الإسلام دين الرحمة
الإسلام دين الرحمة
تتجلّى رحمة الله بعباده بدين الإسلام، فالإسلام دين يُسرٍ ورحمةٍ، إذ كلّف الله عباده ما يستطيعون القيام به، وإن تعسّر الأمر عليهم، خفّف عنهم من أصل التشريع، كالقصر في الصّلاة ، والإفطار في نهار رمضان للمسافر، ثمّ إنّ الله رفع عن أمته الإصر الذي كان على الأمم السابقة، فقد أوقعوا أنفسهم بالمهلكة؛ بكثرة المسائلة لأنبيائهم.
وأوصى الإسلام المسلمين بالتراحم فيما بينهم، فقال -تعالى-: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) ، وجعل الله رسوله محمد رسولاً الرحمة، ولا تقتصر هذه الرحمة على المسلمين وحسب، بل امتدّت لتشمل غير المسلمين، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الراحمون يرحُمهم الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ يَرْحَمْكم من في السماءِ).
مظاهر الرحمة في الإسلام
فرض الله على عباده من الفروض ما يستطيعون القيام به دون مشقةٍ؛ فالصّلاةُ خمس مراتٍ في اليوم واللّيلة، والزّكاة بنسبةٍ قليلةٍ من أصل المال ومرّة واحدة في السنة، والصّيام شهرٌ واحدٌ في السنة، والحجّ مرةٌ واحدةٌ في العمر، والغالب في هذه الفروض أنّ شرع الله فيها الاجتماع بالمسلمين معاً؛ ليخفّف على كلِّ واحدٍ منهم القيام بها، وليتعاظم الأجر ويعمّ الخير.
رحمة الله بعباده
تغشى رحمة الله جميع الخلائق لا سيّما الإنسان، ابتداءً بخلقه، ونشأة البشر من حيث لا يعملون، وتفضيل الإنسان وتكريمه على سائر المخلوقات، وتسخير الكون بما فيه لخدمته، قال -تعالى-: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا) ، وتسخير الأرض له.
ثمّ أرسل الرّسل، وأنزل الكتب، وهداهم لأحسنِ الأقوالِ والأفعالِ، وجعل مجازاة الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبعمئة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، والسيّئة بمثلها، ومحوها بالحسنة، قال -تعالى-: (مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثالِها وَمَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجزى إِلّا مِثلَها وَهُم لا يُظلَمونَ) ، فهو -سبحانه- أرحم بعبده من الأمّ بولدها.
رسول الله رحمة للعالمين
قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ، أيّ للجنّ والإنس كما قال السَمرقندي، وللمنافقِ رحمة من القتل، وللمؤمنِ رحمة بالهداية، وما كان ليعذّب قوماً وفيهم رسول الله، رغم أنّ المشركين طلبوا العذاب لكنّه لم يأتيهم لوجود رسول الله بينهم، فكان رحمةً لهم.
الرحمة بالأبناء
من مظاهر رحمة الإسلام؛ الرحمة على الأبناء والشفقة بهم، والحزن إن أصابهم مكروه، ومن ذلك ما رواه أسامة بن زيد -رضي الله عنه- فقال: (أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلَيْهِ إنَّ ابْنًا لي قُبِضَ، فَأْتِنَا، فأرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ، ويقولُ: إنَّ لِلَّهِ ما أَخَذَ، وله ما أَعْطَى، وكُلٌّ عِنْدَهُ بأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، ولْتَحْتَسِبْ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ تُقْسِمُ عليه لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ ومعهُ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، وأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ ورِجَالٌ، فَرُفِعَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الصَّبِيُّ ونَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ - قالَ: حَسِبْتُهُ أنَّهُ قالَ كَأنَّهَا شَنٌّ - فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقالَ سَعْدٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما هذا؟ فَقالَ: هذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وإنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ).
الرحمة بالوالدين
أمر الله -عزّ جلّ- عباده بالرحمة بآبائهم، والتواضع لهم، وخفض جناح الذلّ لهم، والدعاء لهم بالرحمة، قال -تعالى-: (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا) ، وأيضاً توقيرهما، وطاعتهما، والتعامل معهما برفق.
رحمة اليتامى والمساكين
قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) .
وتتحقّق الرحمة بهم من خلالِ الإحسان إليهم، وتأديةِ حقوقهم، وتقديم المساعدة لهم، والعطف عليهم، وكفالتهم، ومشاركتهم بالأفراح الاجتماعية، والشعور بما يحزنهم ومشاركتهم حزنهم، وتأمين مستقبلهم، وكل ذلك ممّا يرقق القلب ويُلينه.
الرحمة بالحيوانات
أمر الإسلام بالرحمةِ بالحيوانات، وجعل الإساءة لها من كبائر الذّنوب، وسبباً من أسباب دخول النّار، فعن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ)، وتتحقّق الرحمة بالحيوان من خلال إطعامه، والاعتناء به، واللعب معه، واجتناب إيذائه بأيّ وسيلةٍ.
وجعل الإسلام الرحمة بالحيوان سبباً لمغفرة الذنوب ودخول الجنّة، فقد روى أبو هريرة -رضيَ الله عنه- فقال: (بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ).