التعلم عن بعد
مفهوم التعلم عن بعد
هل التعلم عن بعد تقنية تعلم مستحدثة أم تقليدية؟ من ناحية تاريخية تعود بداية التعلم عن بعد (بالإنجليزية: Distance learning ) إلى عام 1840م حيث كان هنالك ما يسمى بالتعلم بالمراسلة، ثم ظهرت فكرة التعليم المفتوح (بالإنجليزية: Open education ) عندما أنشئت الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة في عام 1963م، وكانت تسمى آنذاك بجامعة الهواء.
بالتالي يعد التعلم عن بعد امتداد للتعلم المفتوح والتعلم بالمراسلة، ويشير مفهوم التعلم عن بعد إلى عملية تعليمية لا يوجد فيها اتصال مباشر بين المعلم والطالب ، حيث يكون كل منهما متباعد في الزمان والمكان على أن يتم الاتصال بينهما عبر الوسائط التعليمية المطبوعة أو الإلكترونية، وهو ما يعزز كل من مبدأ التعلم المستمر، ومبدأ تفريد التعليم، ومبدأ التعلم الذاتي، ومبدأ حرية التعليم، وفي العصر الحالي جاء التعلم عن بعد ليواكب التطور التكنولوجي والمعرفي.
ولقد مر التعلم عن بعد بأربعة أجيال وهي:
- نظام المراسلة، المواد المطبوعة والوسائل السمعية والبصرية.
- نظام التلفزيون والراديو التعليمي، المحاضرات المسجلة والمباشرة على المحطات الفضائية والراديو.
- نظام الوسائط المتعددة، الصوت والصورة والفيديو والنص والمواد المحوسبة.
- الأنظمة المعتمدة على شبكة الإنترنت المزودة بالمواد التعليمية المجهزة إلكترونيًا والمزودة بالوسائط المتعددة مع وجود إمكانية للتفاعل بين المعلم والطالب مثل المنصات التفاعلية، وتطبيقات الاتصال المرئي والمسموع مثل برنامج (microsoft teams).
مميزات التعلم عن بعد
عند طرح السؤال التالي: ما المميزات التي يتفوق بها التعلم عن بعد على التعلم الوجاهي؟ وفقًا لدراسة إحصائية أجرتها جامعة سيليزيا (بالإنجليزية:University of Silesia) في سنة 2019 م، نجد أن التعلم عن بعد يتميز بعدة أمور مقارنة بالتعليم التقليدي، وهي:
- يحقق المرونة في المكان والزمان على عكس التعليم التقليدي الذي يتميز بثبوت مكان وزمان التعلم.
- يوفر الوقت والجهد والتكلفة المالية على أطراف العملية التعليمية بالمقابل يتطلب التعليم التقليدي جهدًا وتكلفةً ووقتًا أطول.
- يسهل تعلم ذوي الاحتياجات الخاصة الغير قادرين على التنقل، والفئة العمرية من المتعلمين الكبار بينما في التعليم التقليدي قد يجدون صعوبة في التواجد داخل المؤسسة التعليمية نتيجة عدم القدرة على التنقل، والالتزام بالعمل.
- التخلص من مشكلة المواصلات الصعبة عند الذهاب للمؤسسة التعليمية، بينما في التعليم التقليدي يتطلب توفر المواصلات للوصول الى المؤسسة التعليمية.
- يتيح فرصة الجمع بين العمل والتعلم بينما يصعب القيام بذلك في التعليم التقليدي.
- يوفر امكانية التواصل بين أطراف العملية التعليمية وأولياء الامور عبر البرامج والتطبيقات المستخدمة.
- يطور مهارات شخصية لدى المتعلم مثل مهارات تقنية، ومهارة إدارة الوقت.
