الجمل التي لها محل من الإعراب
ما هي الجمل التي لها محل لها من الإعراب؟
إن الكلام عند النحاة هو اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها، بحيث لا ينتظر السامع تكملة، ويرى الزمخشري أن الكلام يطلق على أي مركب من كلمتين بينهما إسناد مثل الفعل والفاعل.
وهذا التعريف يصح أيضًا لتعريف الجملة على ما قرره جمهور النحاة، فالكلام هو الجملة ومرادف لها، وفي نحو قولنا: "إن جلس خالد قام زيد"، فقولنا "إن جلس خالد" هو جملة؛ لأنه لفظ مركب، ولكنه ليس كلامًا في اصطلاح النحاة؛ لأن "إن" الشرطية قبّحت السكوت عليه.
والأصل ألّا يكون للجملة موضع من الإعراب كما نص على ذلك أبو حيان، ولكن قد يُخرج عن هذا الأصل، فيكون لها محل من الإعراب، وإنما يكون ذلك عندما تكون في قوة الاسم المفرد.
وقد استقرأ العلماء من كلام العرب الأقحاح مواضعَ الجمل التي لا محل لها من الإعراب، فبلغت سبعة أنواع كلية، ومن حيث التفصيل، فإنها تبلغ أكثر من ذلك، ويأتي تفصيل وبيان الجمل التسع التي لها محل من الإعراب، وتحل محل المفرد وتعرب إعرابه تقديرًا.
الجملة التي تقع في محل رفع الخبر
الجملة الاسمية تتكون من متبدأ وخبر ، فأما الخبر فهو الجزء الذي تتم به فائدة الكلام، والأصل فيه أن يكون مفردًا، ولا يكون إلا مرفوعًا، كقوله تعالى: "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ " ، فكلمة "خير" هي الخبر، وقد جاء مفردًا كما هو الأصل، ولكنه قد يأتي جملة، كما قال ابن مالك في أنواع الخبر: "ومفردًا يأتي ويأتي جملة".
وهذه الجملة قد تكون اسمية كقول ربنا: "وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ" ، فالجملة الاسمية "بعضهم أَوْلى ببعض" في محل رفع خبر المبتدأ "أولو"، وقد تكون الجملة فعلية كقول ربنا: "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ" .
فالجملة الفعلية "يجتبي" في محل رفع خبر المبتدأ الاسم الكريم "الله"، ويشترط أن تحتوي الجملة الفعلية (الخبر) على رابط يربطها بالمبتدأ مثل الضمير، فالجملة هنا- سواء أكانت اسمية أو فعلية- فإنها واقعة موقع الخبر وسادة مسد المفرد فأخذت حكمه.
الجملة التي تقع في محل الصفة
هي الجملة التي تكون بعد نكرة، بغرض أن تخصصها أو تحدِث زيادة في تخصيصها، فتأخذ الحكم الإعرابي للنكرة، إن رفعًا فرفع، وإن نصبًا فنصب، وإن جرًّا فجر، وشرطها أن يكون فيها الضمير عائدًا على تلك النكرة، نظير قوله تعالى: "وَلَن نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابًا نَقرَؤُهُ".
فالجملة الفعلية "نقرؤه" جاءت بعد النكرة المنصوبة "كتابًا"، وعليه فإن الجملة الفعلية "نقرؤه" في محل نصب، وقول ربنا: "فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها".
فالجملة الفعلية "استطعما" جاءت بعد النكرة المجرورة "قرية"، وعليها فإنها في محل جر، وكقول ربنا: "اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ" ، فالجملة الاسمية "لا مرد له" جاءت بعد نكرة مرفوعة "يومٌ"، فهي في محل رفع.
الجملة التي تقع في محل نصب الحال
الأصل في الحال أنه منصوب يبين هيئة صاحبه ، وكذلك في الجمل التي تكون في محل نصب حال، كقوله تعالى:" وَجاءوا أَباهُم عِشاءً يَبكونَ"، فالجملة الفعلية "يبكون" في محل نصب حال من الواو التي هي فاعل "جاءوا"، وكقوله تعالى: "لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ".
