أين تنبت شجرة الزقوم
وصف نار جهنّم
توعّد الله تعالى من أعرض عن ذكره وكفر به عذاباً عظيماً في الأخرة وهو ولوج نار جهنّم، ولقد جاء وصف النار في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ليستطيع الإنسان تقدير عذابها وسوء موردها، فيكون ذلك رادعاً يردعه عن المعاصي والمحرمات التي قد تنهي مطافه مستقرّاً فيها، وأول وصف جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ هذه النار ليست كالنار في الدنيا، بل إنّ نار جهنّم أعظم حرّاً وإحراقاً من نار الدنيا بتسع وستين درجة، كما في البخاريّ ، وقد أخبر النبي -عليه السلام- أنّ ما يجد البشر من أعظم أيام الدنيا حرارة أو برودةً، إنما كان نفساً تنفّسته جهنّم أذن الله تعالى أن يحياه أهل الدنيا، ولقد وصف الله تعالى ناره في القرآن الكريم إذ قال: (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى*نَزَّاعَةً لِلشَّوَى)، أيّ إنها نار محرقة تشوّه لحم الوجه وتنزع جلده، فتذهب بحسنه وجماله، ونار جهنّم ذات قعرٍ بعيد فيه الجبال الحامية التي يصلاها أهل الضلال والإجرام في الدنيا، وفيها المقامع والأغلال التي تغلّ أيدي المجرمين الكفار، وفيها طعام حارّ مرّ قبيح، وفيها الشراب يغلي، وكلّ أيامها حسرة وندامة وذل على ساكنيها.
وكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ للجنة درجات ومنازل عدة تفاضل بين أهل الفضل والحسنات، فإن لجهنّم كذلك دركات يتفاضل فيها أهل الشر والكفر، وأسوأ من يسكنها أهل النفاق الذين يلبسون على المؤمنين دينهم، يقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)، وأما أخف الناس عذاباً في جهنّم رجل توضع تحت قدمه جمرة يغلي منها دماغه. والكافر في جهنّم يحمل فوق حرّها وعذابها وجوعه وعطشه الجهد والمشقّة، فهو يجرّ السلاسل الموثوقة في جسده، وتُغلّ يداه فهما مغلولتان تعيقان حركته، وينادي الواحد فيهم فلا يسمع أحد صوته، ولا يُجاب سؤاله، فإن رقّ جلده وأوشك على الموت ، أبدله الله جلداً غيره ليذوق العذاب من جديد، فهذا حاله طول الوقت خالداً في النار كما وعد الله سبحانه.
مكان شجرة الزقوم
يشكّل طعام أهل النار واحداً من ألوان العذاب التي يمرون بها، ولقد ذكر الله تعالى طعامهم بقوله سبحانه: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ*كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)، وشجرة الزقوم تنبت في نار جهنّم، وترتفع أغصانها في دركاتها، كما أخبر عنها الله تعالى بقوله: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ*طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ)، ولما سمع المشركون بأنّ شجرةً ستنبت في جهنّم وبأنهم سيأكلون منها سخروا من ذلك القول، واستنكروا أن تنبت شجرة في النار والنار تحرق الشجر وما سواه، والجواب على ذلك بأنّ الله تعالى خالق النار وخالق الشجر في النار قادرٌ أن يحرّم الشجر على النار، فلا تأكله، والله تعالى أخبر أنّ في النار زبانية هي ملائكة العذاب، وهو بقدرته يحول بين الزبانية وحرّ جهنّم، وكذلك ينبت الشجر في أصلها دون عجبٍ من ذلك.
ولقد ورد وصف ثمار شجرة الزقوم في القرآن الكريم بقول الله تعالى: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ)، ومعلومٌ أن المشبّه به وهو رؤوس الشياطين غير مصوّر للسامعين حقيقة واضحة، إلا أنّ صورة الشيطان الذهنية عند البشر مقرونة بالقبح والشناعة، حتى كان العرب يشبّهون ما يستقبحون بقولهم كوجه الشيطان . قال الزمخشريّ في تفسير الآية الكريمة: (وشبَّه برؤوسِ الشياطينِ دلالةً على تناهيهِ في الكراهيَةِ وقبحِ المنظرِ؛ لأنّ الشيطانَ مكروهٌ مستقبحٌ في طباعِ الناسِ، لاعتقادِهم أنَّه شرّ محضٌ لا يخلِطه خيرٌ، فيقولون في القبيحِ الصورةِ: كأنَّه وجهُ شيطانٍ).
طعام وشراب ولباس أهل النار
ومما أخبر عنه القرآن الكريم طعاماً لأهل النار غير الزقوم في قول الله تعالى: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)، فهو الغسلين الذي هو الصديد الذي يخرج من أهل النار، وهو في منتهى القبح والسوء أعدّه الله تعالى عذاباً آخر لأهل النار، وهناك لونٌ آخر من ألوان الطعام الوارد في قوله سبحانه: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ*لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)، أي يأكلون طعاماً لا ينفعهم ولا يدفع عنهم الألم، ولا يسدّ جوعهم، وكذلك ورد في القرآن صفة أخرى للطعام، يقول الله تعالى: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا*وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا)، فالطعام بحدّ ذاته يوصف بأنه ذو غصة يصعب بلعه، وينشب في حلق الآكل فلا يستطيع معه البلع ولا وإخراجه، فيشقى به إذا أكله، ويشقى إن لم يأكله.
وأما ما ورد في شراب أهل النار فهو الماء المغليّ شديد الحرارة يشربه المعذَبون وهم يعلمون شدة حرارته لكنّهم يحاولون أن يستغيثوا من الحرّ والعذاب بشربهم له، قال تعالى: (وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا)، ولقد قال الله تعالى في حال الكفار إن هم شربوا ماء الحميم: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)، وأما لباسهم فكانت صفاته كالطعام والشراب زيادةً في العذاب لا تخفيفاً منه، قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ)، فهي ملابس من نار، وقطعت من النار، وتزيد لابسها العذاب والتنكيل.
وفوق كلّ ذلك العذاب الذي يتقلّب به أهل النار في طعامهم وشرابهم ولباسهم، فإنّ الشعور بالندم والحسرة والذل لا يكاد ينفكّ عن أحدهم، فإنّ كل ما يلاقي في جهنّم من ألوان العذاب والألم قد استحقّه لسوء فعاله وكفره وتكذيبه لله ولرسله، وإنّ الملائكة لتأتيهم تزيد عليهم حسرتهم إذ تذكّرهم بأنّ رسل الله ومواعظه كانت تأتيتهم لكنهم كانوا يصدّون عنها راغبين، قال تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ*لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ).