أين تأسست أول دولة للمسلمين
تأسيس الدولة الإسلامية
ظلّ النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- والقلة المؤمنة معه في مكّة المكرّمة يدعون إلى دين الله تعالى والإيمان برسالة التّوحيد وقدّموا التّضحيات الجسام في سبيل الدّعوة ورضا الله -سبحانه وتعالى-، وقد كان عزاء النّبي ومن آمن معه أنّه سيأتي يومٌ يعزّ الله تعالى فيه الإسلام وينصره ويُظهره ويسود في الأرض، وقد كانت أوّل تباشير النّصر والتّمكين للمسلمين يوم أسّسوا دولتهم الأولى في المدينة المنوّرة لتكون مقدّمة للفتوحات الإسلاميّة والإنجازات الكبيرة للمسلمين، فكيف كان تأسيس الدّولة الإسلاميّة؟ ومتى تأسّست؟
بداية تأسيس دولة الإسلام في المدينة المنوّرة
بينما كان النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- في مكّة المكرّمة يلتقي بالقبائل العربيّة التي كانت تأتي زائرةً إليها؛ لأداء مناسك الحجّ، بايع عددًا من رجال يثرب وعددهم اثنا عشر رجلًا عُرفت بيعةً عُرفت ببيعة العقبة الأولى، وأرسل معهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مصعب بن عمير -رضي الله عنه-؛ ليعلّمهم أمور الدين ويدعو قومهم إلى الإيمان بالله، وعاد في موسم الحجّ التالي ومعه عددٌ كبيرٌ ممّن أسلم من أهل المدينة؛ فبايعوا النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وكان من جملة ما بايعهم عليه رسول الله؛ أن ينصروه ويؤازروه إذا رحل إليهم مهاجرًا.
وبعد بيعة العقبة ودخول عددٍ من أهل المدينة في الإسلام؛ أذن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنوّرة، وانتظر هو -عليه الصلاة والسلام- حتى جاءه الأمر الإلهي بالهجرة إلى المدينة المنوّرة؛ فخرج منها برفقة صاحبه أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه-، بعد أن خلّف علي -رضي الله عنه- في فراشه حتّى يضلّل كفّار قريش، ويردّ الأمانات إلى أصحابها، وقد ظلّ النّبي الكريم مع صاحبه عدّة أيام في هذه الرّحلة، حيث كانا يختبئان في غار ثور خشية أن يدركهم الكفّار، وقد وصل النبي وأبو بكر إلى أطراف المدينة المنوّرة وتحديدًا في منطقة تسمّى قباء حيث بنى فيها مسجدًا وصلّى فيه، ثمّ ارتحل شطر المدينة المنورة ودخلها بعد ثلاثة عشر عاماً من البعثة الشّريفة، وبإقامة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في المدينة المنوّرة أسّس الدّولة الإسلاميّة الأولى بقيادته -عليه الصلاة والسلام-.
أسس بناء دولة الإسلام في المدينة المنورة
كانت الدّولة الإسلاميّة الأولى في المدينة المنوّرة مثالًا للتمدّن والحضارة والرّقي، حيث أُسّست على التّقوى من أوّل يومٍ؛ فأقام النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الدولة على أسس رئيسة هي: شهادة ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له والعمل بمقتضاها، وشهادة أنّ محمَّدًا رسول الله والعمل بمقتضاها، والإيمان القاطع باليوم الآخر.
الأعمال التي قام بها النبي عند تأسيس الدولة
قام النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بجملةٍ من الأمور بعد وصوله إلى المدينة المنوّرة كانت تمهيدًا ضروريًّا لإرساء قواعد الدولة، ومن أبرز هذه الأمور والأعمال التي قام بها -عليه الصلاة والسلام- ما يأتي:
- بناء المسجد: حيث كان بناء مسجدٍ جامعٍ للمسلمين، يؤدّون فيه صلاتهم، ويجتمعون لإدارة شؤونهم والمشاورة بينهم، والتعلّم بين يدي رسول الله، فلم يكن المسجد مكانًا للصلاة فحسب، بل مكانًا لاتخاذ القرارات المصيريّة للأمّة، وتربية الأجيال الجديدة التي ستحمل على عاتقها مسؤوليّة نشر رسالة الإسلام إلى كافة ربوع المعمورة، لذا حرص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أن يكون بناء المسجد من أوّل الأعمال التي قام بها بعد وصوله إلى المدينة المنوّرة، وسمّي بالمسجد النبويّ.
- تنظيم علاقات المسلمين مع بعضهم البعض: وذلك من خلال إعادة اللّحمة إلى سكان المدينة الأصّليّين من الأوس والخزرج، حيث كان بينهم في السابق حروبٌ وفتن، كما آخى النبي بين المهاجرين والأنصار في صورة غاية في المثاليّة وكمال الأخلاق.
- تنظيم علاقة المسلمين بغيرهم: حيث عقد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- معاهدةً بين المسلمين واليهود الذين كانوا يسكنون المدينة المنوّرة، ونصّت هذه المعاهدة على جملةٍ من البنود تقضي تحقيق العدالة وضمان الحقوق، وعدم الغدر أو التحالف ضد المسلمين، ونصرة المدينة المنوّرة على من يعاديها من خارجها.