الصلاة من غير وضوء
الصَّلاة من غير وضوء
الوضوء شرطٌ من شروط صحَّة الصَّلاة، ولا تُقبل الصَّلاة إلِّا به، واعتباره شرطاً يعني أنَّه جزءٌ منفصلٌ عن الصَّلاة، لكنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلَّا به، والوضوء شرعاً هو التَّطهُّر باستخدام الماء على أعضاءٍ مُعيَّنةٍ بصفةٍ مُعيَّنةٍ حدَّدها الشَّارع الحكيم، وقد وردت مشروعيَّة وجوب الوضوء في القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة وإجماع الأُمَّة، وفيما يأتي بيان ذلك:
- القرآن الكريم: قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقد أطلق الإمام القرطبي -رحمه الله- على هذه الآية اسم آية الوضوء.
- السنَّة النبويَّة: أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- عن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (دَخَلَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ علَى ابْنِ عامِرٍ يَعُودُهُ وهو مَرِيضٌ فقالَ: ألا تَدْعُو اللَّهَ لي يا ابْنَ عُمَرَ؟ قالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ. وَكُنْتَ علَى البَصْرَةِ).
- إجماع الأُمَّة: حيث أجمعت الاُمَّة الإسلاميَّة على وجوب الوضوء لصحَّة الصَّلاة، فلا تنعقد صلاة العبد من دون وضوء، وتُعتبر صلاته باطلةً في حال أدائها بغير طهارةٍ.
حكم من صلَّى من غير وضوء عامداً
إنّ مَن يُصلّي بغير وضوء عامداً آثم، وقد أتى بمعصيةٍ عظيمة، وقال الفقهاء إنّ ذلك من أوجه الاستخفاف بالدِّين، ومن فَعَله عمداً مستحِلّاً لذلك -أي معتقداً أنّ الصواب فعله لا ما أمره به الشّرع-؛ يخرج من المِلّة باتّفاق أهل العلم، أمّا إن فَعَل ذلك متعمّدا دون استحلالٍ واستهزاء فعدّ جمهور الفقهاء ذلك من الكبائر العظيمة.
فصلاة العبد لا تنعقد بدون طهارةٍ، والصَّلاة بغير وضوءٍ مُتعمِّداً كمن لم يُصلِّ، فالصَّلاة في الإسلام هي ميثاقٌ غليظٌ يؤكِّد حقيقة إيمان المسلمين، وهي عمود الدِّين، ومفتاح أعمال العباد، ومن ترك واجباً مُتعمِّداً فهو آثمٌ ومُستحِقُّ العقاب، ومؤدِّي الصَّلاة بغير طهورٍ هو تاركٌ لجزءٍ من أجزاء العبادات؛ وبذلك يكون قد ترك جزءاً من إيمانه.
فإن اعترف فاعل ذلك بذنبه؛ عليه أن يحرص على الاستغفار عن ذنبه، والتوبة إلى الله، والعزم على عدم الرجوع لذلك، وإعادة ما فاته من الصّلوات التي أدّاها بغير طهارة، والتَّعويض بالعمل الصَّالح الذي يعود عليه بالحسنات؛ لعلها تكون سبباً في مغفرة ذنبه ومحو خطيئته، فقد جاء رجلٌ للمسجد وصلّى صلاةً ناقصة، فقال له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ). فدلّ ذلك على أنّ من ترك واجباً في صلاته؛ لم يكُن ما أدّاه صلاة، فيؤمر بالإتيان به أو بإعادة الصلاة.
حكم من صلّى من غير وضوء ناسياً
لا تصحُّ صلاة العبد بغير وضوءٍ إن كان ناسياً، وإدراكه لذلك بعد مدَّة من الزَّمن يُلزِمُهُ إعادة الصلاة، ودليل ذلك ما أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ)، ولقوله -تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وتجدر الإشارة إلى أنَّه لا إثم على من نَسِي الوضوء وقام بأداء الصَّلاة، ولكن عليه الإعادة في حال تذكّره ذلك كما ذكرنا سابقاً، بدليل حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (إنَّ اللهَ تجاوز عن أمَّتي الخطأَ والنسيانَ وما استُكرِهوا عليه).
حكم من صلّى من غير وضوء مُكرَهاً
يُطلق على من تعذَّر عنده الوضوء والتَّيمُّم بفاقد الطَّهورين، ويُصلِّي من لم يجد ماءً للوضوء وتعذّر عنده التيمم فروض الصَّلوات؛ حرمةً للوقت، ويُعيد في حال استطاعته للوضوء، إذ قد يتعرَّض العبد لمثل هذا الموقف في حال إكراهه أو ربطه أو أسره وغير ذلك من الحالات الأخرى التي يتعذَّر فيها توفُّر الماء والتُّراب.
وقد استند الفقهاء كالإمام الشَّافعي والإمام أحمد وجمهور المُحدِّثين بهذا الحكم على ما أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه في باب "إذا لم يجد ماء ولا تراباً" عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: (أنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِن أسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا، فأدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ ما نَزَلَ بكِ أمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إلَّا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ ولِلْمُسْلِمِينَ فيه خَيْرًا)، ووجه الدَّلالة من الحديث السَّابق أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم ينهاهم عن صلاتهم لمَّا فقدوا الماء رغم توفر التُّراب، إلَّا أنَّ حكم التَّيمُّم لم يكن قد صدر بعد، فاعتبرالفقهاء حالهم كحال فاقد الطهورين.
والمشهور عن فقهاء المالكيَّة أنَّ فاقد الطّهورين مثله مثل الحائض والمجنون لا تصحُّ صلاته، وليس عليه قضائها بعد خروج الوقت إن تمكَّن، وقد ورد عن بعض فقهاء المذهب أنَّ فاقد الطهورين يؤدي الصَّلاة ولا يقضيها، وذَكَر آخرون أن صلاته كصلاة النَّائم لا يؤدّيها ولكن يقضيها.