التهاب المرارة وعلاجها
التهاب المرارة
لفهم التهاب المرارة لا بُدّ من بيان أنّ المرارة كيس صغير موجود أسفل الكبد يشبه في شكله حبة الكمثرى، وتتمثّل المهمّة الأساسيّة للمرارة بتخزين السائل الذي يُنتجه الكبد للمساعدة على عملية الهضم، ويُعرف السائل بالصفراء أو العصارة الصفراويّة (بالإنجليزيّة: Bile)، فعندما يأكل الفرد يحتاج الجسم حينها للصفراء، فتنقبض المرارة لدفع الصفراء للمرور عبر قنوات للوصول إلى الأمعاء الدقيقة، ويحدث التهاب المرارة (بالإنجليزيّة: Cholecystitis) عادةً نتيجةً لانسداد القناة المراريّة بسبب وجود حصوة فيها، وفي الحقيقة يوجد نوعان من التهاب المرارة ، وهما:
- التهاب المرارة الحادّ: (بالإنجليزيّة: Acute cholecystitis) ويتمثل بإصابة المرارة بالتهاب مفاجئ يسبّب ألمًا واضحًا في منطقة البطن، وفي الغالب يصاحبه الغثيان، والتقيؤ، والحمّى.
- التهاب المرارة المزمن: (بالإنجليزيّة: Chronic cholecystitis) ويتمثل بحدوث التهاب قليل الحدّة يصيب المرارة لفترات طويلة، وقد يصاب الشخص به بسبب التعرض لنوبات متكرّرة من التهاب المرارة الحادّ.
علاج التهاب المرارة
يحتاج الأفراد المصابون بالتهاب المرارة بنوعيه الحادّ والمزمن إلى دخول المستشفى لتلقّي العلاج المناسب.
العلاج الأوّلي
يُجري الطبيب داخل المستشفى مجموعة من العلاجات الأوليّة للسيطرة على التهاب المرارة والعلامات والأعراض المرافقة له، ويمكن أن تشمل العلاجات الأوليّة الإجراءات الآتية:
- الصيام: قد يمنع الطبيب المصاب بالتهاب المرارة من تناول الطعام والشراب في البداية؛ لتقليل إجهاد المرارة المصابة بالالتهاب، ولتجنّب إصابة المريض بالجفاف يتم إعطاؤه السوائل عبر الوريد الموجود في الذراع.
- استخدام الأدوية: قد يحتاج المصاب بالتهاب المرارة لمجموعة من الأدوية ويتم أخذها تحت الإشراف الطبي، وفيما يأتي ذكر أهمها:
- المضادات الحيويّة: تُستخدم المضادات الحيويّة في علاج العدوى البكتيريّة.
- مسكنات الألم التي تحتاج لوصفة طبيّة: يجب تناول مسكنات الألم التي تحتاج لوصفة طبية حسب تعليمات مقدّم الرعاية الطبيّة، وقد تحتوي بعض هذه المسكنات على دواء الأسيتامينوفين (بالإنجليزيّة: Acetaminophen) المعروف بالباراسيتامول، فعلى المريض تجنب تناول أي مسكنات أو أدوية أخرى تحتوي على الأسيتامينوفين دون استشارة الطبيب؛ وذلك لأنّ استهلاك كمية كبيرة من الأسيتامينوفين قد يؤدي إلى تلف الكبد، وبالإضافة إلى ذلك يجدر بالمريض الحصول على النصائح الطبية اللازمة للوقاية من الإمساك الذي قد يصاحب استخدام المسكنات وكيفيّة علاجه.
- مضادات الالتهاب اللاستيرويديّة: تساعد مضادات الالتهاب اللاستيرويديّة NSAIDs (بالإنجليزيّة: Non-steroidal anti-inflammatory drugs) على تقليل التورم، والألم، والحمّى، ومن الأمثلة على هذه المجموعة دواء الآيبوبروفين (بالإنجليزيّة: Ibuprofen) والذي يمكن الحصول عليه من الصيدليات بوصفة طبية أو بدون وصفة طبيّة، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المجموعة الدوائيّة يمكن أن تُسبّب بعض الآثار الجانبيّة مثل؛ نزيف المعدة ومشاكل الكلى لدى بعض الأفراد، لذلك يجب على الشخص المعنيّ اتباع التعليمات الموجودة على ملصق الدواء بدقّة، وفي حال كان المريض يستخدم أدوية مميّعة للدم تجب عليه استشارة الطبيب للتأكد من مدى أمان مضادات الالتهاب اللاستيرويديّة لحالته قبل تناولها.
- إزالة الحصى: يمكن للطبيب أن يُزيل الحصوات التي أدت إلى انسداد القنوات الصفراوية أو القناة المراريّة عن طريق إجراء يُسمّى تصوير البنكرياس والأقنية الصفراوية بالتنظير الباطني بالطريق الراجع (بالإنجليزيّة: Endoscopic retrograde cholangiopancreatography)، ومن المرجح أن تتراجع الأعراض التي يعاني منها المريض خلال يومين أو ثلاثة أيام من إزالة الحصى، ولكن غالبًا ما يعود التهاب المرارة بعد ذلك؛ حيث يحتاج معظم المصابين بالتهاب المرارة في نهاية المطاف إلى إجراء جراحة استئصال المرارة.
جراحة استئصال المرارة
قد يوصي الطبيب بإجراء عمليّة جراحيّة لاستئصال أو إزالة المرارة وذلك لأنّ مشكلة التهاب المرارة قد تعود من جديد في أغلب الحالات كما ذكر سابقًا، ويعتمد موعد إجراء العمليّة الجراحيّة على شدّة الأعراض التي يُعاني منها المريض، إضافةً إلى الاحتمالية الإجماليّة لحدوث مشاكل أثناء إجراء الجراحة وبعد الانتهاء منها؛ ففي بعض الحالات تكون هناك حاجة لإجراء العمليّة الجراحيّة بشكل فوري، بينما في حالات أخرى قد يُنصح المريض بالانتظار لبضعة أسابيع أخرى ريثما يتخلص الجسم من الالتهاب بشكل كامل، وبشكل عامّ فإنّ أغلب الأطباء يعتمدون أنّه في حال توقع مخاطر قليلة أو بسيطة للعملية الجراحية فإنّهم يُفضلون إجراءها خلال 48 ساعة أو خلال فترة بقاء المريض في المستشفى.
تجدر الإشارة إلى وجود طريقتين لإجراء استئصال المرارة جراحيًّا (بالإنجليزيّة: Cholecystectomy)؛ الأولى عن طريق شق طويل في البطن وتُعرف بالجراحة المفتوحة، والثانية عن طريق استئصال المرارة بالمنظار (بالإنجليزيّة: Laparoscopic cholecystectomy)، وعادةً يستخدم الأطباء الطريقة الثانية والتي تمثّل أسلوبًا جراحيًا قليل الغزو؛ حيث يتضمّن إجراء بضعة شقوق صغيرة في منطقة البطن، وذلك ليتم إدخال أداة تصوير صغيرة من إحدى هذه الشقوق لتساعد الجرّاح على رؤية ما بداخل البطن، بينما يتم إدخال الأدوات الطبية اللازمة لإجراء استئصال المرارة من خلال الشقوق الأخرى، وإنّ هذه الطريقة يُرافقها ألم بدرجة أقل مقارنة بالجراحة المفتوحة، وتكون فرصة حدوث الندب أقل كذلك، ومن الجدير بالذكر أنّ الحاجة لإجراء الاستئصال باستخدام الطريقة الأولى نادرة حاليًا.
