أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف
الترمذي أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف
يُعدُّ الإمامُ أبو عيسى الترمذيّ أوّل من قام بتقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام، وهي: الصّحيح، والحسنُ، والضعيف ، وقد ذكر ذلك ابن تيمية، ولم يذكر المُحدّثين أنّ أحداً قبله قام بتقسيم الحديث إلى أقسام، ,الحسنُ عنده: هو الحديث الذي يتعدّدُ طُرقه، ولا يكون شاذّاً، ولم يكُن أحد رواته مُتهمّاً بالكذب، وأمّا الضّعيف: فهو الحديث الذي يكون راويه سيّء الحفظ ومُتّهمٌ بالكذب، وأنكر بعض النّاس على الترمذيّ تقسيمه، وذلك لأنّه يقول: حسنٌ غريب، والغريب ما انفرد به راوٍ واحد، والحديث قد يكون صحيحاً غريباً، كحديث إنّما الأعمال بالنّيات، وأهل الحديث يقولون: حديثٌ غريب، أو غريبٌ من هذا الوجه.
وقد يُصحّح الترمذيّ ويختلفُ مع غيره في تصحيحه، أو يُضعّف حديثا أو يُحسّنه ويختلف معه غيره في الحُكم على الحديث، وأمّا قبل الإمام الترمذيّ فكان تقسيم العُلماء للحديث إلى صحيح وضعيف، والضّعيف نوعان: ما كان واهياً ولا يُعمل به، والآخر لا يمتنع العمل به وهو ما يُناسب الحسن عند الترمذيّ، ويكون ذلك بحسب رِجال الحديث ورُواته، وحُكم العُلماء عليهم من حيث الإتقان والضّبط.
وبناءً على ما سبق قد نجد بعض الفُقهاء كالإمام أحمد يحتجُّ بالحديث الضّعيف؛ لأنّ تسميته بالضّعيف كان قبل تقسيم الحديث إلى عدّة أقسام، فيكون أرفع من الحديث الحسن ، فلم يكُن يُقسّم الحديث إلى صحيح وضعيف وحسن، فعندهُ الحديث إمّا صحيح أو ضعيف، وذهب ابن القيّم وابن تيمية حذوه في ذلك؛ لأنّ مُصطلح الحسن في الحديث كان من تقسيم الترمذيّ، وقول بعض الفُقهاء: إنّ الحديث الضّعيف عندي أحبُّ إليّ من القياس، فيكون قصده الحديث الضّعيف غير المتروك. ويُعدّ الحديث الحسن عند الإمام التّرمذي في مراتب الصّحة.
تعريف الصحيح والحسن والضعيف
عرّف المُحدّثين أقسام الحديث بتعريفٍ خاصٍّ لٍكُلّ قسمٍ منها، وفيما يأتي بيان ذلك:
- تعريف الحديث الصّحيح: هو الحديث المُسند المُتّصل إسنادهُ بنقل العدل الضابط من أوّله إلى مُنتهاه، من غير شُذوذٍ أو علّة.
- تعريف الحديث الحسن: وقد تعدّدت أقوال العُلماء في تعريفه؛ لأنّه يكون في حالةٍ مُتوسطةٍ بين الحديث الصّحيح والحديث الضّعيف، وقد عرّفه الإمامُ الخطابيّ بقوله: ما اشتُهر رِجاله بالعدالة والضّبط، وعُرف مخرجُه، وقبله أكثرُ العُلماء، وعليه مدار الحديث، واستعمله الفُقهاء، وعرّفه الترمذيّ بأنّه الحديث الذي ليس في إسناده من يُتّهم بالكذب، ولا يكون شاذّاً، ويُروى من طريقٍ آخر.
- تعريف الحديث الضّعيف: وهو الحديث الذي لم تتوافر فيه صفات الحديث الصّحيح ولا صفات الحديث الحسن من اتّصال السّند، وعدالة رواته وضبطهم، وسلامته من الشُّذوذ والعلّة، فيكون الحديث ضعيفاً بفقد أحد هذه الشُّروط.
تقسيمات أخرى للحديث للإمام الترمذي
قسّم الترمذيّ الحديث إلى عدّة أقسام خلافاً لباقي المُحدّثين، وبيانُها فيما يأتي:
- الحسن الغريب: يُعرف الحديث الحسن: بأنّه ما كان رِجالهُ أخفُ ضبطاً وإتقاناً من رجال الحديث الصّحيح ، ولكنّهم جميعاً مشهورين بالصّدق والأمانة، وأمّا الغريب: فهو الذي يتفرّد به بعض الرّواة سواءً في الإسناد أو المتن، وأمّا الحسن الغريب: فهو الحديث الذي توافرت فيه شُروط الحديث الحسن مع انفراد بعض رواته به، أو بأمرٍ في إسناده أو متنه ، وقال بعضُ المُتأخرين من المُحدّثين: إنّ الحديث في هذه الحالة يكون في أصله غريباً، ولكن تعدّدت طُرقه عن بعض رواته، وجاء عن البقاعيّ أنّ الترمذيّ أطلق مُصطلح حسنٌ غريب على الحديث الحسن لذاته.
