الشعر السياسي في العصر الأموي
نشأة الشعر السياسي في العصر الأموي
كانت البيئة الحياتية بعد عهد الخلفاء الراشدين وبداية الخلافة الأموية بيئة مناسبة جدًا لظهور الشعر السياسي، إذ تعدّدت الأسباب التي توصل إلى حتمية التفرق، ومن تلك الأسباب ما يأتي:
تعدد الأحزاب السياسية
بعد قتل الصحابي الجليل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- انقسم النّاس أشياعًا وأحزابًا، فمنهم عبد الله بن الزبير في مكة المكرمة حين اعتصم فيها، وأبى أن تكون الخلافة إلا لنفسه وبايعه أهل الحجاز واليمن على ذلك.
وحزب الأمويين الذين مقرهم كان في دمشق، وعلى رأسهم يزيد بن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، ظهر حزب طالب أن تكون الخلافة في يد واحد من آل البيت خليفة للحسين بن علي وفاطمة -رضي الله عنهما-، وكان الشيعة من أشد الأحزاب معارضة للحزب الأموي في الشام.
تثبيت دعوة الأمويين
حاول الأمويّون أن يستميلوا الشعراء الأمويين بأموالهم، حتى ولو كانوا من ألدّ الخصوم لهم من أجل تثبيت دعائم الدولة الأموية، وكانوا يدعونهم إلى مجالسهم ويأمرون بالإحسان إليهم، وقد فعل ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي ذلك لمّا استقدم جرير إلى مجلسه وأغدق عليه من المال، فمدحه الأخير بمجموعة من القصائد.
التنافس بين الشعراء
تنافس الشعراء فيما بينهم، حيث إنّ كلّ شاعر يمدح الحزب الذي ينتمي إليه، فهو على علمٍ تامٍ بأنّه يقوى بقوة حزبه ويضعف بضعفه، فالفرزدق شاعر شيعي يميل إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وإلى أبناء علي وآل البيت.
وجرير يميل إلى حزب الزبيريين ويمدحهم ولهم ولاؤه، والكميت يميل إلى حزب الشيعة، وهو كذلك نذر شعره لمدحهم ورثاء آل البيت، لذلك فإنّ المنافسة فيما بينهم كانت على أشدها.
المطالبة بعودة الحقوق
كان الأمويون في نظر مَن خالفهم مغتصبين لحقوقهم، فالشيعة يرون أنّ الخلافة محصورة في آل بيت رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، والخوارج يرون أنّ الخلافة يجب أن تكون لهم، والفرس يرون أنّ بني أمية قد قوضوا دولتهم واحتلوا بلادهم واستعلوا عليهم وآذوهم، وكان يرون أنفسهم أحق بالحكم منهم.
خصائص الشعر السياسي الأموي
من أبرز الخصائص التي امتاز بها الشعر السياسي في عهد الدولة الأموية:
وحدة اللغة الشعرية
ظهرت وحدة اللغة الشعرية عند الشعراء السياسيين؛ حيث إنّ الجميع يطمح في الخلافة، والكل يُحاول أن ينتزعها، لذلك لم يكن هناك تجديد في اللغة الشعرية، وربما يُصاب القارئ بالملل من تكرار المعاني نفسها واللغة ذاتها، لولا صدق الشعور والعاطفة الذي يُجدد من روح القصيدة، ومن الأمثلة على ذلك قول سميرة بن الجعد
إلى عصبة أمّا النهار فإنهم
:::هم الأسد عند الحرب أسد التهايج
وأما إذا ما الليل جن فإنهم
:::قيام كأنواح النساء النواشج
وحدة الغرض الشعري
بما أنّ الشعراء كانت تجمعهم فيما بينهم وحدة الغرض وهو السياسة، فإنّ المشاعر والأفكار والمعاني التي كانوا يأتون عليها هي واحدة، ولكن كل فرقة تُحاول أن تُطوع تلك الأفكار لخدمة مصالحها، والنأي بالخلافة عن الفرقة الثانية، ومن ذلك:
فَيا رَبِّ إِن حانَت وَفاتي فَلا تَكُن
:::عَلى شَرجَعٍ يُعلى بِدُكنِ المَطارِفِ
وَلَكِن أَحِن يَومي شَهيدًا وَعُقبَةً
:::يُصابونَ في فَجٍّ مِنَ الأَرضِ خائِفِ
إظهار الصورة المثالية للدين
كان الدافع دينيًّا لكل حزب من الأحزاب السياسية في العصر الأموي، حيث الكل يُحاول أن يصل إلى الخلافة ولكن بقالب ديني، ومن ذلك ما قاله الكميت:
وَلكِن إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى
:::وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ
إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم
:::إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
:::بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَارًا وأغضَبُ
هنا حاول الكميت أن يرسم صورة مثالية لآل البيت خالية من الشوائب، واعتمد في تصوير ذلك على معانٍ جديدة تمامًا، ومن خلال تلك الصور يُحاول الشاعر أن يُثبت أحقية آل بني هاشم بالخلافة دون سواهم.