تصريف سوائل المرارة
يعاني بعض الأفراد المصابين بالتهاب المرارة من مشاكل صحيّة أخرى تمنع إجراء جراحة استئصال المرارة لهم، وحينها قد يلجأ الطبيب إلى إجراء بديل عن ذلك من خلال تصريف العصارة الصفراويّة المتراكمة في المرارة، ويمكن إجراء ذلك بإحدى الطرق الآتية:
- فغر المرارة عن طريق الجلد: (بالإنجليزيّة: Percutaneous cholecystostomy) وهو إجراء غير شائع يتم عن طريق تخدير المريض ووضع أنبوب تصريف عبر الجلد إلى داخل المرارة مباشرةً، وذلك بالاستعانة بجهاز الموجات فوق الصوتيّة أو الأشعّة المقطعيّة لتوجيه الطبيب أثناء العملية، وعادةً يبقى الأنبوب في موقعه لبضعة أسابيع على الأقلّ؛ وذلك لتصريف العصارة الصفراوية المصابة بالعدوى أو المحصورة في المرارة بسبب انسداد القناة، وتهدف عملية التصريف إلى تقليل الالتهاب في المرارة.
- تصوير البنكرياس والأقنية الصفراوية بالتنظير الباطني بالطريق الراجع: يتميّز هذا الإجراء بعدم الحاجة إلى عمل أي شق في البطن؛ حيث إنّه وبعد تخدير المريض يتم تمرير آلة تصوير صغيرة مثبّتة على أنبوب مرن يبدأ رحلته من الفم عبر المعدة وحتى بداية الأمعاء الدقيقة، وهو موقع التقاء القناة الصفراويّة المشتركة مع الأمعاء الدقيقة، ويُعنى الطبيب بتفحّص آليّة عمل الصمام الموجود في نهاية القناة الصفراويّة بهدف فتح الصمام لإزالة الانسداد الذي يمنع مرور العصارة الصفراويّة، وفي بعض الأحيان يُعنى بإزالة حصى المرارة أيضًا؛ حيث يستطيع الطبيب استخدام ألياف الليزر لتفتيت حصى المرارة ، كما يمكن استخدام سلة أو بالون لتجميع وإخراج الحصى أو فتات الحصى من المرارة، وفي بعض الأحيان قد يحتاج الطبيب إلى إدخال أنبوب صغير في القناة الصفراويّة الرئيسيّة بهدف حقن مادة التباين؛ حيث تساعد على رؤية القناة بشكل أفضل، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الإجراء قد يؤدي وبشكل نادر إلى تضرر البنكرياس أو التهابه.
- تصوير الأقنية الصفراويّة عبر الكبد عن طريق الجلد: يتم إجراء تصوير الأقنية الصفراويّة عبر الكبد عن طريق الجلد (بالإنجليزيّة: Percutaneous transhepatic cholangiography) من خلال إدخال إبرة في القنوات الصفراويّة الموجوة داخل الكبد ، وذلك بالاستعانة بأجهزة تصوير طبية، ثم يتم حقن مادة التباين لتساعد الطبيب على تحديد موقع حصوات المرارة التي تمنع مرور العصارة الصفراويّة بسلاسة، ويمكن إزالة بعض الحصوات خلال هذا الإجراء، بينما يتم وضع شبكات صغيرة لتجاوز باقي الحصوات وتحويل مسار العصارة الصفراوية بعيدًا عن منطقة الانسداد، وذلك للتقليل من الالتهاب، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الإجراء يحتاج إلى تخدير المريض مسبقًا.
نصائح غذائية بعد إزالة المرارة
تتدفّق العصارة الصفراويّة بعد إزالة المرارة بشكل مباشر من الكبد نحو الأمعاء الدقيقة، بدلًا من تخزينها في المرارة أوّلًا ثم إفرازها وقت الحاجة كما في السابق؛ حيث يمكن للفرد أن يعيش بشكل طبيعي دون وجود المرارة، إلا أنه من المهم تعديل النظام الغذائي للفرد بعد استئصال المرارة لا سيّما خلال فترة النقاهة والتعافي، وذلك للمساعدة على إعادة إنتاج العصارة الصفراويّة على نحو طبيعي، ومن أبرز هذه التعديلات: تناول وجبات صغيرة بشكل متكرّر وتجنّب تناول الوجبات أوالحصص الغذائيّة الكبيرة؛ حيث يسبّب ذلك تشنّجًا في المرارة أوالقنوات الصفراويّة، والالتزام باختيار مصادر البروتينات الخالية من الدهون، كما يُنصح بتجنّب الغذاء الذي يحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون والأطعمة المقليّة بما في ذلك منتجات الألبان كاملة الدسم.