فالجملة الاسمية "وأنتم سكارى" في محل نصب حال، وثمة تفصيل في تصدير جملة الحال بالواو واحتوائها على ضمير عائد، كي لا نطيل بذكره.
الجملة التي تقع في محل نصب المفعول به
وقد عرّفها النحاة بأنها الجمل التي تكون محكيّة بالقول، أو تكون محكية بما رادف القول دون حرف تفسير، وهذا النوع من الجمل يأتي على أضرب بحكم الاستقراء:
- المحكية بالقول
إذا ورد اللفظ مع استبقاء صورته الأولى، كقوله تعالى: "قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ"، فجملة "إني عبد الله" في محل نصب مفعول به.
- المحكية بما رادف القول
إ ذا ورد بعد المفعول الأول في باب ظنَّ أو المفعول الثاني لفعل من أفعال القلوب أو التحويل، كقولنا: ظننت عامرًا يكتب. فالجملة الفعلية "يكتب" في محل نصب مفعول به. وبعد المفعول الثاني من أفعال القلوب، كقولنا: أعلمتُ خالدًا زيدًا جدُّه مريض.
فالجملة الاسمية "جده مريض" في محل نصب مفعول به، وبعد المفعول الثاني لفعل من أفعال التحويل، كقوله تعالى:" وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم".
الجملة التي تقع في محل جواب الشرط الجازم
هي الجمل التي تكون جوابًا في أسلوب شرط ذي أداة جازمة، ولكن لا يصح أن تكون جملة شرط له، نظير قوله تعالى: "وَإِن لَم يُعطَوا مِنها إِذا هُم يَسخَطونَ"، فجملة "إذا هم يسخطون" في محل جزم جواب الشرط، وهذا الضرب من الجمل التي في محل جزم جواب الشرط، وهي الجملة المقترنة بـ"إذا" الفجائية.
أما الضرب الثاني فهي الجملة المقترنة بالفاء بعد فعل الشرط كقوله تعالى: "مَن يُضلِلِ اللَّـهُ فَلا هادِيَ لَهُ"، فجملة "فلا هادي له" في محل جزم جواب الشرط.
الجملة التي تقع في محل المضاف إليه
تكون هذا الجمل بعد ما يكون مضافًا، كقوله تعالى: "يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ"، فالجملة الفعلية "يحمى" في محل جر مضاف إليه، وهذا مثال الجملة الفعلية، وأما مثال الجملة الاسمية فنحو قوله تعالى: "يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ"، فالجملة الاسمية "هم على النار يفتنون" في محل جر مضاف إليه.
وكذلك الجمل التي تقع بعد "إذ، حيث، بينا، بينما"، فكلها في محل جر مضاف إليه، كقوله تعالى: "إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ"، فجملة "دخلوا " في محل جر مضاف إليه.
وكقوله تعالى: "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم"، فجملة "سكنتم" في محل جر مضاف إليه، وكقولنا: بينما أنا واقف جاء المعلم، فجملة "أنا واقف" في محل جر مضاف إليه، وكقولنا: بينما أنت نائم جاء صديقك، فجملة "أنا واقف" في محل جر مضاف إليه.
الجملة المعطوفة
هي الجملة التي تُعطَف على ما سبقها فتأخذ مثل محلها الإعرابي، إن رفعًا فرفع، وإن نصبًا فنصب، وإن جرًّا فجر، ومنه قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيقبِضنَ " ، فجملة "يقبضن" في محل نصب لكونها معطوفة على "صافَّات"، وكقوله تعالى: "وَكَم مِن قَريَةٍ أَهلَكناها فَجاءَها بَأسُنا بَياتًا أَو هُم قائِلونَ"، فالجملة "هم قائلون" في محل نصب لكونها معطوفة على "بياتًا".
جملة خبر إنّ وأخواتها
وتكون دائما في محل رفع، وقد جاءت جملةً اسمية كقولنا: إن سلمى أبوها مسافر. فالجملة الاسمية "أبوها مسافر" في محل رفع خبر إن، وقد جاءت جملة فعلية كقوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً"، فالجملة الفعلية "يأمركم" في محل رفع خبر إن، وكقوله تعالى:"إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ"، فالجملة الاسمية "هو الهدى" في محل رفع خبر إن.
جملة خبر كان وأخواتها
وتكون دائما في محل نصب، وقد جاءت جملةً اسمية كقولنا: كان الطالب معلمه شديد. فالجملة الاسمية "معلمه شديد" في محل نصب خبر كان، وقد جاءت جملة فعلية كقوله تعالى:"وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ"، فالجملة الفعلية "يكذبون" في محل نصب خبر كان، وكقوله تعالى:"وَنَجَّيناهُ مِنَ القَريَةِ الَّتي كانَت تَعمَلُ الخَبائِثَ"، فالجملة الفعلية "تعمل الخبائث" في محل رفع خبر إن.
أمثلة على الجمل التي لها محل من الإعراب
فيما يأتي عدد من الأمثلة على الجمل التي لها محل من الإعراب:
- قال النابغة الجعدي:
وَنَحنُ حَبَسنا الحَيَّ عَبسًا وَعامرًا
- لِحَسّانَ واِبنِ الجونِ إِذ قِيلَ أقبَلا
نحن حبسنا الحي: نحن: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ، حبسنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله ب"نا" المتكلمين، ونا المتكلمين: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، الحي: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والجملة الفعلية "حبسنا الحي" في محل رفع خبر المبتدأ.
- قال تعالى: "أُولـئِكَ مَأواهُمُ النّارُ": أولئك: اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ أول، مأواهم: مبتدأ ثان مرفوع وعلامة رفعة الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذُّر، وهو مضاف، هم: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه، النار: خبر المبتدأ الثاني مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره، والجملة الاسمية "مأواهم النار" في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
- قال بشامة بن الغدير:
أَتَتنا تُسائِلُ ما بَثُّنا
- فَقُلنا لَها قَد عَزَمنا الرَحيلا
قد عزمنا الرحيل: قد: حرف تحقيق لا محل له من الإعراب، عزمنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله ب"نا" المتكلمين، ونا المتكلمين: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، الرحيل: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والجملة الفعلية " عزمنا الرحيل" في محل نصب مفعول به، مقول القول.
- قال قطري بن فجاءة:
يا رُبَّ ظِلِّ عُقابٍ قَد وَقيتُ بِها
- مُهري مِنَ الشَمسِ وَالأَبطالُ تَجتَلِدُ
والأبطال تجتلد: الواو: الحالية لا محل لها من الإعراب، الأبطال: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، تجتلد: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هي، والجملة الفعلية "تجتلد" في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية "الأبطال تجتلد" في محل نصب حال.
- قال حسان بن ثابت:
مَن يَفعَلِ الحَسَناتِ اللَهُ يَشكُرُها
- وَالشَرُّ بِالشَرِّ عِندَ اللَهِ مِثلانِ
الله يشكرها: الله: لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، يشكرها: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية "يشكرها" في محل رفع خبر المبتدأ.
- قال تعالى: "وَيَومَ نَحشُرُهُم جمِيعًا ": نَحشُرُهُم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره نحن، وهم: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية "نَحشُرُهُم" في محل جر مضاف إليه.
- قال تعالى: "وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ": يَكْذِبُونَ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية "يَكْذِبُونَ " في محل نصب خبر كان.
- رأيت طفلًا يحفظ القرآن الكريم: يحفظ : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو، القرآن : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والجملة الفعلية "يحفظ القرآن " في محل نصب نعت.
- الرجال يعملون ويتعبون الواو: حرف عطف مبني لا محل له من الإعراب، يتعبون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية "يتعبون " في محل رفع لكونها معطوفة على الخبر " يعملون ".