إني تذكرت والذكرى مؤرقة
شرح قصيدة إني تذكرت والذكرى مؤرقة
إنّي تذكرتك والذكرى مؤرقة؛ قصيدة كتبها الشاعر محمود غنيم، وهي قصيدة في تذكر الأيام الماضية تلك التي كان للعرب أمجاد تليدة وكان الإسلام على رأس الهرم، ووقعت القصيدة في أربعة وخمسن بيتًا نسجها الشاعر على البحر البسيط، أحد أنواع بحور الشعر ، وقد كتبها عام 1935م إذ يقول:
- ما لي وللنجم يرعاني وأرعاهُ
- أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناهُ
يتساءل الشاعر في ليله عن سبب أرقه وسهره وأرق النجم وسهره، وكأن النوم قد جافى جفنه وجفن النجم، فاشتركا معًا في السهر وإحياء تلك الليلة بالتذكر والتوجع.
- لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردِّدُها
- أوَّاهُ لو أجْدت المحزونَ أواه
إنّ سبب استيقاظ الشاعر في هذا الوقت من الليل هو حزنه وتأوهه على آلامه، فهو يُخاطب الليل ويتشاطر الأحزان معه، ويقول ليت الآه تُخفف من الأحزان يا أيّها الليل.
- لا تحسبَنِّي محبًا يشتكي وَصبًا
- أهْونْ بما في سبيل الحب ألقاه
اعتاد الليل على أنّ الساهرين الحزينين يكون صلب ألمهم من الحب والشوق ولوعة الفراق، ولكن الشاعر يُعاني الآن من أمر مختلف على الإطلاق.
- إنى تذكرتُ والذكرى مُؤَرِّقةٌ
- مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه
إنّي أتذكر الآن يا أيّها الليل ذكرى حزينةً أفجعت فؤادي، تذكّرت تلك الأيام التي كان لنا فيها قول بين القائلين، حين كان المجد هو سمتنا بين سواد الناس.
- ويحَ العروبة كان الكونُ مسرحها
- فأصبَحت تتوارى في زواياه
لقد كانت العروبة في شتى بقاع الأرض، وكأن كل الكون لها، لكن الآن باتت تُخفي نفسها في زوايا الدنيا حيث لا مقام لها.
- أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد
- تجدْهُ كالطير مقصوصًا جناحاه
لم يعد الإسلام ذاك النسر الصارخ القوي الذي يفرض هيبته على النّاس، بل صار طيرًا ضعيفًا قُصت أجنحته حتى لا يقوى على الطيران.
- كم صرفَتْنَا يدٌ كنّا نصرِّفها
- وبات يملكنا شعبٌ ملكناه
كنّا في ذلك الوقت أسياد أهل الأرض باسم الإسلام وكنّا الملوك، ولكن الآن اختلفت الموازين فصار الذي ملكناه في زماننا سيدًا علينا.
- كم بالعراق وكم بالهند ذو شجنٍ
- شكا فردَّدَت الأهرامُ شكواه
يحكي الشاعر عن تقارب النّاس في ذلك الوقت وإحساسهم بآلام بعضهم، فلو قال رجل في الهند آهٍ لتوجع لوجعه رجل في مصر وساعده.
- بني العمومةِ إن القُرحَ مسّكموا
- ومسَّنا نحن في الآلام أشباه
كل العرب بين بعضهم أبناء عمومة يعودون إلى نفس الصل، وكلهم قد مسّهم من الألم ما مسّهم، والمصائب تحل الآن على الجميع.
- يا أهل يثرب أدمت مُقْلَتَيَّ يدٌ
- بدريةٌ تسأل المصريَّ جدواه
الآن يزف الشاعر ألمه إلى أهل يثرب حيث مهد الإسلام، ويشكي لهم عن الألم الصارخ الذي يُعانيه، وعن ضعف العرب بين بعضهم وتشتتهم.
- الدينُ والضادُ من مغناكم انبعثا
- فطبَّقا الشرقَ أقصاه وأدناه
يُبرّر الشاعر سبب توجهه إلى أهل يثرب، فيقول هم الذين خرجت اللغة في أصلها من عندهم، والإسلام مهده كان بين يديهم حتى استطاعوا امتلاك الشرق كله بهذين السببين.
- لسنا نمدّ لكم أيماننا صلةً
- لكنما هو دَيْن ما قضيناه
يحكي الشاعر عن سبب استغاثته وطلبه أهل يثرب؛ إذ بيّن أنّهم أصحاب فضل على الأمة الإسلامية حين انطلق الإسلام من عندهم، وذلك دَين على الأمة كلها.
- هل كان دِيْن ابنِ عدنانٍ سوى فلق
- شقّ الوجود وليلُ الجهل يغشاه
تابع الشاعر قوله إنّ دين الأمة هو الإسلام؛ حيث لا بُد من الدفاع عنه، ومعجزته هي انشقاق القمر وانشقاق الجهل من شرق الأرض إلى غربها.
- هي الحنيفةُ عينُ الله تكلؤها
- فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
لا يُمكن لأيّ شخص أن يُشوه الإسلام، فهو الدين الذي تكفل الله بحمايته وكلما أرادوا تشويهه شاهت وجوههم وزادت قذارتهم.
- هل تطلبون من المختار معجزةً
- يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياه
كيف يطلب القوم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معجزةً أكثر من تلك التي فعلها حين أحيا تلك القلوب التي ماتت وغفلت عن ذكر ربها.
- سنُّوا المساواة لا عُرْبٌ ولا عجَمٌ
- ما لامرئ شرفٌ إلا بتقواه
الإسلام هو دين المساواة، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا من خلال تقواه لربه تبارك وتعالى فقط والعمل الصالح.