عيوب التعلم عن بعد
هل يحقق التعلم عن بعد كافة أهداف عملية التعلم؟ بالتأكيد لا، فهنالك ثلاثة أنواع من الأهداف التعليمية التي يجب أن تُحقق في العملية التعليمية وهي الأهداف المعرفية والمهارية والوجدانية بالتالي نجد أن هنالك إمكانية لتحقيق الأهداف المعرفية والوجدانية بينما من الصعب جدًا تحقيق الأهداف المهارية لدى المتعلم أي اقتصار التعلم على المواد النظرية فقط، وعدم القدرة على القيام بالتجارب الحية وقيام الطلبة باجرائها، ومن سلبيات وعيوب التعلم عن بعد ما يلي:
- عدم التفاعل بين المعلم والطالب في بيئة تعليمية مليئة بالمثيرات التعليمية.
- عدم التفاعل مع الزملاء من نفس الفئة العمرية.
- عدم التزام الطلبة في كثير من الأحيان للقيام بالمهمات، وقلة الدافع الداخلي لديهم.
- صعوبة البقاء على اتصال مع المعلم، والحصول على تغذية راجعة مباشرة.
- عدم القدرة على تنويع الاستراتيجيات المستخدمة في التعليم عن بعد مثل استراتيجية التعلم النشط، والتعلم باللعب، والتعلم التعاوني الجماعي، والتعلم بالاكتشاف
- عدم توفر الاجهزة ووسائل الاتصال لدى أطراف العملية التعليمية مثل الإنترنت وأجهزة الحاسوب.
- عدم وجود بنية تحتية متوفرة في بعض المناطق مثل شبكات الاتصال للانخراط في التعلم عن بعد.
- يشكل عبئ مادي على بعض المتعلمين والمعلمين بشراء الاجهزة الالكترونية وحزم الاتصال.
- الأمية التكنولوجية، فكثير من المعلمين والطلبة ليس لديهم المعرفة الكافية للتعامل مع التقنية.
عوامل تساعد على إنجاح التعلم عن بعد
وفقا لآراء الخبراء التربويين يعتمد نجاح تطبيق نظام التعلم عن بعد بأنواعه المختلفة، وهي: التعلم عن بعد المتزامن، والتعلم عن بعد الغيرمتزامن، والتعلم عن بعد الهجين، والتعلم الألكتروني، والدورات التدريبية الثابتة الوقت عبر الانترنت على عدة عوامل مساعدة.
فيعتقد العالم باركر أن المعلم هو أحد أهم العوامل لنجاح التعلم عن بعد، فيجب أن يمتلك المهارات التقنية حيث يستطيع التعامل مع التكنولوجيا الحديثة من أجهزة الكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والبرامج الحاسوبية، والمواد التعليمية المحوسبة؛ مما يصب في مصلحة العملية التعليمية، وهذا يتطلب التدريب الكافي له.
أما العالم ماكينيزي أشار إلى أهمية وجود الدافعية الداخلية لدى الطلبة من أجل التعلم، ومحاولة مواجهة التحديات التي تعترضهم، وهذا يؤدي إلى استمرارية التعلم، أيضًا توفر الدعم المالي، ومنح الوقت الكافي للتدرب على استخدام النظام، والقدرة على استخدام الأجهزة والتقنيات.
ومن العوامل المساعدة قدرة الطلبة على إدارة الوقت، والالتزام بأداء المهام والواجبات، والتواصل الفعًال مع المعلم أثناء عملية التعلم؛ مما يحقق أهداف العملية التعليمية المطلوبة، وتوفر بيئة تعليمية مناسبة لدى المتعلم في مكان تعلمه من حيث الهدوء والإضاءة المناسبة، وأجهزة الإتصال، وشبكة الإنترنت، والمواد التعليمية الإلكترونية والمطبوعة؛ مما يؤدي إلى رفع مستوى التحصيل الدراسي لدى الطالب، وتوفر البنية التحتية اللازمة.
دور التعلم عن بعد في العلوم النظرية
يشير مفهوم العلوم النظرية إلى مجموعة من العلوم التي تقدم معرفة مجردة مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والتاريخ، وغيرها من العلوم التي من الممكن تقديمها للطلبة عبرنظام التعلم عن بعد؛ فمن فوائد التعلم عن بعد سهولة تجهيز المواد التعليمية الإلكترونية والمطبوعة للعلوم النظرية ، وإرسالها للطالب من أجل الاطلاع عليها والتعلم بكل سهولة ذاتيًا، فهي لا تتطلب أي تطبيق عملي مثل العلوم التطبيقية كالهندسة والعلوم الطبية كالتمريض والطب.
بالتالي نجد أن للتعلم عن بعد دور مساعد في تدريس الجانب النظري لأنواع مختلفة من العلوم، كذلك الأمر يمكن أن يطبق التعليم عن بعد في الجانب النظري من العلوم التطبيقية على أن يتم تدريس الجانب العملي وجها لوجه، بالتالي يمكن تطبيق مفهوم التعلم المدمج (بالإنجليزية: Blended Learning ) في النظام التعليمي بشكل عام حيث يجمع هذا التعلم بين التعلم عن بعد والتعليم التقليدي (بالإنجليزية: Traditional education) .
أمثلة حقيقة على نجاح تجربة التعلم عن بعد
مؤخراً، وفي ظل جائحة كورونا (بالإنجليزية: Coronavirus disease (COVID-19) ) قدمت معظم الدول العربية والعالمية برامج التعليم عن بعد مجانًا للطلبة حيث تم اعتماد المنصات التفاعلية والغير تفاعلية في عملية التعلم عن بعد، مثال على ذلك في الأردن (بالإنجليزية: Jordan ) تم إطلاق منصة درسك الموجهة لجميع طلبة المدارس، وتم تزويدها بالفيديوهات التعليمية لمحتوى المنهاج الدراسي المعتمد رسميا فيها، وعقدت عبرها الاختبارات الشهرية والنهائية.
ومن خلالها تم تواصل الطلبة مع المعلمين، وتبادل المعلومات فيما بينهم، ووضع الواجبات والمهمات التعليمية من قبل المعلم عليها، وأداء الطلبة لها وإرسالها، وبالرغم من وجود بعض المعيقات التي واجهت فئة من الطلبة بعدم توفر شبكة الإنترنت والأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة والحواسيب والأجهزة اللوحية نتيجة للتكلفة المادية لها إلا أنه تم تسهيل عملية التعلم عن بعد لأغلبية الطلبة خصوصا في العلوم النظرية والعملية، واستطاعت معظم الدول تحقيق النجاح بذلك حرصًا منها على استمرارية التعلم.
ثم تعد الولايات المتحدة الأولى في تطبيق نظام التعلم عن بعد حيث يحرص كل طالب على تعلم دورة واحدة على الأقل عبر شبكة الإنترنت، أيضًا تطرح الولايات المتحدة مجموعة من برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه باعتماد نظام التعلم عن بعد حيث تحرص ما نسبته 65% من المؤسسات التعليمية الأميريكية على تطبيق نظام التعلم عن بعد في استراتيجيتها المعتمدة على المدى الطويل، كذلك الامر بالنسبة للمملكة المتحدة التي وفرت التمويل الكافي لإنجاح نظام التعلم عن بعد، وتطوير الموارد التعليمية له.
خلاصة
في هذا المقال تم التطرق لمفهوم نظام التعلم عن بعد، وأصوله التاريخية، وذكر أوائل الدول التي قامت بتطبيق هذا النظام، وتعداد مميزات التعلم عن بعد مع إدراج دراسة تثبت ذلك، والحديث عن العيوب التي من الممكن أن تشكل تحدي في تطبيقه.
أيضا تم الحديث عن آراء الخبراء في عوامل نجاح التعلم عن بعد، وتعداد تلك العوامل ومدى تأثيرها في التعلم عن بعد، والحديث عن دور نظام التعلم عن بعد في العلوم النظرية، وذكر أمثلة على دول نجحت في تطبيق التعلم عن بعد.