أين كنوز قارون
مكان كنوز قارون
بيّن الله -تعالى- في سورة القصص أنّه قد خسف الأرض بقارون وداره ، حيث قال الله -تعالى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ)، والخسف؛ هو أن ينقلب بعض ظاهر الأرض إلى باطنها، وإن دلّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على أنّ مكان قارون وداره بما فيها من كنوز هو باطن الأرض.
التعريف بقارون
من هو قارون
هو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب -عليه السلام-، وكان ابن عم وابن خالة موسى -عليه السلام- ومن الذين آمنوا به، كما كان يعدّ أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون، وأكثرهم قراءة للتوراة، وأجملهم وأغناهم، إلّا أنّ فرعون قد تمكّن من استمالته إلى جانبه فجعله وزيراً للمال، فأصابه الكبر، والغرور، والاستعلاء على الناس، بحيث أصبح كفرعون الذي اغترّ بملكه وخضوع الناس له، وكهامان الذي اغترّ بقوته وقربه من فرعون وتوليه أمور الجند، والأمن، والبناء.
وقد ذكر أهل العلم بالأخبار والسير أنّ أول طغيان وعصيان كان لقارون عندما رفض تنفيذ أمر الله -تعالى- الذي أوحاه إلى موسى -عليه السلام-؛ وهو أن يأمر قومه بتعليق أربعة خيوط بلون السماء في أرديتهم تُذكرهم بأنّ الله -تعالى- يُنزل كلامه منها، إلّا أنّ قارون استكبر ورفض فعل ذلك؛ لأنّ الأسياد والأرباب كانوا يفعلون ذلك بعبيدهم لتمييزهم عن غيرهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ موسى -عليه السلام- كان قد دعا فرعون وهامان وقارون إلى توحيد الله -تعالى- وعبادته وترك الكفر والضلال، إلّا أنّهم أعرضوا عنه ورفضوا دعوته، حيث قال الله -تعالى-: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ)، وليس ذلك فحسب بل أخذوا باتّهامه الكذب وتلفيق التهم الباطلة له، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ* إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ).
قصة قارون في القرآن
أُشير مسبقاً إلى أنّ قارون كان ذا مالٍ كثير ، وممّا يُظهر ذلك أنّ مفاتيح خزائنه وكنوزه كان حملها يثقل على العصبة من الرجال الأشداء، حيث قال الله -تعالى-: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)، فعمد أهل الوعظ والإرشاد إلى نصحه بعدة أمورٍ منها ما يأتي:
- إنفاق المال في مرضاة الله -تعالى-؛ كالتصدّق على الفقراء والمساكين، وصلة الرحم، ونحو ذلك، ولا بأس بالانتفاع ببعض المال في أمور الدنيا بقدر الكفاية، حيث قال الله -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).
- مجانبة التكبر والاستعلاء والغرور، حيث قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).
- مجانبة الإفساد في الأرض، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
- شكر الله -تعالى- وطاعته كما أحسن إليه وأنعم عليه، حيث قال الله -تعالى-: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ).
لكن قارون لم يلتفت إلى نصحهم، وكان ردّه عليهم بأنّه قد أُعطيَ هذا المال لكونه يستحقّ ذلك، حيث قال الله -تعالى-: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)، ولم يكتف بذلك فحسب بل كان يعمد للخروج على قومه في موكبٍ مهيبٍ مليء بالزينة الفاخرة، ممّا أدّى إلى افتتان بعض الناس بذلك وتمنّي أن يكون لهم من المال كمالِه.
أمّا أهل العلم والحكمة فكان موقفهم على خلاف ذلك، فقد كانوا يُخبروا الناس بأنّ ثواب الله -تعالى- الذي أعدّه للمؤمنين في الدار الآخرة أعظم وأفضل، حيث قال الله -تعالى-: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)، أمّا عقاب الله -تعالى- لقارون فكان بخسف الأرض به وبداره، لقوله -تعالى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ).