صَديق
- يَهوى البُروقَ وَضَوأَها وَيَخافُ
- تَخدَعُهُ البُروق
- بَل أَنتِ أَعظَمُ حيرَةً من
- فارِسٍ تَحتَ القَتام
- لا يَستَطيعُ الاِنتِصار
- وَلا يَطيقُ الاِنكِسار
استخدم الشاعر أسلوب التشبيه ، حيث شبه حالة الحيرة التي تمر بها سلمى بالسائح الذي ضل طريقه فوجد نفسه في مكان لا ماء فيه ولا طعام، وشبه حاجة سلمى لشخص ينتشلها من حالة الحيرة واليأس كحاجة هذا السائح لصديق يجده صدفة في المكان الذي تاه فيه، وشبه حالة الحيرة التي تمر بها سلمى ولا تستطيع الخروج منها بحيرة الفارس الذي يحارب في معركة في الظلام فلا يستطيع الانتصار ولا الهرب.
- هَذي الهَواجِسُ لَم تَكُن
- مَرسومَةً في مُقلَتَيكِ
- فَلَقَد رَأَيتُكِ في الضُحى
- وَرَأَيتُهُ في وَجنَتَيكِ
- لَكِن وَجَدتُكِ في المَساءِ
- وَضَعتِ رَأسَكِ في يَدَيكِ
- وَجَلَستِ في عَينَيكِ أَلغازٌ وَفي
- النَفسِ اِكتِئاب
- مِثلُ اِكتِئابِ العاشِقين
صور الشاعر الهواجس بالشيء الذي يمكن رسمه، كما صور مقلة العين بالدفتر الذي يمكنك الرسم عليه، ثم استخدم الشاعر أسلوب الكناية عندما تحدث عن المساء والضحى، فهنا لم يكن يقصد المعنى الحرفي؛ بل قال ذلك كناية عن وضع سلمى المُقلق عندما سيطر عليها التشاؤم ومقارنته بوضعها وهي متفائلة وحيوية.
- سَلمى بِماذا تُفَكِّرين
- بِالأَرضِ كَيفَ هَوَت
- عُروشُ اللنورِ عَن هَضَباتِها
- أَم بِالمُروجِ الخُضرِ سادَ
- الصَمتُ في جَنَباتِها
- أَم بِالعَصافيرِ الَّتي تَعدو إِلى
- وَكَناتِها
- أَم بِالمَسا إِنَّ المَسا يَخفي
- المَدائِنَ كَالقُرى
- وَالكوخُ كَالقَصرِ المَكين
- وَالشَوكُ مِثلُ الياسَمين
في أول الأبيات استخدم الشاعر أسلوب الكناية، ولم يقصد المعنى المباشر لها، بل كان يقصد الشخص الذي يبني عرشاً والمدن التي تبني الأمجاد ثم تنهار، ثم استخدم الاستعارة المكنية عندما صور المروج بالإنسان الذي من الممكن أن يسيطر عليه الصمت .
بعد ذلك استخدم أسلوب الكناية عندما تحدث عن الطير الذي يبحث عن عشه، وكان يقصد به سلمى وهي تبحث عن مخرج من حالتها، واستمر باستخدام أسلوب الكناية عندما تحدث عن المساء الذي عندما يحل على المدن والقرى، وعلى القصور والكوخ، وعلى الشوك والياسمين، يجعلهم جميعاً متساويين، كل هذا كنايةً عن أن التشاؤم والحزن الذي خيم على سلمى جعلها ترى كل شيء متساوٍ سواء كان جميلاً أو قبيحاً.
- لا فَرقَ عِندَ اللَيلِ بَينَ النَهرِ
- وَالمُستَنقَعِ
- يَخفي اِبتِساماتِ الطَروبِ
- كَأَدمُعِ المُتَوَجِّعِ
- إِنَّ الجَمالَ يَغيبُ مِثلُ القُبحِ
- تَحتَ البُرقُعِ
- لَكِن لِماذا تَجزَعينَ عَلى النَهارِ
- وَلِلدُجى
- أَحلامُهُ وَرَغائِبُه
- وَسَمائُهُ وَكَواكِبُه
استخدم الشاعر أسلوب الكناية، الذي لا يقصد الشاعر به المعنى المباشر في عدة مواضع وهي عندما تحدث الشاعر عن الليل لا يُفرق بين النهر والمستنقع، كان يقصد به التفكير المتشائم الذي يسيطر على سلمى سوف يجعلها لا ترى الأشياء الجميلة ولا تميز بينها وبين القبيحة، وعندما تحدث عن ابتسامات الفرح وعدم تمييزها عن الدموع، كان يقصد هنا أن حال سلمى المتشائم سيجعلها لا تفرق بين السعادة والحزن.
عندما قصد أن سلمى لن تمييز الجمال المتواجد حولها، لأن التشاؤم والحزن يغطيه كما يغطي البرقع جمال الوجه، ثم شبه الشاعر النهار والظلام بالأشياء التي من الممكن أن تقلق عليها، وهنا أسلوب كناية عن قلق سلمى على كل الأشياء حولها، وبعد ذلك استخدم أسلوب الاستعارة المكنية عندما شبه الدجى بالإنسان الذي يملك أحلاما ورغبات.
- إِن كانَ قَد سَتَرَ البلادَ سُهولَها
- وَوُعورَها
- لَم يَسلُبِ الزَهرَ الأَريجُ وَلا
- المِياهُ خَريرُها
- كَلّا وَلا مَنَعَ النَسائِمَ
- في الفَضاءِ مَسيرُها
- ما زالَ في الوَرَقِ الحَفيفُ
- وَفي الصَبا أَنفاسُها
- وَالعَندَليبُ صُداحوهُ
- لا ظُفرُهُ وَجَناحُهُ
استخدم الشاعر أسلوب الكناية عندما تحدث عن الليل والسهول والزهور والمياه والنسيم، لأنه لم يقصد هذا بشكل مباشر بل كان كنايةً عن أنه مهما مررتي يا سلمى بأوضاع جعلتك متشائمة فسيبقى كل شيء جميل جميلاً وحتى إن تواجد القبح قليلاً، فالجمال موجود في كل مكان مهما غطى التشاؤم عينيك ومنعك عن رؤيته، كما صور الأريج بالشيء الذي يمكنك سرقته، وصور الظلام بالسارق.
كما استخدم استعارة مكنية عندما تحدث عن النسيم، إذ صور النسيم بالإنسان الذي يسير، واستخدم الكناية عندما تحدث عن الورق والصبا والعندليب، إذ قصد أن يقول لسلمى إنّ كل ما تشعرين به من حيرة لن يجعل الكون حولك مملاً خالياً من الحياة، ولن تذهب الأصوات الجميلة التي تبعث الأمل في داخلك، ثم شبه الطائر بالمغني وتغريده بالأغاني جميلة.
- :فَاِصغَي إِلى صَوتِ الجَداوِلِ
- جارِياتٍ في السُفوح
- وَاِستَنشِقي الأَزهارَ في
- الجَنّاتِ ما دامَت تَفوح
- وَتَمَتَّعي بِالشُهبِ في الأَفلاكِ
- ما دامَت تَلوح
- مِن قَبلُ أَن يَأتي زَمانٌ
- كَالضَبابِ أَوِ الدُخان
- لا تُبصِرينَ بِهِ الغَدير
- وَلا يَلَذُّ لَكِ الحَرير
استخدم الشاعر أسلوب الاستعارة المكنية عندما صور جدول الماء بالإنسان الذي يجري في سفوح الجبال، واستخدام الاستعارة المكنية عندما صور الشهب بالإنسان الذي يلوح بيده، ثم شبه الزمان بالضباب والدخان.
- :لِتَكُن حَياتُكِ كُلُّها أَمَلاً
- جَميلاً طَيِّبا
- وَلتَملَءِ الأَحلامُ نَفسَكِ
- في الكُهولَةِ وَالصِبى
- مِثلُ الكَواكِبِ في السَماءِ
- وَكَالأَزاهِرِ في الرُبى
- لِيَكُن بِأَمرِ الحُبِّ قَلبُكِ عالَماً
- في ذاتِهِ
- أَزهارُهُ لا تَذبُلُ
- وَنُجومُهُ لا تَأفُلُ
شبه الشاعر النفس التي تملؤها الأحلام بالسماء المليئة بالكواكب، كما شبهها بالربى التي تملؤها الأزهار، واستخدم الشاعر استعارة مكنية عندما صور القلب بالأرض التي تحتوي على أزهار لا تذبل، ثم استخدم الاستعارة المكنية مرة أخرى عندما صور القلب بالسماء التي تملؤها النجوم.
- :ماتَ النَهارُ اِبنُ الصَبحِ
- فَلا تَقولي كيفَ مات
- إِنَ التَأَمُّلَ في الحَياةِ يَزيدُ
- أَوجاعَ الحَياة
- فَدَعي الكَآبَةَ وَالأَسى
- وَاِستَرجِعي مَرَحَ الفَتاة
- قَد كانَ وَجهُكِ في الضُحى
- مِثلَ الضُحى مُتَهَلِّلا
- فيهِ البَشاشَةُ وَالبَهاءُ
- لِيَكُن كَذَلِكَ في المَساء
صور الشاعر في هذه الأبيات النهار بالإنسان الذي يموت، وصوره كأنه ابن الصباح، كما شبّه الشاعر وجه سلمى في جماله وإشراقته بوقت الضحى المشرق.
إيليا أبو ماضي
هو شاعر عربي لبناني يعدّ من أبرز شعراء المهجر ، وكان مولعاً في الشعر منذ طفولته، وبالرغم ما مر به في حياته من فقر وتهجير لم يؤثر هذا على حماسه وتفاؤله تجاه الحياة، بدأ طريقه في عالم الشعراء بقصائد متفرقة، ثم أصدر أول ديوان شعري له وهو "تذكار الماضي"، وتوالت بعدها قصائده العديدة، ومن قصائده المشهورة قصيدة المساء.
مناسبة قصيدة المساء
كتب الشاعر إيليا أبو ماضي قصيدة المساء ليشرح نظرته للحياة من خلالها، فقد تحدث عن فئة معينة من الناس الذين يعيشون دائماً مع آلام الماضي والخوف من المستقبل بطريقة تجعلهم يقضون حياتهم في تعاسة وإحباط دائم، فحاول الشاعر أن يبعث فيهم الأمل والتفاؤل من خلال هذه القصيدة.