ابدأ من جديد
ابدأ من جديد
كثيراً ما يتمنى الإنسان أن يحصل التغيير في حياتهِ، وأن يبدأ بدايةً جديدةً، تكون هي النقطة الفاصلة في حياتهِ، ومنطلق النّجاح الدائم والمزدهر، إلا أنّه قد يقرن هذه البداية بتغيرٍ على القدر الذي لا يعلمه، فقد يربط التغيير بتحسنٍ في حالتهِ الصحيّةِ، أو تحوّلٍ في مكانتهِ الوظيفيّة، أو الماليّة، وقد يقرنها بمناسبةٍ ما، كعيدٍ أو موسمٍ معينٍ، وهو بهذا التسويف يُظهر اعتقاده أنّ التغيير لا يكون إلا بقدوم القوة الخارجية، وفي ذلك الوقت الذي ينتظره، ليكون سبباً في نشاطهِ، وتغيّرٍ في حياتهِ إلى الأفضل، فاتهُ أنّ تجديد الحياة الحقيقي، ينبثق من داخل الشخص نفسه، وأنّ العزيمة والإصرار، هي المحرّك الأساسي للنجاح والتغيير، وأنّ صعوبات الحياة، وعقباتها الكثيرة، يمكن التغلب عليها وتطويعها؛ ليستفيد منها الإنسان خبرةً، وتجربةً عاشها، فيحتفظ بقوتهِ، وصلابتهِ أمامها؛ فهو بما لديه من قوةٍ كامنةٍ، وبما يمتلكه من مهاراتٍ، وبالفرص التي قد تُتاح له، يستطيع أن يبدأ حياته من جديد.
كيف أبدأ من جديد
يتساءل البعض كيف لي أن أبدأ حياتي من جديد، وكيف لي أن أحدث التغيير فيها للأفضل، وما هي الوسائل المعينة للتحول، والانطلاق نحو النجاح، هذه التساؤلات يمكن الإجابة عنها بما يلي:
الدوافع
هي الشيء الذي يدفع الشخص للتصرف، أو الحركة، وتُعتبر الدوافع المحرك الأساسي للسلوك الإنساني، يقول فرانسيس بيكون:(نصيب الإنسان موجودٌ بين يديه)، فالإنسان عندما يكون لديه دوافع، وبواعث نفسية داخلية، يظهر عنده الحماس، والطاقة، وحتى الإدراك فإنّه يكون أفضل لديه بوجود الدوافع، بعكس الشخص الذي يعيش حياته بلا دافع؛ فإنّ العزيمة لديه تكون هابطة، والطاقة معدومة، وينصبُّ تركيزه، واهتمامه على الأمور السلبيّة فقط، يقول دنيس ويتلي: (تتحكم قوة رغباتنا في دوافعنا، وبالتالي في تصرفاتنا)، وهذا القول يبيّن أنّ الرغبة الموجودة عند الإنسان هي أول قاعدةٍ في النّجاح والتجديد، والذي ينعكس على أداء الإنسان وحياتهِ، فالدوافع الداخلية عند الإنسان هي السبب في قيامهِ بأعمالٍ أعلى من المستوى العادي، بحيث يصل إلى نتائج عظيمة، فامتلاك الإنسان للقوى الكامنة في داخله، واستغلالها بشكلٍ صحيحٍ، قد تُحدث فرقاً كبيراً في طريقِ نجاحهِ، يقول رالف والدوامرسون: (ما يوجد أمامنا وما يوجد خلفنا يُعتبر ضئيلاً جداً بالمقارنة بما يوجد بداخلنا).