- الصّحيح الغريب: وذهب أكابر المُحدّثين المُتأخرين أنّ المقصود من لفظ حسنٌ صحيحٌ غريب: أن يكون الحديث في أصله غريباً، ثُمّ تتعدّد طُرقه من بعض رواته.
- الصّحيح الحسن الغريب: وهو الحديث الذي يكون بعض أسانيده صحيحاً، وبعضها الآخر حسناً.
- الحسن الصّحيح: وتعدّدت آراء المُحدّثين في بيان هذا المُصطلح عند الإمام الترمذيّ، فقيل: إنّ للحديث أكثر من إسناد، فيكون بعضها حسن وبعضها صحيح، وقيل: إن كان له إسناد واحد فهو صحيحٌ عند البعض وحسنٌ عند آخرين، وقيل: إنّ الحديث الحسن الصّحيح يكون أقوى من الحديث الصّحيح؛ لأنّهُ جمع بين الحسن والصحة ، وقيل: إنّه أضعف من الحديث الصّحيح؛ وذلك لأنّ النّاقل تردّد في بيان درجة الحديث إلى الصّحة أو إلى الحسن، وقيل: إنّه حديثٌ حسن لِثقة رجاله، ثُمّ ارتقى إلى درجة الصّحة؛ لأنّ رواته في نهاية مرتبة الثّقة، لجمعهم بين صفات رجال الحديث الحسن، وصفات رجال الصّحيح، وعليه فيكون كُلّ حديثٍ صحيحٍ حسن، وليس العكس.
- الحسن: وهو أن يكون الحديث مُتعدّد الطُّرق، وليس في رواته أحدٌ مُتّهمٌ أو شاذ.
- الغريب: إذا أطلق الإمامُ الترمذيّ قوله: "غريبٌ ولا يُعرف إلّا من هذا الوجه"، فيُحتمل أنّ طُرقه قد تعدّدت إلى أحد رواته الأصليّين، فيكون الحديث في أصله غريباً، ولكنّه صار حسناً، وإمّا أن يكون إسنادهُ غريباً ولا يُعرف إلّا منه، ويكون متنه حسناً، حيثُ إنّه رُوي من أكثر من وجه؛ أي له شواهد تُؤكدُ معناه، والغريب: هو الحديث الذي ينفردُ به بعض الرّواة، أو الحديث الذي يتفرّد به بعض الرّواة بأمرٍ لا يذكره فيه غيره، سواءً كان ذلك في الإسناد أو المتن.
جهود الإمام الترمذي في الحديث
توجد الكثير من الجهود التي بذلها الإمامُ الترمذيّ في الحديث وخدمته، ومنها تأليفهُ لِكتابه السُّنن ، وشمل فيه فقه الحديث، والكثير من الأحكام الفقهيّة، وأقوال الفُقهاء، وذكر علل الحديث، وبعض أحكام الجرح والتّعديل على الرّجال، ونُقل عن أبي الفضل ابن الطاهر أنّه سمع شيخه عبد الله الأنصاري يقول: إنّ كتاب الترمذيّ عنده أكثر فائدة من صحيحيّ البُخاريّ ومُسلم ؛ لأنّ الصّحيحين لا تصل الفائدة فيهما إلّا لمن كان من أهل المعرفة، وقد رتّب الترمذيّ أبواب كتابه على الأبواب الفقهيّة ، وبلغت ستةٌ وأربعين باباً، وذكر فيها أبواباً فرعيّة، والتي بلغت ألفين ومئتين وأربعة وعشرين، وبلغ عددُ أحاديثه ثلاثةُ آلاف وتسعمئة وستة وخمسين، وكان من مُميّزات كتابه أنّه يذكر الحُكم الخاصّ به على الحديث، مع ذكره تعديلاً أو جرحاً لبعض الرّواة.
وأمّا منهجه في كتابه الجامع أو السُّنن؛ فقد رتّبه على الأبواب الفقهيّة، ووضع فيه الصّحيح والحسن والضّعيف، وبيّن درجة كُلّ حدي، والطُّرق الواردة فيه، مع ذكره لمذاهب الصّحابة والتّابعين وبعض فُقهاء الأمصار، ثُمّ يذكر الأحاديث المُخالفة لِما رواه في الباب، ودرجتها، ومن أخذ بها، بالإضافة إلى ذكره الكلام عن الرّواة من حيث الجرح أو التّعديل، وبيان عيوبهم، وبيّن الشروط في جواز الأخذ برواية المجروح، وهي بيان حاله للنّاس، كقول سُفيان الثوريّ لتلاميذه: اتّقوا الكلبيّ، فقيل له: فإنك تروي عنه، قال: أنا أعرف صدقه من كذبه، كما أنّه نبّه إلى عدم الاغترار بصلاح الرّواي فقط دون البحث عن إتقانه وضبطه، ونبّه بعض العُلماء كابن رجب على ضرورة الاطّلاع على كتاب شرح علل الترمذيّ قبل البحث في سُنن الترمذيّ؛ لِما في ذلك من البيان لمنهج الإمام الترمذي، وطريقة التّعامُل مع كتابه.