الحياة الاجتماعية بين العصر الأموي والعباسي
الحياة الاجتماعية في العصر الأموي
لعل ما يميز هذا العصر هو الإدارة الحكيمة التي اتبعها الأمويون في إدارة الدولة الإسلامية ، حيث كانت تقوم إدارتهم على أسس ثابتة، تبغي الصالح العام الذي يوفر الأمن والاستقرار، حيث كان الأمويون حريصين على العدالة في جمع الأموال وجبايتها وتوزيعها في بداية الحكم على الشعب.
ولكن وبالرغم من ذلك لم يستطع خلفاء بني أمية المحافظة على نمط حياة الخلفاء الراشدين من زهد وبساطة في المأكل والمشرب والملبس، مما أدى لتقسيم المجتمع إلى خمس طبقات وهي كالتالي:
- طبقة الخلفاء وأبناؤهم وأفراد أسرتهم، وهؤلاء بحكم وضعهم أصبحوا في منزلة لا يدانيهم فيها أحد.
- طبقة كبار الولاة وغيرهم من كتاب الدواوين.
- العلماء والمفكرين وهذه الطبقة كانت تحظى بمحبة واحترام من قِبل الشعب.
- كبار الأثرياء والتجار ورؤساء العشائر.
- عامة الناس من الزراع والحرفيين.
وبشكل عام فقد كان يعيش الخلفاء الأمويين حياة الترف بعد أن كثرة الأموال في أيديهم بسبب كثرة الغنائم من الحروب، وقد سعى الخلفاء الأمويين لترسيخ قواعد الدولة من خلال البذل والعطاء على الناس حولهم، ولكن كان هناك بعض خلفاء بني أمية لم يحسنوا التصرف والقيادة وكانوا يهدرون الأموال على ملذاتهم وشهواتهم.
مظاهر الحياة الاجتماعية في العصر الأموي
كان المجتمع الأموي مجتمعا شابًا قويًا، فيه الثراء والقوة العسكرية والاقتصادية والحياة العلمية والفكرية، وقد تخلل تلك الحياة الجادة بعض مظاهر اللهو والتسلية البريئة للترويح عن النفس، مثل مجالس الشعراء والأدباء في قصور الخلفاء، وكذلك عرفوا العديد من وسائل الترفيه مثل: الشطرنج والنرد وسباق الخيل.
وقد شهدت الحياة في ذلك الوقت تغييرًا واضحًا من حيث المأكل حيث عرفوا الملاعق الخشبية، وأصناف جديدة من الطعام نتيجة الفتوحات الإسلامية ، وعرفوا نوعا جديدا من الملابس بسبب تأثرهم بثقافات الشعوب الأخرى، أما بالنسبة للمرأة في ذلك العصر فقد أصبح لها مكانة رفيعة في المجتمع بالرغم من انتشار الجواري من سبايا الحروب.
الحياة الاجتماعية في العصر العباسي
يقسم المجتمع في العصر العباسي إلى عدة طبقات؛ نتيجة للتوزيع غير العادل للأموال، فقد كان هناك طبقة تنعم بالحياة الرغيدة، وهي طبقة الخلفاء وحواشيهم من البيت العباسي، والوزراء، والقواد، وكبار رجال الدولة ومن اتصل بهم من الشعراء والعلماء والمثقفين والمغنين، وطبقة حرمت حقوقها واستعبدت وكُتب عليها الشقاء والفقر من الشعب الذي كان يكدح لملأ خزائن الدولة.
والجدير بالذكر هنا أن إغداق الأغنياء على المغنيين كان له أثره في انتشار الغناء والمجون بين طبقة الشعب، فمن الأمثلة على عطايا الخلفاء للمغنيين: إعطاء الخليفة المهدي مبلغ مائة ألف درهم لمروان بن أبي حفصة على مدحته (ذائع مشهور)، ولعل كثرة هذه العطايا ساهمت في ظهور طبقة العلماء والأدباء وانتشار الثقافة و الأدب والترجمة.
ولعل هذا البذخ ومعاملة الشعب معاملة الرقيق كان السبب الرئيسي للثورات على العباسيين وخاصة في إيران، والفرق الشاسع بين الطبقة الحاكمة والطبقة العاملة أدى لظهور التجمعات السرية واعتناق الناس لعقيدة التشيع، ولكن هذه الثورة أخفقت بسبب سوء الشعارات واللافتات التي استخدمتها الأطراف المعادية آنذاك، وبفشل تلك الانقلابات استمر العباسيون وحاشيتهم بالبذخ والترف.
ظهور الطبقة الوسطى في العصر العباسي
لقد هيأ الترف في العصر العباسي لنشوء طبقة وسطى في بغداد و مدن العراق من التجار والصناع الذين كانوا يتفنون بتجارتهم من حيث جلب كل ما هو نفيس، وكان أكثرهم ثراءً البزّازين والعطارين وتجار التحف النفيسة؛ بسبب كثرة اهتمام الخلفاء بهذه الأمور.
ومن جوانب البذخ أيضا في ذلك العصر تغيير آداب المائدة بين الطبقة المترفة؛ حيث كانوا يشربون ويأكلون بأواني الذهب والفضة، وهذه الحياة المليئة بشتى أنواع الترف ساهمت في انتشار اللهو بين الخلفاء، كالصيد بالبزاة والصقور والكلاب والفهود، كذلك انتشر سباق الخيل وسباق الحمام الزاجل ولعبة الصولجان -هو كرة تضرب من فوق ظهر الخيل- ولعبة الشطرنج.
أما بالنسبة للعامة فقد كان لهم ملاهيهم المتواضعة وفي مقدمتها الفُرجة على القرّادين والحوّاثين، وتلك الأماكن كان يتجمع بها القُصّاص الذين يطرفونهم بحكايات خيالية، وقد كثر انتشار الغناء بينهم لأنه كان متنفسهم الوحيد لما يبعث في نفوسهم من غبطة وابتهاج.
طبقة الرقيق والجواري وانتشار المجون في العصر العباسي
كثِر الرقيق في العصر العباسي بسبب كثرة مَن كانوا يؤسرون بالحروب، حتى أنه في بغداد كان هناك شارع يسمى (شارع الرقيق)، وكان يقوم على ذلك موظف يسمى (قيم الرقيق). وقد كان رقيق النساء من الجواري أكثر من رقيق الرجال.
وكل هذه العوامل أدت لانتشار المجون الذي ورثه المجتمع العباسي عن المجتمع الساساني الفارسي، ولعل أول مَن أُغري بالخمر هو الخليفة العباسي الهادي، وتبعه الرشيد، وهذه الموجة كان منتشرة لدى بعض الخلفاء الأمويين في العصر الأموي في عهد الوليد بن يزيد في دمشق، وقد أصبح الخمر مادة للشعراء يتغنون به في أشعارهم.
وهذا الفساد الأخلاقي في ذلك العصر أدى إلى انتشار الغزل المكشوف الذي لا تصان به كرامة المرأة والرجل بين الشعراء والعامة، إذا لعلنا نلاحظ أن كلا المجتمعين الأموي والعباسي تميزا بالترف وكثرة الأموال التي ساهمت في تعدد مظاهر الحياة الاجتماعية، لكن ما يميز العصر الأموي هو السياسة العادلة في تقسيم طبقات المجتمع على عكس السياسة العباسية.