التسامح في العصر الجاهلي
التسامح في العصر الجاهلي
إنّ العصر الجاهلي شهد معارك وخصومات عدة نظرًا لطبيعة حياتهم القبلية، إلّا أنّ الصلح والتسامح كان لهم تواجد أيضًا، كما كان هناك نظام كامل في الصلح والسلم، ولكل قبيلة زعيم هو المسؤول عنها يُسمى (شيخ القبيلة)، وهو بمثابة الحاكم ويُساعده في إدارة أمور القبيلة مجلس يضم وجهاء القبيلة.
يسعى شيخ القبيلة والوجهاء في نشر السلم والتسامح والتعاون بين أبناء القبيلة، حتى تبقى العلاقات هادئةً خاليةً من النزاعات والصراع، وفي حال وقع أيّ خلاف يكون على شيخ القبيلة مهمة إصلاح هذا الخلاف، وفي حال وقوع نزاع بين القبائل يترأس مهمة الصلح وفك النزاع قاضٍ تثق فيه القبائل.
قصص من العصر الجاهلي عن التسامح
من قصص العصر الجاهلي عن التسامح ما يأتي:
قصة قيس بن عاصم المنقري
قيل للأحنف بْن قَيْس: ممن تعلمت الحلم؟ قَالَ: من قَيْس بْن عَاصِم المنقري، رأيته يومًا قاعدًا بفناء داره محتبيًا بحمائل سيفه يحدث قومه إذ أتي برجل مكتوف، وآخر مقتول، فقيل لَهُ: هَذَا ابْن أخيك قتل ابنك. قَالَ: فو الله مَا حل حبوته، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إِلَى ابْن أخيه.
فَقَالَ: يَا بْن أخي، بئس مَا فعلت! أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابْن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثُمَّ قَالَ لابن لَهُ آخر: قم يَا بني فوار أخاك، وحل كتاف ابْن عمك، وسق إِلَى أمك مائة ناقة دية ابنها، فإنها غريبة.
حرب داحس والغبراء
شهد العصر الجاهلي حروبًا ونزاعاتٍ ترجع إلى سبب طبيعة المجتمع القبلي المؤمن بالثأر والعصبية، ومن أبرز الحروب الجاهلية هي حرب داعس والغبراء التي نشبت بسبب فرسين سُميت الحرب على اسمهما، ودامت الحرب سنوات طويلة.
إلّا أنّ العصر الجاهلي لم يكن يخلو من رجال حكماء يُحبون التسامح ويسعون له من أجل حياة أكثر استقرارًا وراحةً وهدوءًا، فبفضل هرم بن سنان والحارث بن عوف المرى انتهت هذه الحرب بتحملهم ديّات القتلى.
قصائد من العصر الجاهلي عن التسامح
نماذج شعرية عن التسامح في العصر الجاهلي، نذكر منها الآتي:
قصيدة وذي رحم
قال الشاعر معن بن أوس المزني:
وذي رَحِمٍ قَـــلَّـــمتُ أظــــفـــارَ ضِــــــغْنِه
- بحـــلـــمــي عـــنه وهـــو لـــيس له حِــــلم
يُحـــاولُ رَغــمـــي لا يحـــاولُ غــــــيـــره
- وكـــالمـــوت عـــندي أن يَحُلَّ به الرَّغْم
فإن أعْـــفُ عـنه أُغــــضِ عَيْناً على قَذى
- وليس له بالصــفـــح عــن ذنــبـــــه عِلم
وإن أنـــتـــصـــر مـــنه أكُنْ مثل رائشٍ
- ســهـــامَ عَــــدُوٍ يُــستهاض بها العَضم
صـــبرتُ عــــلى مــــاكان بــينى وبينه
- وما تــســـتــوي حــــربُ الأقارب والسلمُ
وبادرتُ مـــنه النـــأيَ والمــــرءُ قـــادر
- عـــــلى ســـهـمه مادام في كفهِ السهمُ
ويَشْتمُ عـــرضِي فـي المُــغَــــيَّب جاهدا
- وليـــس له عـــنــدي هــــوانٌ ولا شَـــــتْمُ
إذا ســــمــــتُه وَصْـــلَ القــرابة سامني
- قـــطـــيعــتها تلك الســفـــاهـةُ والإثمُ
وإن أدَعُــهُ للنِّــصـــف يــــأبَ ويَعــصني
- ويـــدعُو لحُــــكْم جـــائــــر غَيْرهُ الحكم
فلولا اتــــقــــاءُ الله والـــــرحـــــــمِ التي
- رِعــــايـــتُــها حـــقٌ وتَعـــطـــيلُـها ظُلمُ
إذاً لعـــلاهُ بـــــارقــي وخَــطَـــمْـــتُــــــــهُ
- بـــوســـم شَــــــنَــــارٍ لا يشاكهُه وَسمُ
ويــســـعــى إذا أبــنــي ليـهدم صالحي
- وليس الذي يبني كمـــن شأنه الهدمُ
يـــودُ لو أنــي مُـــعْـــدِمٌ ذو خَـــصَـــــاصةٍ
- وأكــــــره جُـــــهــدي أن يُخالطه العُدْمُ
ويَعـــتَدُّ غُـــنْــماً في الحوادث نَكبتي
- وما إن له فـــــيـــهــــا سَــــنَاءٌ ولا غُــنْمُ
فــمــــا زلــــت فـــي لـــيني له وتعطفي
- عــــلــيه كــــما تـــحــــنو على الولد الأمُ
وخـــفـــضٍ له مـــنـــي الجــــناح تــــــألفاً
- لتـــــدنــــيـــــه مني القـــــرابةُ والرِّحْمُ.
وقــــولي إذا أخــــشى عـــلــيه مـــصيبة
- ألا اســلم فـداك الخالُ ذو العَقْد والعَمُّ
وصــبري على أشــــياءَ مــــنه تُـرِيبُني
- وكظمي على غيظي وقد ينفع الكَظمُ.
قصيدة رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا
قال زهير بن أبي سلمى:
رَأَيتُ بَني آلِ اِمرِئِ القَيسِ أَصفَقوا
- عَلَينا وَقالوا إِنَّنا نَحنُ أَكثَرُ
سُليمُ بنُ مَنصورٍ وَأَفناءُ عامِرٍ
- وَسَعدُ بنُ بَكرٍ وَالنُصورُ وَأَعصُرُ
خُذوا حَظَّكُم يا آلَ عِكرِمَ وَاِذكُروا
- أَواصِرَنا وَالرِحمُ بِالغَيبِ تُذكَرُ
خُذوا حَظَّكُم مِن وُدِّنا إِنَّ قُربَنا
- إِذا ضَرَّسَتنا الحَربُ نارٌ تَسَعَّرُ
وَإِنّا وَإِيّاكُم إِلى ما نَسومُكُم
- لَمِثلانِ أَو أَنتُم إِلى الصُلحِ أَفقَرُ.