الشعر السياسي بين العصر الأموي والعباسي
الشعر السياسي بين العصر الأموي والعباسي
لقد عرف الشعر السياسي بأنه واحد من أهم الأغراض الشعرية خاصة في الأوقات التي لم تتفق بها أهواء الشعراء على خليفة واحدة، وأكثر ذلك كان بين العصر الأموي والعصر العباسي حيث تشرذم النّاس حول بعض الشخصيات، ومن أبرز القصائد في ذلك الغرض ما بين العصر الأموي والعباسي ما يأتي:
قصيدة حلت صبيرة أمواه العداد من العصر الأموي
قال الأخطل :
إِذا عَثَرتُ أَتاني مِن فَواضِلُهُ
- سَيبٌ تُسَنّى بِهِ الأَغلالُ وَالعُقَدُ
لا يُسمَعُ الجَهلُ يَجري في نَدِيِّهِمِ
- وَلا أُمَيَّةُ مِن أَخلاقِها الفَنَدُ
تَمَّت جُدودُهُمُ وَاللَهُ فَضَّلَهُم
- وَجَدُّ قَومٍ سِواهُم خامِلٌ نَكِدُ
هُمُ الَّذينَ أَجابَ اللَهُ دَعوَتَهُم
- لَمّا تَلاقَت نَواصي الخَيلِ فَاِجتَلَدوا
لَيسَت تَنالُ أَكُفُّ القَومِ بَسطَتَهُم
- وَلَيسَ يَنقُضُ مَكرُ الناسِ ما عَقَدوا
قَومٌ إِذا أَنعَموا كانَت فَواضِلُهُم
- سَيباً مِنَ اللَهِ لا مَنٌّ وَلا حَسَدُ
لَقَد نَزَلتُ بِعَبدِ اللَهِ مَنزِلَةً
- فيها عَنِ الفَقرِ مَنجاةٌ وَمُنتَفَدُ
وَيَومَ شُرطَةِ قَيسٍ إِذ مُنيتَ لَهُم
- حَنَّت مَثاكيلُ مِن إيقاعِكُم نُكُدُ
ظَلّوا وَظَلَّ سَحابُ المَوتِ يُمطِرُهُم
- حَتّى تَوَجَّهَ مِنهُم عارِضٌ بَرِدُ
وَالمَشرَفِيَّةُ أَشباهُ البُروقِ لَها
- في كُلِّ جُمجُمَةٍ أَو بَيضَةٍ خُدَدُ
وَيَومَ صِفّينَ وَالأَبصارُ خاشِعَةٌ
- أَمَدَّهُم إِذ دَعَوا مِن رَبِّهِم مَدَدُ
عَلى الأُلى قَتَلوا عُثمانَ مَظلِمَةً
- لَم يَنهَهُم نَشَدٌ عَنهُ وَقَد نُشِدوا
فَثَمَّ قَرَّت عُيونُ الثائِرينَ بِهِ
- وَأَدرَكوا كُلَّ تَبلٍ عِندَهُ قَوَدُ
فَلَم تَزَل فَيلَقٌ خَضراءُ تَحطِمُهُم
- تَنعى اِبنَ عَفّانَ حَتّى أَفرَخَ الصَيدُ
وَأَنتُمُ أَهلُ بَيتٍ لا يُوازِنُهُم
- بَيتٌ إِذا عُدَّتِ الأَحسابُ وَالعَدَدُ
أَيديكُمُ فَوقَ أَيدي الناسِ فاضِلَةٌ
- وَلَن يُوازِنَكُم شيبٌ وَلا مُرُدُ
لا يَزمَهِرُّ غَداةَ الدَجنِ حاجِبُهُم
- وَلا أَضِنّاءُ بِالمِقرى وَإِن ثُمِدوا
قَومٌ إِذا ضَنَّ أَقوامٌ ذَوُو سَعَةٍ
- أَو حاذَروا حَضرَةَ العافينَ أَو جَحِدوا
باروا جُمادى بِشيزاهُم مُكَلَّلَةً
- فيها خَليطانِ واري الشَحمِ وَالكَبِدِ
المُطعِمونَ إِذا هَبَّت شَآمِيَةٌ
- غَبراءُ يَحجَرُ مِن شَفّانِها الصَرِدِ
وَإِن سَأَلتَ قُرَيشاً عَن أَوائِلِها
- فَهُم ذُؤابَتُها الأَعلَونَ وَالسَنَدُ
وَلَو يُجَمَّعُ رِفدُ الناسِ كُلِّهِمِ
- لَم يَرفِدِ الناسُ إِلّا دونَ ما رَفَدوا
فَالمُسلِمونَ بِخَيرٍ ما بَقيتَ لَهُم
- وَلَيسَ بَعدَكَ خَيرٌ حينَ تُفتَقَدُ.
