أول من يحاسب يوم القيامة
أوّل مَن يُحاسب يوم القيامة
أوّل مَن يُحاسب يوم القيامة من الأُمم
أمّة الإسلام؛ أوّل أمّةٍ يُنادى عليها للحساب يوم القيامة، استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ)، فبعد أن يطول الموقف بالعباد في أرض المحشر ، ويشتدّ بهم الحال؛ من طول الانتظار، يُنادي الله -عزّ وجلّ- أمّة النبيّ محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-؛ ليبتدئ الحساب، فيكون ذلك علامةً على إكرام الله، ورحمته بها، كما تكون أمّة محمّدٍ في ذلك المقام شاهدةً على غيرها من الأُمم؛ حيث تشهد للأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- بتبليغ رسالاتهم، وتأدية أماناتهم بما عَلِمَته وصدّقته من أحوالهم، فتشهد أمّة الإسلام لنبيّ الله نوح -عليه السلام- حينما لا يجد له من قومه مَن يشهد له بالصدق والتبليغ، قال الله -تعالى-: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
أوّل من يُحاسب يوم القيامة من العباد
يُؤتى بالمنافقين والمرائين يوم القيامة؛ ليكونوا أوّل صنفٍ من أصناف العباد يُوقفه الله للحساب على أعماله، استدلالاً بما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ).
وقد ذمّ الله -عزّ وجلّ- الرِّياء في كتابه، وتجدر الإشارة إلى بيان المقصود بالرِّياء في اللغة؛ فهو من أرأى الرّجل؛ أي طلب الرِّياء والسُّمعة من عمله، فالمُرائي يسمّى بذلك؛ لأنّه يُرِي الناس فعله، ويترك الإخلاص في النيّة، أمّا الرِّياء في الاصطلاح؛ فقد تعدّدت تعريفاته؛ فعرّفه التهانويّ بأنّه: الفعل الصالح المقصود به إراءة الغير، وعرّفه الجرجانيّ بأنّه: مُراعاة نظر الغير بالفعل الحَسن، الخالي من نيّة الإخلاص، ويتحقّق الرِّياء عند الغزاليّ في كلّ فعلٍ لا يُريد به العبد وَجْه الله -تعالى-، فيبتغي مراءاة النّاس بأعمال الخير؛ طَلْباً للمنزلة والمكانة عندهم، وقد يكون هدف الرِّياء؛ نَيْل مالٍ، أو جاهٍ، أو ثناءٍ، بإتيان عبادةٍ يُراد بها غير وَجْه الله -تعالى-، كما ذهب لذلك ابن حجر الهيثميّ، وهو بذلك المعنى يفترق عن السُّمعة؛ فالرِّياء يتعلّق بالعمل، بينما تتعلّق السُّمعة بالقَوْل، كما قال بذلك التهانويّ، وقال ابن عبد السلام إنّ المُراد بالسُّمعة الإتيان بالعمل على وجه الخفاء، ثمّ تحديث النّاس به، أمّا الرِّياء؛ فيتعلّق بنيّة العمل حينما لا يُراد به وَجْه الله، وقد بيّن الله -عزّ وجلّ- ورسوله -عليه الصلاة والسلام- مضارّ الرِّياء في الآخرة، يُذكر منها:
- مَحْق العمل الصالح، وإبطال آثاره، فقد شبّه الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز حال الرَّجل المُرائي المتكبّر على ربّه، بحال الرَّجل الذي يملك جنّةً من ثمارٍ وأشجارٍ كثيرة، فيُصيبها إعصارٌ، ليُحيلها رماداً، قال -تعالى-: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)، كما قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا جمع اللهُ الأوَّلين والآخرين يومَ القيامةِ ليومٍ لا ريبَ فيه نادى منادٍ من كان أشرك في عملٍ عملَه للهِ فلْيطلبْ ثوابَه من عندِ غيرِ اللهِ فإنَّ اللهَ أغنى الشركاءِ عن الشركِ).
- مقابلة رِياء العبد بالذلّ والهوان يوم القيامة، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ).
- الحرمان من نَيْل أجر الأعمال يوم القيامة ، إذ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالسَّناءِ والدِّينِ والرِّفعةِ، والتَّمكينِ في الأرضِ، فمَن عمِلَ منهُم عَمَلَ الآخرةِ للدُّنيا، لَم يكُن لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ).
- زيادة ضلال وتَيْه المرائين والمنافقين، قال -تعالى-: (يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ*فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ).
تعريف الحساب يوم القيامة
يُعرّف حساب يوم القيامة بأنّه: المشهد الذي يُوقف الله فيه العباد؛ ليُحاسبهم على أعمالهم؛ فيُضاعف الحسنات لمن عمل خيراً، ويُجازي السيئة بِمثلها لمَن عمل شرّاً وسوءاً، فيقرّ العباد بأعمالهم في الحياة الدنيا، ويعترفون بذلك، فيُؤتى العبد المؤمن كتابه بيَمِينه؛ ليكون ذلك علامةً على فَوْزه، قيفرح لذلك فرحاً شديداً، بينما يُؤتى العبد العاصي كتابه بشِماله، فيكون ذلك علامةً على خسرانه، إذ إنّه من الأشقياء، ثمّ يُوضع الميزان؛ لتُوزن به أعمال العباد، فمَن رجحت أعماله الصالحة؛ نال رحمة الله -سبحانه-، ومن رجحت أعماله السيئة؛ نال جزاءها، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ*فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ*فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا*وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ*فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا*وَيَصْلَى سَعِيرًا).
أنواع الحساب يوم القيامة
يختلف نوع الحساب يوم القيامة باختلاف فئات الناس، والتي تنقسم بحَسبِ أعمالهم في الحياة الدُّنيا؛ فمنهم مَن يدخل الجنّة دون حسابٍ أو عذابٍ، أمّا مَن يُحاسب من العباد؛ فالحساب بحقّهم نوعان؛ الأوّل: حساب العَرض؛ بأن تُعرَض أعمال العبد وذنوبه عليه، فإن اعترف بها؛ عفا الله عنه، وسترها عليه كما سترها عليه في الدنيا، وهذا النوع من الحساب خاصٌّ بالمؤمنين، قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ*فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)، أمّا النوع الثاني من الحساب؛ فهو: حساب المناقشة؛ إذ إنّه يصعُب، وقد يطول بحسب حجم الذّنوب، فالمناقشة من العذاب، وترجع أنواع الحساب لِقَوْله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَومَ القِيامَةِ إلَّا هَلَكَ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أليسَ قدْ قالَ اللَّهُ تَعالَى: {فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، وليسَ أحَدٌ يُناقَشُ الحِسابَ يَومَ القِيامَةِ إلَّا عُذِّبَ).