الحكم الشرعي للتكهن
بيان المقصود بالكهانة والتنجيم
المقصود بالكهانة: زَعمُ الادعاء بعلم الغيب ، فالكاهن شخصٌ يزعم معرفته بأمور مُضمرة في عالم الغيب، وأكثر الكهَّان يزعمون اتصالهم بالجن الذين يخبرونهم بذلك، وقد يُعبَّر عنه بتعبيرات أخرى: كالعرَّاف والرمَّال والمُنجِّم.
وهنالك مَن جعل مصطلح الكاهن والمنجِّم خاصاً بمن يُخبر -بواسطة الجن وعلم الفلك- عن المغيبات في المستقبل، بينما العرَّاف: يُخبر عن المغيبات في الحاضر كتعيين السارق ومكان المسروق والضائع.
حكم العمل بالكهانة والتنجيم
أجمع علماء العقائد والفقه في كل العصور على أنَّ التكهن يحرم التكسُّب به، كما أجمعوا تحريم إتيانه وسؤاله عن المغيبات، وأجمعوا على أنَّ التصديق بما يزعمه من معرفة الغيب يصل إلى الكفر المخرج من الملة ، مُستدلين بما يأتي:
- روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحمَّدٍ).
- نهى الرسول عن أكل الكاهن ما اكتسبه بالكهانة وجعله بمنزلة أجرة البغي، فقال أبو مسعود عقبة بن عمرو -رضي الله عنه- نقلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه: (نَهى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ)، والمقصود بـ (حُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بضم الحاء، مصدر من الفعل: حَلَوْتُهُ بمعنى أعطيته، وأصل الكلمة من الحلوى، فشبَّهه بالشيء الحلو؛ لأنَّه يأخذه بسهولة وبلا مشقة.
- بيَّن ابن عابدين أنَّ الذي يدَّعي أنَّ له صاحباً من الجن -يُخبره عمَّا سيكون- يُحكم عليه ويُحكَم على مُصدِّقه بالكفر أيضاً؛ فيكفُر الكاهن بادعاء علم الغيب ويكفر الذي يأتيه بتصديقه، كما يكفر من يقول أنا أعلم مكان المسروقات.
وذلك لادعائه العلم بغيوب اختصَّ الله -تعالى- بها نفسه، فقال: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، ويقيناً أنَّ المُنجِّم ليس مِمَّن (ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، فأودعهم العلم بالغيب بوحيٍ من عنده.
- ذكر القرافي أنَّ الفقهاء حكموا بقتل الكاهن بسبب الردة -بغير استتابة-؛ لِما جاء في الحديث القدسي: (أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ).
وقيل: بل يُستتاب، فإن تاب يُخلَّى سبيله وإن رفض يُقتل وقيل: يُزجر الكاهن عن ذلك ويُؤدَّب، ثم جمعَ القرافي بين تلك الآراء وقال: وهذا ليس اختلافاً في الرأي، بل كل قولٍ منها بحسب الحال.
مكانة الكهانة في الجاهلية
كانت الكهانة من الوظائف المرموقة في العصر الجاهلي ، فقد كان الكاهن يُعدُّ من سادة القبيلة وأشرافها، ولا يُعتد بكهانة مَن لم يكونوا من هذه الطبقة؛ ليكون حكمهم نافذاً بين الناس، بما لهم من عز ومنزلة وجاه، وكان لكلِّ قبيلة عظيمة كُهانها الذين تلتجئ إليهم في الملمات؛ لتستشيرهم وتعمل برأيهم، وبخاصة في الغزو والحرب فيسيرون معها بل وقد يقودونها في المعارك.
وبلغت سطوة بعض الكهنة حتى صاروا يحكمون بين الناس فيما يقع بينهم من خلاف، حتى إنَّ أكثر حُكام العرب كانوا كهَّاناً، يقصدهم المتخاصمون من مواضع بعيدة لِما عُرفوا به من أصالة الرأي، وصحة وقطعية أحكامهم.
وعلى الأطراف المتخاصمة التعهد بإطاعتهم قبل سماع الشكوى وعدم ردها مهما كان نوع الحكم، وبسبب تأثير بعض الكهنة وسطوتهم كان لبعضهم أثر مهم في إقناع قبائلهم للدخول في الإسلام والعكس.