السماع والقياس في علم النحو
مفهوم السماع لغة
السماع لغة هو حس الأذن، يُقال سمعته سمعًا وسِمعَا وسَماعه وسماعية، وهو ما سمعت به فشاع وتُكلم به، وفي التنزيل: (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، وتدور معاني السماع اللغوية حول النسبة إلى المسموع، والإصغاء، والإنصات.
مفهوم السماع اصطلاحًا
ومفهوم السماع اصطلاحًا ما انطبق عليه قول ابن الأنباري في اللمع: "اعلم أن النقل هو الكلام العربي الفصيح المنقول، النقل الصحيح الخارج عن حد القلة إلى حد الكثرة"، وعلى هذا يخرج ما جاء من كلام غير العرب من المولِّدين وغيرهم، وما جاء شاذًا، فالسماع يقال له أيضًا النقل.
وفصّله السيوطي فقال: "وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته؛ فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظمًا ونثرًا، عن مسلمٍ أو كافرٍ.
أهمية السماع في علم النحو
إن الحفاظ على النص المسموع يعدّ المصدر الرئيس الذي ينطلق منه علماء النحو في عملة التأصيل ، فالمسموع من كلام العرب يمثل النص الأصيل الخالص، ونعني أنه اللغة القحة التي لم تخالطها عجمة، بل هي لغة على السجية على حد تعبير الفراهيدي، ووجودها على هذه الصفة يحمل الأصولي النحوي على تقديسها تقديسه للنص القرآني، باعتبار أنه نزل بلسان عربي، ولذلك كان حرص أصولي النحو والفقه دائمًا هو البحث عن الخالص لأنه ثابت.
كما أن المسموع من كلام العرب لا يمثل النص الأصيل الخالص فحسب، وإنما يمثل النص "الكامل"، وفي ذلك قال ابن جني: "واعلم أنك إذا أداك القياس إلى شيء مل، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره فدع ما كنت فيه إلى ما هم فيه".
مفهوم القياس لغة
تدور معاني القياس في اللغة حول التقدير والمقايسة، ومنه المقياس أي المقدار ويقال قست الشيء بغيره وعلى غيره، إذا قدرته على مثاله، وقاس الشيء يقيسه قيسًا وقياسًا واقتاسه وقيسه؛ إذا قدره على مثاله.
مفهوم القياس اصطلاحًا
حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه، كرفع الفاعل، ونصب المفعول في كل مكان، وإن لم يكن ذلك منقولًا عنهم؛ وإنما لما كان غير المنقول عنهم من ذلك في معنى المنقول كان محمولا عليه، وكذلك كل مقيس في صناعة الإعراب، وقد أخذ السيوطي بهذا التعريف، وزاد عليه : "و هو معظم أدلة النحو ، والمعولّ في غالب مسائله عليه، كما قيل: إنما النحو قياس يتبع".
أنواع القياس في علم النحو
القياس النحوي هو عمل يقوم به الباحث، وهو- كما مر ذكره – "حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه"، وللقياس النحوي أنواعٌ عدة نوردها فيما يأتي:
القياس الأصلي
وبعضهم يسميه القياس العام، وهو إلحاق اللفظ بنظيره المسموع والمماثل، ولقد استعمله النحويون في كثير من الأحكام، وبخاصّة في أبنية المصادر والجموع، وتصريف الأفعال، والصيغ الصرفية.
قياس التمثيل
المقصود بقياس التمثيل: إلحاق نوع من الكلم بنوع آخر في حكم وهو ما ينكره بعض النحاة ويعنونه بقولهم: إن اللغة لا تثبت بالقياس. ويأخذ النحاة بقياس التمثيل لإثبات أصل الحكم، وكثيرًا ما يرجعون إليه في تأييد المذهب بعد بنائه على السماع، ويكون قياس التمثيل صحيحًا، ويتم الاستدلال به على تقرير حكم من أحكام اللفظ متى كان وجه الشبه بين الأصل والفرع واضحًا، أو ظهر أن ما ذكره المستدل على وجه التعليل هو العلة التي يرتبط بها حكم الأصل.
قياس الشبه
هو أن يُحمل الفرع على الأصل لضرب من الشبه غير العلة التي عليها الحكم في الأصل. وهو نوع لا تراعى فيه العلة. بإلحاق الفرع على الأصل وحمله عليه لشبه بينهما غير العلة، نحو إعراب المضارع لشبهه باسم الفاعل، ولا وجود لعلة تذكر، في تخصصه (بعد شياعه)، وإعراب الاسم لإزالة اللبس، فهو يأتي في الكلام بأوجه متعددة المعاني لا يميز بينها إلا الإعراب، فالاسم يأتي مبتدأ ويأتي فاعلًا، ويأتي مفعولًا، ويأتي اسمًا مجرورًا.