كسب القلوب
من طبيعة قلوب البشر، أن تُحبّ من يُحسن إليها، وتبتعد عمّن أساء إليها وآذاها، وقد حرص الإسلام على تعليم الإنسان هذا المبدأ العظيم من خلال ما غرسهُ من أخلاقٍ عظيمةٍ في شخصية سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ لما لكسب القلوب من أثرٍ على الإنسان، والبعد كلّ البعد عن الجفاء، والتنافر، والتباغض، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وقد دعا الإسلام المسلمين إلى الصبر عند الغضب ، والاتصاف بالحلم، و العفو عند الإساءة، وعلى الإنسان أن يُشعر بأخيه الإنسان، بأنّه ذو أهميةٍ عاليةٍ، وله دورٌ مهمٌ في الحياة، فهذه قواعد أساسيّة في التعامل مع الآخرين ، وكسب قلوبهم، قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). فعلى الإنسان إذا أراد أن يبدأ حياةً جديدةً، ويكون ناجحاً في حياتهِ، أن يكسب قلوب المحيطين بهِ، كما فعل سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث ترك الشدّة، والغلظة، وتعامل مع الناس برقّةٍ، ورفقٍ، ورحمةٍ.
الطاقة الكامنة وقود الحياة
إنّ التّجديد و التّغيير في حياة الإنسان يحتاج منه إلى طاقةٍ عاليةٍ؛ حتى يستطيع أن يجد القوة التي تدفعه للأمام، فالإنسان إن كانت لديه الحماسة العالية، كانت الطاقة أيضاً عاليةً لديه، لأنّ الرغبة الداخلية، والدوافع الكامنة، تمدّه بالطاقة اللازمة للتغيير ، إلا أنّ الإنسان يحتاج دائماً إلى توليد طاقةٍ جديدةٍ بالإضافة إلى الدوافع الداخلية، فالأكل، والشرب، والرياضة ، والتنفس جميعها لها تأثيرٌ في حياة الإنسان وتقدّمهِ، يقول جورج برنارد شو :(العقل السليم في الجسم السليم، ولا بدّ من رفع مستوى كليهما؛ حتى تعيش حياةً صحيةً سليمةً).
التوجيه الصحيح للقوة
كلّ إنسانٍ يمتلك في داخلهِ قوةً، تزيد من إيمانهِ وطاعتهِ، وتُعينهُ على مواجهة الأهواء والصعاب، وتدفعهُ للعمل الحسن، وتُبعده عن كلّ الشرور، والقوة المقصودة هنا، ليست القوة الجسدية فقط، وإنما تشمل قوة العقل، والقلب، والإرادة، وهذه القوة يمكن أن يكرّسها الإنسان لأمورٍ كثيرةٍ في حياتهِ، فهي تفيدهُ في طاعة الله، وفي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي تحسين وتطوير حياتهِ، وتجديدها، وهذه القوة هي علامة إيمان العبد، فدرجة المؤمن القوي عند الله تعالى، أفضل من درجة المؤمن الضعيف، فالمؤمن القوي أكثر عطاءً وفائدةً من المؤمن الضعيف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ).
اتخاذ القرار
إنّ اتخاذ القرار في حياة الإنسان أصبح من الأمور الملحّة والضروريّة، حيث تكمن حاجة الفرد في التعبير عن مواهبهِ، وقدراتهِ، التي تميزهُ عن غيرهِ، وتظهر الحاجة لديه في ترك بصمةٍ في العالم ، تشهد على وجوده، وأثرهِ، وإنجازاتهِ الناجحة ، ولذلك يبدأ بالتصميم، والإبداع، والابتكار، أو أيّ عملٍ آخر، يجد فيه التعبير عن ذاتهِ، وقد لا يبدأ الإنسان حياتهُ، بالمقدرة على اتخاذ قراراتهِ بنفسهِ، فيتخذها الآباء نيابةً عنه، كأن يقرروا ماذا يلبس، وماذا يأكل، أو نوعيّة البيئة التي يعيشها، والمدرسة التي يلتحق بها، إلا أنّه من الجيّد للإنسان أن يصل إلى مرحلةٍ معيّنةٍ من حياتهِ، يتّخذ فيها الإنسان قراراتهِ بنفسهِ، وأن يُحدد ما يريدهُ من حياتهِ، فاتخاذ القرار هو مهارة يتمّ تعلّمها، ويمكن ممارستها بسهولةٍ إذا وُجدت الثّقة بالنفس لدى الفرد.