الألفاظ السهلة
لم تكن الألفاظ التي يستعملها الشعراء السياسيون في قصائدهم صعبة ولا مقعرة، وذلك بغرض فهم العامة للمعاني التي يريد كل شاعر أن تصل إلى أتباعه، ومع ذلك فإنّ الشاعر يختار ألفاظًا دقيقة تتناسب والحدث الذي يأتي عليه، والفرقة التي ينتسب إليها ومن ذلك ما قاله الطرماح:
فَقُل لِبَنِي أُمَيَّةَ حَيثُ حَلُّوا
:::وإن خِفتَ المُهَنَّدَ والقطِيعَا
ألاَ اُفٍ لِدَهرٍ كُنتُ فِيهِ
:::هِدَانًا طَائِعًا لَكُمُ مُطِيعَا
أجَاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ
:::وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا
المطالبة بالحقوق
اشترك الشعراء السياسيون على مطلب واحد وهو استعادة الحقوق المهدورة، ولكن الفارق أنّ الحقوق تختلف ما بين كل فرقة وأخرى، فالشيعة يُطالبون بحكم آل البيت للمسلمين، والقرشيون يُطالبون بالحزب الزبيري، والمروانيون يُطالبون بالأمويين.
والفرس يُطالبون بحقهم في استعادة الأرض والبلاد، حيث يرون الخلافة الأموية بمثابة الاحتلاب بالنسبة إليهم، ومن ذلك ما قيل:
قضيتَ بسنة وحكمتَ عدلًا
:::ولمْ ترثِ الحكومة منْ بعيدِ
إذا غمزَ القنا وجدت لعمري
:::قناتك حين تغمزُ خير عودِ
إذاعضَّ الثقاف بها اشمأزتْ
:::إباء النقسِ بائنة الصعود
عرض البراهين والحجج
يعرض الشعراء السياسيون حججهم وبراهينهم على أحقيتهم بالخلافة، فكل فريق يرى الخير في حزبه، ومن ذلك ما قاله أحد شعراء الشيعة الذين يميلون إلى حزب آل البيت، و يرون أن أحقية الخلافة تنحصر في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وذريته:
إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم
:::إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
:::بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَارًا وأغضَبُ
فهو في هذا المقام يعرض سبب ميوله إلى آل البيت وأنّ محبتهم تقربه من الله زلفى، وأنّهم وحدهم رهط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنّ اتصال نسب آل البيت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهبهم شرعية الحكم وأحقيته، فهم أولى قريش بذلك، وتلك الحجة التي يستمد منها الشيعة شرعية رأيهم.
أبرز شعراء السياسة الأمويين
برزت مجموعة من الشعراء بناء على كل حزب وانقسامه عن الأحزاب الأخرى، ومن بين ذلك:
- جرير
(653م - 728م) وهو جرير بن عطية بن حذيفة الخَطَفي بن بدر الكلبيّ اليربوعي، من تميم وميوله في بادئ الأمر كان مع الحزب الزبيري، ثم صار ميوله مع الأمويين بعد أن استرضاه الحجاج .
- الأخطل
(640م - 710م) وهو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة ابن عمرو، من بني تغلب وكان ميوله مع الأمويين، إذ دافع عنهم دفاعًا شديدًا.
- الكميت الأسدي
( 680م - 744م) وهو الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، أبو المستهل، وقد كان ميوله مع آل البيت حيث إنّه من شعراء الشيعة.
نماذج من الشعر السياسي الأموي
من أبرز النماذج في الشعر السياسي ما يأتي:
- قال الكميت الأسدي في قصيدة أتانا بموت ابن الخليفة حادث:
أتانا بموتِ ابن الخليفة حادثٌ
- بهِ أسِيَت منّا القلوبُ وغُلّتِ
تَعطّلتِ الدنيا لنا بعد موته
- وكانت به أيّامُهُ قد تحلّتِ
فأن تكُ أرضٌ يا معاويَ غَيّبت
- قال الأخطل في قصيدة أعني أمير المؤمنين بنائل:
أَعِنّي أَميرَ المُؤمِنينَ بِنائِلٍ
- وَحُسنِ عَطاءٍ لَيسَ بِالرَيِّثِ النَزرِ
وَأَنتَ أَميرُ المُؤمِنينَ وَما بِنا
- إِلى صُلحِ قَيسٍ يا اِبنَ مَروانَ مِن فَقرِ
فَإِن تَكُ قَيسٌ يا اِبنَ مَروانَ بايَعَت
- فَقَد وَهِلَت قَيسٌ إِلَيكَ مِنَ الذُعرِ
- قال عبيد الله بن الرقيات في قصيدة أحلّك الله والخليفة:
أَحَلَّكَ اللَهُ وَالخَليفَةُ بِال
- غوطَةِ دارًا بِها بَنو الحَكَمِ
المانِعو الجارَ أَن يُضامَ فَما
- جارٌ دَعا فيهِمُ بِمُهتَضَمِ
وَالوارِثو مِنبَرَ الخِلافَةِ وَال
- موفونَ عِندَ العُهودِ بِالذِمَمِ