قياس العلة
وهو حمل الفرع على الأصل ، بالعلة التي علق عليها الحكم في الاقتراح في علم أصول النحو العربي مثل حمل نائب الفاعل على الفاعل بعلة الإسناد. قياس العلة يقصد به وجود علة بين الأصل والفرع، وله أقسام متعددة، أحدها أن تكون العلة في الفرع أقوى منها في الأصل، وثانيها قياس المساوي وهي أن تكون العلة في الفرع والأصل على سواء، وثالثهما قياس الأدنى وهي أن تكون العلة في الفرع أضعف منها في الأصل.
قياس الطرد
وهو ما يوجد معه حكم في القياس، وتنتفي فيه المناسبة في العلة، وهو ليس شرطًا في القياس، وهناك من النحويين من لا يراه حجة لأنه يفقد غلبة الظن، فعدم انصراف "ليس" لا يعد سببًا في بنائها لأن البناء أصل في الأفعال، وإلا انجر عدم الانصراف على جميع الأفعال، وإعراب ما لا ينصرف بعدم الانصراف لاطراد الإعراب في كل اسم غير متصرف، ويرد ابن الأنباري قياس الطرد، ولا يعتبر الطرد علة، لأنه لا وجه فيه للمشابهة.
قياس إلغاء الفرق
يكون ذلك بتبيين أن الفرع لم يختلف مع الأصل إلا في أمور لا تبطل اشتراكهما في الحكم. نحو: قياس الظرف على المجرور. فهما يتفقان دائمًا إلا فيما لا يرتبط بالحكم.
أركان القياس
للقياس أربعة أركان وهي الأصل : وهو المقيس عليه، الفرع : وهو المقيس، الحكم، العلة الجامعة. قال ابن الأنباري : " وذلك مثل أن تركب قياسا في الدلالة على رفع ما لا يسم فاعله، فتقول: اسم أسند إليه مقدما عليه، فوجب أن يكون مرفوعا قياسا على الفاعل. فالأصل: هو الفاعل، والفرع : ما لم يسم فاعله بالعلة الجامعة التي هي الإسناد.
أصل القياس
وهو في الأصل ما قيس عليه غيره في الحكم، ويراد به هنا: المقيس عليه وقد يكون أصلًا لفرع متعدد. ويشترط في المقيس عليه أن يكون مطردًا في السماع والقياس معًا؛ بمعنى أن لا يكون خارجًا عن سنن القياس. وهذا هو القيد الوحيد الذي اشترطه النحاة في المقيس عليه.
الفرع
والفرع أي "المقيس" : هو ما انقاس على غيره؛ ويراد به ما لم يُسمع عن العرب، وإنما أريد إلحاقه بالمسموع عنهم إذا كان في معناه، فيأخذ بذلك حكمه؛ لأن ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم حكمًا. وينقسم المقيس إلى قسمين، قياس النصوص اللغوية المسموعة عن العرب، وقياس على الأحكام الناشئة عن الظواهر النحوية.
الحكم
وهو في الأصل مصدر حَكَمَ عليه، وله، وبه؛ بمعنى: قضي وفصل. والحكم: القضاء والفصل. والمقصود به هنا: المقضي به، والمحكوم به، والمفصول به؛ فكأن لفظ الحكم بمعنى المحكوم به. وهذا الركن هو الغرض من القياس، لأن عملية القياس أجريت من أجل إعطاء المقيس حكم المقيس عليه . والحكم الصادر بالقياس واقع عند النحاة في عدة أنواع منها: واجب، وجائز، وممنوع، وقبيح.
العلة
هي الصلة الجامعة بين المقيس والمقيس عليه، وهي مدار صحة القياس؛ إذ لا تتحقق عملية القياس إلا بعد توافر ما يجمع بين طرفي القياس (العلة). يشترط في صحة العلة الاطراد عند جمهور العلماء فيوجد الحكم بوجوده في كل موضع، كاطراد الرفع في كل ما أسند إليه الفعل، وجر كل ما دخل عليه حرف الجار لوجود عامله، ونصب كل مفعول وقع عليه عمل الفعل، وجزم كل ما دخلت عليه الحروف الجازمة لوجود عامل الجزم.
أهمية القياس في علم النحو
يمثل القياس الوجه الآخر لأصول النحو العربي؛ إذ إنه يمثل الجانب الذهني من عملية بناء الأصول والقواعد بعد السماع والرواية؛ لذلك نجد النحو العربي لا يستغني عنه، ولا يكاد مؤلف يخلو منه، إذ لا بد من اللجوء إليه لسن القوانين اللغوية، فهو من أدلة النحو الأولى، لأن النصوص المسموعة محدودة، والتعبيرات غير محدودة، فيحمل بعضها على بعض، ولذا ظهر القياس منذ عهود النحو الأولى، وقد احتل القياس منزلة كبيرة في فكر النحاة.
لا شك أن السّماع في الأصول النحوية مقدّم في الترتيب الاستدلالي على القياس؛ إذ يشمل الاستدلال بالكتاب والسّنّة اللذين لهما حق التقدم في الاستدلال على أي دليل آخر. ويعتبر القياس الأصل الثاني بعد السماع والقياس هو ردّ الشيء إلى نظيره، ويشكّل القياس الجزء الأعظم في النّحو.