التعريف بسورة العنكبوت
التعريف بسورة العنكبوت
سورة العنكبوت من السور المكية، إلا أول إحدى عشر آية منها مدنية، وهي من السور المثاني، وتتكوّن من تسع وستين آية، وكان نزولها بعد نزول سورة الروم، وتحتلّ المرتبة التاسعة والعشرين من حيث ترتيبها بين سور القرآن، في الحزبين الأربعين والحادي والأربعين من الجزء الحادي والعشرين من المصحف، في الربع الأول منه. سُمِّيت سورة العنكبوت بهذا الاسم؛ لأن الله تعالى ذكر فيها العنكبوت مثلاً للآثام المنحوتة، والآلهة المزعومة، حيث قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، وبدأت السورة بالحروف الهجائية: (الم)، والعنكبوت اسم من أسماء الكائنات الحية، تحدّثت عن العقيدة بأكبر أصولها، من أمور الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء.
سبب نزول سورة العنكبوت
بيّن الشعبي أن سبب نزول سورة العنكبوت كان في مجموعة من الناس كانوا في مكة المكرمة، وقد أسلموا، فأرسل إليهم الصحابة رضي الله عنهم أن إسلامهم لا يُقبَل إلا بهجرتهم إلى المدينة المنورة، فهاجروا إليها، ولحقهم بعض المشركين وأوقعوا الأذى بهم، فنزلت فيهم آية سورة العنكبوت، فأُرسِل إليهم أن الآية نزلت فيهم، فعزموا على الخروج وقتال من يتبعهم، فلمّا خرجوا تبعهم المشركون وابتدأ القتال فيما بينهم، فقُتِل من قُتِل منهم ونجا من نجى، فقال الله تعالى فيهم: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا ثُمَّ جاهَدوا وَصَبَروا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِها لَغَفورٌ رَحيمٌ)، بينما قال مقاتل إنّ سبب نزولها كان في مهجع مولى عمر بن الخطاب الذي كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، بعد أن رماه عمرو بن الضرمي بسهمٍ فمات، فحزن أبواه عليه، فأنزل الله تعالى الآيات التي تبيّن أنه لا بد من وقوع البلاء.
ما تناولته سورة العنكبوت
تناولت سورة العنكبوت العديد من الأمور والدلالات والمعاني، وفيما يأتي بيان بعضها بشكلٍ مفصّلٍ:
- ذكر الله تعالى الجهاد في سبيله في موضعين من سورة العنكبوت، الموضع الأول قوله: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، أما الموضع الثاني قوله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، مما يدل على أن الجهاد فرض في مكة المكرة، وليس في المدنة المنورة، والمقصود من ذلك الجهاد في الدعوة والتبليغ، وجهاد النفس في الصبر والتحمّل، والانقياد والخضوع لأوامر الله تعالى، كما ذُكِر الجهاد في سورة الفرقان التي تعدّ سورة مكية، حيث قال الله تعالى فيها: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، أي بالجهاد بالقرآن الكريم عن طريق الكلمة والدعوة والتبليغ، وإقامة الأدلة والبراهين والحجج، والحثّ على توحيد الله تعالى، والتصديق بالقرآن الكريم وبالرسول عليه الصلاة والسلام، فالجهاد ليس محصوراً بجهاد السيف والقتال فقط، فالسيف من آخر خطوات الجهاد، ويكون لمن صدّ وردّ الدعوة، ووقف في طريق انتشارها، ولم يخضع لأوامر الله تعالى.
- وبيّن ابن القيم رحمه الله مراتب الجهاد في كتاب زاد المعاد، حيث قال: (الجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين)، فجهاد النفس يتمثّل بالجهاد في تعلّم الهدى ودين الحق، والعمل به بعد علمه، والدعوة إليه وتعليمه للناس، والصبر على الأذى ومشاق الدعوة، وأما جهاد الشيطان فيكون بردّ الشبهات والشكوك، وهذا لا يتحقّق إلا باليقين، ويكون أيضاً بردّ الإرادات والشهوات، ولا يتحقّق ذلك إلا بالصبر، وأمّا جهاد الكفار والمنافقين فيكون على أربع مراتب؛ وهي: جهاد بالقلب، وباللسان، وبالعقل، وبالنفس، وجهاد أصحاب البِدَع والمنكرات يكون على ثلاث مراتب؛ وهي: جهاد باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب.
- بيّن الله تعالى في سورة العنكبوت أن الابتلاء سُنّة من السُّنَن، حيث قال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فالابتلاء من الأمور الملازمة للمؤمنين دون النظر إلى حالهم، سواءً أكانوا في شدّة أم في رخاء، حيث قال الله تعالى: (وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ)، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم الابتلاء، وبعد صبرهم على الأذى مدة ثلاثة عشر عاماً أذن الله تعالى لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة.
- بيّن الله تعالى حال الأنبياء عليهم السلام، وانتقامه ممّن عاداهم؛ فقد كان خطاب الله تعالى لنبيّه محمّد في سورة العنكبوت بأنه سينصره، وينتقم من أعدائه، كما بيّن الله تعالى حال إبراهيم عليه السلام عندما أراد قومه حرقه بالنار، فأنجاه الله تعالى منهم، ثمّ هاجر، وقد قال الله تعالى في أمره: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وذلك ما حدث مع محمد صلى الله عليه وسلم عندما أراد المشركون قتله، فبعد أن نجّاه الله هاجر، وفي ذلك قال ابن كثير: (ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مُقامُهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم، ثمّ بعد ذلك هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الباقون إلى المدينة).
بيت العنكبوت
شبّه الله تعالى في سورة العنكبوت من يتّخذون أولياء من دون الله تعالى، ويحبّونهم، ويرفضون حبّ الله تعالى وحبّ رسوله عليه الصلاة والسلام، شبّههم بالعنكبوت التي اتّخذت بيتاً لها تحتمي به، ظانّةً أن البيت يحقّق الأمن والأمان لها، إلا أنه في الحقيقة بيت شديد الوهن، سهل الخراب، وذلك مثل الذي يعمل عملاً ما يظنّ أنه عمل خير وصلاح، ويفني عمره في هذا العمل، إلا أنه يكتشف أنه عمل خراب في نهاية المطاف.