الخصائص الفنية لخطبة الوداع
الخصائص الفنية لخطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
بدأت خطبة حجة الوداع بحمد الله والاستعانة به والاستغفار من الذنوب وسيئات الأعمال، وكثرت فيها الأساليب الإنشائية للفت الانتباه وجذب السامعين ونذكر من هذه الأساليب:
النداء
استخدم الرسول الكريم هذا الأسلوب في خطبته لتحقيق تفاعل مباشر بينه وبين الجمهور، فقال مثلاً: "أيها الناس"، إذ يُشعر أسلوب النداء المخاطبين بقرب الخطاب، ويثير تفاعلهم مع الخطيب.
الأمر
ظهر أسلوب الأمر في خطبة الرسول كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اسمعوا مني أبين لكم "، وقد اشتملت الخطبة على الأمر الحقيقي والمجازي الذي خرج إلى معانٍ بلاغية كالاباحة، والتعجيز، والتهديد، وقد كان هنالك تنويع في صيغ الأمر فأحيانًا كان يأتي الأمر بصيغة فعل الأمر كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم فاشهد، اسمعوا مني "، وأحيانًا أخرى كان يأتي بصيغة المضارع المقترن بلام الأمر كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها".
المقابلة
ظهرت المقابلة كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له".
التكرار لغاية التأكيد على المعنى
كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- في نهاية كل فقرة: "ألا هل بلغت، اللهم فاشهد"، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم- في تنبيه السامعين: "أيها الناس".
خصائص فنية أخرى لخطبة الوداع
- الإكثار من أدوات التوكيد ، إذ أكثر نبي الله من استخدام أدوات التوكيد كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان قد يئس"، وكما في قوله تعالى: "أن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم".
- الألفاظ السهلة الواضحة بأسلوب قوي متماسك؛ كونها دستور للناس جميعًا يتوجب على الجميع فهمها والعمل بمضمونها لذلك كانت واضحة ومتسلسلة في أفكارها.
- اشتمالها على التعاليم الدينية كتحريم الدماء والأموال والأعراض، وتحريم الربا، والعادات الجاهلية وغيرها.
- التركيز على الحجج والدلائل بأسلوب عقلاني قريب من أذهان السامعين، ويتضح ذلك بذكره لعامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كمثال قريب من أذهانهم في تحريم عادة الثأر.
- تجنب الأساليب البديعية إلا ما جاء منها عفو الخاطر لخدمة الفكرة والموضوع ونذكر من ذلك:
- استخدام أسلوب الاستفهام، إذ جاء في الخطبة كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا هل بلغت".
- أسلوب النهي ، فقد استخدم الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم في خطبته أسلوب النهي، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فلا ترجعن بعدي كفارًا".
- استخدام الطباق كما في (عربي وأعجمي)، و(شاهد وغائب).
اللفظ والمعنى في خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم
إنّ أبرز ما ميز ألفاظ الخطبة ومعانيها السهولة والوضوح، وذلك لأن الخطبة موجهة إلى الناس عامتهم وخاصتهم دون استثناء وعليه كان من صميم الحكمة والتوفيق الإلهي أن تأتي ألفاظه عليه السلام على هذا النحو من السهولة والوضوح، ومن القوة والمتانة بعيدة عن التكلف أو التصنع أو المبالغات المقيتة التي تقلل من شأنه النص الأدبي، كما جاءت ألفاظه ومعانيه عليه السلام متأثرة بالقرآن الكريم ولذلك فقد اكتسبت سحرًا وتأثيراً في نفوس السامعين الأمر الذي دفعهم إلى الإسراع في إبلاغ وصاياه عليه السلام.
العاطفة في خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم
وردت في الخطبة عاطفتان رئيسيتان هما:
- عاطفة دينية: لأن الخطبة تركز على التعليمات الدينية.
- عاطفة الخوف والإشفاق على المسلمين: برزت هذه العاطفة، وتبعها التأكيد على ضرورة التزامهم بالتعليمات الدينية لنجاتهم.
الأسلوب العام في خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم
اعتمد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أسلوبًا عقليًا قائمًا على إيراد الحقائق، ومخاطبة العقل كي يميز بين الحق والباطل وبين الغث والسمين، كما اعتمد الرسول الكريم أسلوبًا موسيقيًا مؤثرًا ليشد انتباه السامعين إلى أقواله وقد تأتى له ذلك من خلال المقابلة والموازنة بين الجمل والعبارات مع قلة التقديم والتأخير والحشو، وكان أسلوبه عليه السلام قويًا متينًا حيث اعتمد الجمل الفعلية أكثر من غيرها ليكسب النص قوة وتأثيرا كما اعتمد المزاوجة بين الخبر والإنشاء ، ولم يتح المجال للعاطفة للظهور كثيرًا أو للخيال أن يحلق بل بقي بسيطًا وفق ما اقتضاه الحال.