- يا من رأى عُمرًا تكسوه بردتُه
- والزيتُ أدْمٌ له والكوخُ مأواه
لم يعمد الخلفاء الراشدون إلى بهرجة الحياة الدنيا ولا تزودوا منها، فقد كان الزيت طعام ابن الخطاب -رضي الله عنه-، وعاش في الكوخ مكتفيًا به عن القصور.
- يهتز كسرى على كرسيِّه فرَقًا
- من بأسه وملوكُ الرومِ تخشاه
تواضُع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يُنقص منه على الإطلاق، بل كانت ملوك الروم كلها تخشاه وتخاف منه ومن شدته.
- سلِ المعانيَ عنَّا إنّنا عربٌ
- شعارُنا المجدُ يهوانًا ونهواهُ
أيّها الليل اسأل عنا نحن العرب، واسأل عن أمجادنا، تلك التي كانت في سابق الزمان، وليس لنا في هذه الحياة شعار سوى المجد والكرم.
معاني مفردات القصيدة
وردت في القصيدة مجموعةً من المفردات التي لا بُدّ من شرحها لبيان المعنى العام للقصيدة، ومن أبرزها ما يأتي:المفردة | معنى المفردة |
وصب | هو الألم والتوجع والحزن. |
تكلؤه | تحرسه وتحفظه وترعاه. |
مغناكم | الأرض التي تعيشون فيها. |
القُرحَ | الجراحات المؤلمة. |
مؤرق | منع النوم عنه. |
الأجداث | القبور، وهي جمع من جدث. |
الغمض | غمض العينين هو إطباق أجفانها. |
تليدًا | التليد هنا هو القديم. |
ويح | ويح كلمة تدل على الشفقة والتوجع، وقد تأتي بمعنى ويل. |
تتوارى | يعني تختفي وتختبئ. |
شجن | الشجن هنا الحزن. |
فلق | الفلق هنا هو شقّ الشيء وظهوره واضحًا. |
الحنيفة | الحنيف هو المائل إلى الإسلام، وهنا المقصود بها دين الإسلام. |
أدم | يعني الإدام وهو المرق وما شابهه. |
الصور الفنيّة في القصيدة
وردت في القصيدة مجموعةً من الصور الفنية، ومن أبرزها ما يأتي:
- ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه
جعل النجم مثل الإنسان الذي يرعى، وهنا استعارة مكنية ؛ حيث حُذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه
جعل المجد كالشيء الذي يضيع ويلتقي، وهنا استعارة مكنية؛ حيث حُذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- الدين والضاد من مغناكم انبعثا
جعل الدين والضاد كالإنسان الذي ينبعث من الموت، وهنا استعارة مكنية؛ حيث حُذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- تجدْهُ كالطير مقصوصًا جناحاه
شبه الإسلام بالطير الذي قُصت أجنحته، وهنا تشبيه مجمل؛ حيث حُذف وجه الشبه، وأبقى على المشبه والمشبه به وأداة التشبيه.
الأفكار الرئيسة في القصيدة
وردت في القصيدة مجموعةً من الأفكار الرئيسة وهي على النحو الآتي:
- هروب النوم من الشاعر إثر الذكريات التي تتالت عليه.
- ضعف الشاعر أمام الذكرى القاسية حين كان المجد بين يدي العرب.
- تذكر أمجاد الإسلام.
- حال الإسلام في هذا الوقت.
- تذكر حال الخلفاء الراشدين.
كلمات القصيدة
قال الشاعر محمود غنيم:
ما لي وللنجم يرعاني وأرعاهُ
- أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناهُ
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردِّدُها
- أوَّاهُ لو أجْدت المحزونَ أواه
لا تحسبَنِّي محبًا يشتكي وَصبًا
- أهْونْ بما في سبيل الحب ألقاه
إني تذكرتُ والذكرى مُؤَرِّقةٌ
- مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه
ويحَ العروبة كان الكونُ مسرحها
- فأصبَحت تتوارى في زواياه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد
- تجدْهُ كالطير مقصوصًا جناحاه
كم صرفَتْنَا يدٌ كنّا نصرِّفها
- وبات يملكنا شعبٌ ملكناه
كم بالعراق وكم بالهند ذو شجنٍ
- شكا فردَّدَت الأهرامُ شكواه
بني العمومةِ إن القُرحَ مسّكموا
- ومسَّنا نحن في الآلام أشباه
يا أهل يثرب أدمت مُقْلَتَيَّ يدٌ
- بدريةٌ تسأل المصريَّ جدواه
الدينُ والضادُ من مغناكم انبعثا
- فطبَّقا الشرقَ أقصاه وأدناه
لسنا نمدّ لكم أيماننا صلةً
- لكنما هو دَيْن ما قضيناه
هل كان دِيْن ابنِ عدنانٍ سوى فلق
- شقّ الوجود وليلُ الجهل يغشاه
هي الحنيفةُ عينُ الله تكلؤها
- فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
هل تطلبون من المختار معجزةً
- يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياه
سنُّوا المساواة لا عُرْبٌ ولا عجَمٌ
- ما لامرئ شرفٌ إلا بتقواه
يا من رأى عُمرًا تكسوه بردتُه
- والزيتُ أدْمٌ له والكوخُ مأواه
يهتز كسرى على كرسيِّه فرَقًا
- من بأسه وملوكُ الرومِ تخشاه
سلِ المعانيَ عنَّا إنّنا عربٌ
- شعارُنا المجدُ يهوانا ونهواهُ