قصيدة ألم تتعجبي من ريب دهر من العصر الأموي
قال الكميت بن زيد:
ألَم تَتَعَجَّبي مِن رَيبِ دَهر
- رأيت ظُهُورهُ قُلِبت بُطُونَا
فإنَّكَ قَد رأيتِ وإن تَعِيشِي
- تري ويرى عجائب ما رَأينَا
رأيتُ الخُرسَ تَنطِقُ في زَمَانٍ
- يُكَلِّفُ أهلُهُ الإبِلَ الطَّحِينَا
وَبُدِّلَتِ الحَمِيرُ فَمَا فَزِعنَا
- لِذاك مِنَ النَّهِيقِ بِهِ الحَنِينَا
وعَطَّفَتِ الضِّبَابَ أَكُفُّ قَوم
- عَلَى فُتخِ الضَّفَادِعِ مُرئِمِينَا
وَذَلِكَ ضَربُ أخمَاس اُرِيدَت
- لأسدَاسٍ عَسَى أن لا تَكُونَا
أرَادُوا النَّاس مِن سَلَفَي نِزارٍ
- أُمُوراً يَمتَنِعنَ وَيَمتَرِينَا
أرَادُوا أن تزيل خالقات
- أَدِيمَهُمُ يَقسنَ وتَفترِينَا
فَمَا وَجَدُوهُمُ إلاَّ أدِيماً
- يَرُدُّ مَوَاسِيَ المُتَحَيِفينَا
عُكَاظِيًّا أَبُوه أَبو إِياد
- صَحِيحَاً لاَ عَوارَ وَلاَ دَهِينا
لَهُ جَمَعُوا اللَّتَينِ إِلى اللُّتَيَّا
- فَلاَ حَلِماً لَقُوهُ وَلاَ عَطِينا
وكَانَ يقال إنَّ ابني نِزَار
- لَعلاَّت فأَمسَوا تَوأمِينَا
تَنَبَّهَ بَعدَ نومَتِهِ نِزَارٌ
- لهم باِلمُلحِقَاتِ مُعَانِدينَا
فَضمَّ قَوَاصِي الأَحيَاءِ مِنهُم
- فَقَد أمسَوا كَحَيٍّ وَاحِدِينَا
وقد سَخِطَ ائتِلافَهُمُ رِجَالٌ
- أَطَالَ الله رَغمَ الساخِطِينَا
تؤَلف بَينَ ضفدعَة وضَبٍّ
- وتَعجَبُ أَن نَبَرَّ بَنِي أبينا
لَعَمرُهُم لَقَد وَجَدُوا نزَاراً
- عَلَى الشَّوَاهق مُبتَنينَا
لخَير أبُوَّة عُلمَت فَعَالاً
- وسابقَةً وخَيرهُم بَنينا
ونحن أَولاك أَنجُم كُلِّ لَيل
- يُؤَمُّ بها وأَبحُرُ مُظمئينَا
بَلَغنَا النَّجمَ مَكرُمَةً وعزاً
- وفُتنَا أيديَ المُتَطَاولينَا
وَنُلفَى في الجُدُوبَة أهلَ خصبٍ
- وفي ظُلَم الحَنَادس مُقمرينَا.
قصيدة إني أتتني عن المهدي معتبة من العصر العباسي
قال سلم الخاسر:
إِنّي أَتَتني عَنِ المَهدِيِّ مَعتَبَةٌ
- تَكادُ مِن خَوفِها الأَحشاءُ تَضطَّرِبُ
اِسمَع فِداكَ بَنو حَواءَ كُلُّهُمُ
- وَقَد يَحورُ بِرَأسِ الكاذِبِ الكَذِبِ
فَقَد حَلَفتُ يَميناً غَيرَ كاذِبَةٍ
- يَومَ المَغيبَةِ لَم يُقطَع لَها سَبَبُ
أَلا يُحالِفَ مَدحي غَيرَكُم أَبَداً
- وَلَو تَلاقى عَلَيَّ الغَرضُ وَالحَقَبُ
إِنّي أَعوذُ بِخَيرِ الناسِ كُلِّهِمِ
- وَأَنتَ ذاكَ بِما نَأتي وَنَجتَنِبُ.
قصيدة أمير المؤمنين فدتك نفسي من العصر العباسي
قال أبو دلامة :
أمير المؤمنين فدتك نفسي
- علام حبستني وخرقت ساجي
أمن صهباء ريح المسك فيها
- ترقرق في الإناء لدى المزاج
عقار مثل عين الديك صرفٌ
- كأن شعاعها لهب السراج
وقد طبخت بنار الله حتى
- لقد صارت من النطف النضاح
تهش لها القلوب وتشتهيها
- إذا برزت ترقرق في الزجاج
أقاد إلى السجون بغير جرم
- كأني بعض عمال الخراج
ولو معهم حبست لكان سهلاً
- ولكني حبست مع الدجاج
دجاجاتٌ يطيف بهن ديكٌ
- يناجي بالصياح إذا يناجي
وقد كانت تخبرني ذنوبي
- بأني من عقابك غير ناجي.