الحديث والسيرة
تعريف الحديث النّبوي الشّريف
يُعرّف الحديث لغة بأنّه الجديد من الأشياء، ويُطلق على الخبر، ومنه قول الله -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا)، وقوله -تعالى- في سورة سبأ: (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)، وجمعه أحاديث، وأمّا اصطلاحاً فهو كلّ ما أُضيف أو أُثِرَ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، والسنّة والحديث متشابهان في المعنى الأصولي، ولكنّ السنّة لا تشمل الصّفة لأنّها تعتبر مصدراً للتشريع في الأقوال، والأفعال، والتقريرات النبويّة.
وأمّا معنى السنّة لغة فهي الطّريقة، سواء كانت محمودة أو غير محمودة، ومنه ما جاء في صحيح مسلم قول الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ له مِثْلُ أَجْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عليه مِثْلُ وِزْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ)، وأمّا اصطلاحاً فهي مرادفة لمعنى الحديث في الاصطلاح عند علماء الأصول.
فيُعدّ الحديث هو الجانب النّظري، والسنّة هي الجانب العمليّ، مثال ذلك نقول: من السنّة صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وهنا جاء معنى قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيين، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ)، أي أنّ عليكم اتّباع أفعال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والخلفاء الرّاشدين من بعده، وقد صحّ عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه كان قد أعطى موعظة للنّاس حتى ذرفت منها الدّموع، ثم قال: (أوصيكم بتقوى اللهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ، فإنه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا). وأمّا الفرق بين الحديث النبويّ والحديث القدسيّ فيمكن اختصاره فيما يأتي:
- الحديث القُدسيّ ينسبه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الله -عزّ وجل-، فيقول فيه: "قال الله -تعالى-"، وأمّا الحديث النبويّ فلا تُذكر فيه هذه الصّيغة، وتأتي على لسانه -عليه الصّلاة والسّلام-.
- الحديث القدسيّ قوليّ فقط، أمّا الحديث النبويّ فيدخل فيه الأقوال، والأفعال، والتقارير.
ما ورد عن النبي من قول
السنّة القوليّة هي الألفاظُ النَّبويَّة؛ أي ما قاله النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من غير أن تكون قد اقترنت بفعل، ولا يعني ذلك عدم اقترانها بفعل، بل معناها أنّه حين قالها لم يكن يقم بفعل هذا الأمر، وقد جاء في صحيح البخاريّ أمثلة على السنّة النبويّة، منها قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وعِيَادَةُ المَرِيضِ، واتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسِ)، ومنها كذلك قوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ).
ما ورد عن النبي من فعل
السنّة الفعليّة هي التصرّفات النبويّة العمليّة، ومنها حديث ابن عباس -رضيَ الله عنه- المذكور في صحيح البخاريّ، فقد قال -رضي الله عنه- عن صفة وضوء النبيّ: (أنَّه تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وجْهَهُ، أخَذَ غَرْفَةً مِن مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بهَا واسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أخَذَ غَرْفَةً مِن مَاءٍ، فَجَعَلَ بهَا هَكَذَا، أضَافَهَا إلى يَدِهِ الأُخْرَى، فَغَسَلَ بهِما وجْهَهُ، ثُمَّ أخَذَ غَرْفَةً مِن مَاءٍ، فَغَسَلَ بهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أخَذَ غَرْفَةً مِن مَاءٍ، فَغَسَلَ بهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ برَأْسِهِ، ثُمَّ أخَذَ غَرْفَةً مِن مَاءٍ، فَرَشَّ علَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بهَا رِجْلَهُ، يَعْنِي اليُسْرَى ثُمَّ قالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ).
ما ورد عن النبي من تقرير
التقرير هو أن يفعل الصحابيّ فعلاً، فيراه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أو يسمع به فيوافق عليه ولا يُعارضه، فالإقرار ليس من أقوال النبيّ وأفعاله، ومثاله ما جاء في صحيح البخاريّ من رواية عبد الله بن عمر -رضيَ الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال لهم لمّا رجعوا من غزوة الأحزاب: (لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ فأدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ في الطَّرِيقِ، فقالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حتَّى نَأْتِيَها، وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذلكَ، فَذُكِرَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ واحِدًا منهمْ).
ما ورد عن النبي من صفة
الصّفة هي الخصائص التي وُصف بها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فهي لا تتّعلق بأقواله وأعماله، جاء في صحيح مسلم عن البراء بن عازب -رضيَ الله عنه- في وصف خَلق الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا، ليسَ بالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بالقَصِيرِ)، ويجب أن نعلم أنّ ما كان يُحبّه النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أو ما كان يُبغضه لا يندرج تحت الصّفات، بل يندرج تحت الأفعال، كما يندرج في الصّفات: الصّفات الخُلُقية كذلك وليس الخَلقية فقط، ومنها ما صحّ عن عبد الله بن عباس -رضيَ الله عنهما- أنّه قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ).
ماهي السيرة النبوية وأهمية دراستها
ماهي السيرة النبوية وبماذا تعتني
تُعرّف السيرة لُغة بالسنّة، وجمعها سِيَر، ومعناها الطريقة، سواءً كانت حسنة أو سيّئة، ويُطلق على قصص الأوائل السيرة، وهي كذلك الهيئة، قال الله -تبارك وتعالى-: (سَنُعيدُها سيرَتَهَا الأولى)، فعندما نقول: قرأت سيرة فلان؛ أي أنّني قرأت تاريخ حياته، وأمّا السيرة اصطلاحاً فلها عدّة معانٍ، فقد تكون مُرادفة لمعنى السُّنة عند علماء الحديث، أي أنّ معناها ما يُضاف للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من قول، أو فعل، أو تقرير، وقد تعني هدي النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كما يَصطلح عليه أهل العقيدة وأُصول الدّين، وقد تعني أخبار ومغازي النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كما يصطلح عليه علماء التاريخ.
وإذا جمعنا كلّ ما سبق نستنتج معنى السيرة النبويّة، فهي كلّ ما كان في حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وبيان أخلاقه وصفاته، إضافة إلى غزواته. وسيرة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- لا بد في تصنيفها من اتّباع منهجيّة علميّة، وضوابط محدّدة تجعل منها موضع دراسة لعوامّ النّاس، وفي هذا الصدد لا بد للانتباه لبعض الأمور المهمّة، نذكرها فيما يأتي:
- المصادر التي يُعتمد عليها بنقل السيرة النبويّة.
- التّأصيل الشرعيّ للمعلومات الواردة في السيرة النبويّة .
- تفسير الأحداث النبويّة.
- استخراج الدروس والفوائد التربويّة من سيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- الاهتمام وإبراز السُّنن الرّبانيّة.
- الإشارة إلى النّقاط التي يُقتدى فيها بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- صدق المشاعر، والوفاء بحقوق النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-.
أهمية السيرة النبوية ودراستها
إنّ للسيرة النبويّة ودراستها أهميّة كبيرة نذكرها فيما يأتي:
- معرفة مقاصد الشريعة وحياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع الصحابة وطريقة عباداتهم، لأنّ ذلك يُساعد المسلمين على الاقتداء بهم، والسَّير على النّهج الذي يرتضيه الله -سبحانه وتعالى-، فالسيرة النبويّة لا تُقدّم التّشريع فقط، بل هي نموذج للتربية الصّحيحة، ونموذج للحياة الاجتماعية، والإدارية، والاقتصادية، والسياسيّة.
- بناء السّلوك التربويّ والدّعوة الإصلاحيّة التي تُوجّه الإنسان، فهيَ تُقاس على كلّ ما قد يُصادف الإنسان من مواقف وأزمات لتكون عبرة له، ولهذا نجد أنّ الكثير من العلماء لجؤوا لكتابة السيرة وتدريسها لطلبة العلم صغاراً وكباراً؛ لتنشئتهم وترسيخ المنهج الصّحيح القويم فيهم.
- تقديم نموذجٍ عمليٍّ حول سؤال: "كيف أصبح المسلمون بهذه القوة والسّيادة"، ممّا أدى لبناء الدّولة الإسلاميّة، والتوسّع في الفتوحات بقوّة إيمانهم وعقيدتهم، وتأييدهم من الله -تعالى-.
- التّثبت من سيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فهي طريق الهُدى والسّلوك الصّحيح الذي على المسلمين اتّباعه، لذلك ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم الكثير من قصص سِيَر الأنبياء السّابقين لتكون عبرة لنا، قال الله -عزّ وجل-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ)، وقد أمرنا الله -تعالى- بالاقتداء بهم فقال -تعالى-: (أُولـئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّـهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه).
- تتمثّل السيرة النبويّة بأنّها صورة تطبيقيّة عمليّة للأحكام الشرعيّة ، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).
- اعتبار السيرة النبويّة مصدراً تاريخياً موثّقاً بمصادره وأسانيده لكلّ تلك الحقبة الزمنيّة؛ من قبل ولادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وفي نشأته، وبعد بعثته.
- تقديم صورة لقوّة وعظمة الدّين الإسلاميّ الذي كَوّن حضارة بأقل من ثلاثة وعشرين سنة.
- تقديم السيرة النبوية تلخيصاً لفترة زاهرة من تاريخ الأمة الإسلاميّة والإنسانية جمعاء.
- طريقة لمعرفة وفهم شخصيّة النبيّ الشّريف -عليه أفضل الصّلاة والسّلام-.
- تُعين على فهم القرآن الكريم وتدبّر معانيه، وذلك بعد معرفة أسباب النّزول وغيرها من الأحداث التي أنزل الله -تعالى- بها آيات من القرآن الكريم.
- سبباً للتعرّف على صحابة النبيّ -رضوان الله عليهم- ومواقفهم المُشرِّفة في الإسلام، ومؤازرتهم للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- انتقال السيرة النبوية بشكل كامل بالرّغم من الكمّ الهائل من الأحداث وتوثيق التفاصيل فيها، فهي السيرة الوحيدة في هذا العالم التي نُقلت بهذا الشّكل، وهذا يدلّ على اهتمام الصّحابة بهذا الأمر ومَن بعدهم، ويدلّ على تأييد الله -تعالى- لهم حتى وصلتنا بهذا الشكل.
الحديث النبوي من مصادر السيرة
يُعدّ الحديث النبويّ الشّريف من مصادر السيرة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- تُؤخذ السيرة النبويّة من كتب الحديث؛ ككتاب صحيح البخاريّ، وصحيح مسلم، وسُنن الترمذيّ ، وأبي داود، وابن ماجه، والنّسائي، ومسند الإمام أحمد، وموطأ مالك، ومعاجم الطبراني، ومستدرك الحاكم، وغيرها، وقد خصّصت مثل هذه الكتب أبواباً ذُكر فيها عن حياة ومناقب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وعن فضائل الصّحابة، وهذه المصنّفات من أهمّ المراجع التي تحتوي على روايات صحيحة من السيرة النبويّة.
- تُؤخذ السيرة النبوية من كتب السيرة المختصّة، وهي كثيرة اعتمدوا في تصنيفها على ما جاءنا من روايات من عصر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وممّن اهتمّ بهذا الأمر: الصحابيّ البراء بن عازب وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، حيث كان لهم تلاميذ كتبوا عنهم وحفظوا السيرة ونقلوها لمن بعدهم، وممّن لهم مصنّفات في هذا الأمر:
- موسى بن عقبة.
- محمَّد بن إِسحاق.
- محمَّد بن عمر الواقدي في كتابه المغازي.
- محمَّد بن سعد الزّهري في كتابه الطبقات الكبرى.
- ابن عبد البر القرطبيّ في كتابه الدّرر في اختصار المغازي والسير.
- ابن حزم الأندلسيّ في كتابه جوامع السيرة، وغيرهم الكثير.
- تُؤخذ السيرة النبوية من المدوّنات في الحديث التي فيها أسانيد متّصلة صحيحة خضعت للفحص على أيدي علماء الجرح والتّعديل.
- تُؤخذ السيرة النبويّة من مصنّفات السيرة النبويّة التي اختصّت بالسيرة من خلال اتّباعها منهجيّة علميّة، وضوابط محدّدة تجعل منها مرجعاً شاملاً للسيرة يسهل الوصول إليها.