أهمية القدس الدينية
أهميّة القدس الدينيّة
اكتسبت القدس مكانةً مرموقة عند أهالي الديانات السماوية جميعها، ولا سيّما الإسلام وأهله، ذلك أنّها أُولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وإليها كان إسراء النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها عُرِج به إلى السماوات، وفيها صلّى إماماً بالأنبياء، وقد جاء فضلها في القرآن الكريم ، حيث دلّت الآيات على أنّ الله -تعالى- باركها وما حولها، قال -تعالى-: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ)، وحثّ رسول الله على شدّ الرحال لها، فقال: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأقْصَى). ووردت العديد من الأحاديث الدالّة على فضل القدس وأهمّيتها وفضل الصلاة فيها، ويعود أصل سكّانها الأصليين إلى الكنعانيين المتجذّرة أصولهم من العرب،
وقد بُنيت فيها المعالم العديدة، والأسواق، والمدارس، والمساجد، والجمعيات، وأوقف العديد من الناس أراضيهم المجاورة لها، وكلّ ذلك كان نتيجة اهتمام الحكّام فيها على مرّ العصور، ومن المعالم المقدّسة فيها: مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى ، والحرم المقدسي. وبيت المقدس هي الأرض المقصودة في قول الله -تعالى-: (وَنَجَّيناهُ وَلوطًا إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها لِلعالَمينَ)، وقوله: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)، فقد قال ابن عباس إن الأرض المباركة هي بيت المقدس، وهي أكثر أرضٍ أرسل الله -تعالى- إليها أنبياءه. أمّا البركة فتشمل ما أنبته الله بأراضيها من أصناف الزّروع والثمار، وتشمل مكانتها الدينية، وهي أرض الرباط والمحشر والمنشر، وجزء من جنة الله على أرضه.
والصلاة فيها سببٌ لمغفرة الذنوب، وبحسب ما ورد في الأحاديث فإن الصلاة فيها تعدل من ألف صلاةٍ إلى خمسين ألف صلاة، وقد حرص العديد من الصحابة على الإحرام منها في الحج والعمرة؛ كعمر بن الخطاب، وسعيد بن العاص، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وغيرهم -رضي الله عنهم-، وقد حظيت باهتمام الخلفاء الراشدين اهتماماً كبيراً، فقد وجّه إليها أبو بكر الجيوش من أجل فتحها، لكنه تُوفّي قبل أن يتمّ الأمر، ففعله عمر بن الخطاب، وتوجّه إليها وقام بفتحها، ثمّ كتب العهدة العمرية، وعيّن فيها عبادة بن الصامت قاضياً ومعلماً، وبنى المسجد العمري، ثمّ في عهد عثمان بن عفان أمر بوقف سلوان من أجل ضعفاء المسلمين، ويعدّ بيت المقدس أحد الأماكن التي أُنزلت فيه الرسالة على سيّدنا محمد، بدليل حادثة الإسراء والمعراج التي كانت منه وإليه، والتي تجلّت فيها نبوّة محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، وفي بيت المقدس أمّة سيّدنا محمد التي وعدها الله -تعالى- بالنّصر على الأعداء إلى يوم القيامة.
المسجد الأقصى أهم الآثار الدينية في القدس
المسجد الأقصى وأهمّيته
يقع المسجد الأقصى في القدس، ويُسمّى بيت المقدس؛ بمعنى البيت المُطهّر من الذنوب، أمّا اسمه المسجد الأقصى فلبعده عن المسجد الحرام، فقد كان أبعد مسجدٍ من المساجد المُعظّمة زيارتها عن مكة المكرمة ، وهو القبلة الأولى للمسلمين، وثالث الحرمين الشريفين، والمكان الذي أُسري إليه بالنبيّ ليلة الإسراء والمعراج، وأحد المساجد الذي لا تشدّ الرحال إلّا إليها، والمسجد المبارك وما حوله، وقد بُني من قِبَل إبراهيم -عليه السلام-، وكان ثاني مسجدٍ بعد المسجد الحرام الذي بناه أيضاً إبراهيم، وما بينهما أربعون عام، فقد سأل أبو ذر الغفاري رسول الله فقال: (يا رَسولَ اللهِ، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلُ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: المَسْجِدُ الأقْصَى قُلتُ: كَمْ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً، وأَيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهو مَسْجِدٌ).
ثمّ قام سليمان -علسه السلام- بتجديد بنائه، حيث روى عبد الله بن عمرو فقال: (إنَّ سليمانَ بنَ داودَ لمَّا بنى بيتَ المقدسِ سألَ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- خلالًا ثلاثةً، سألَ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- حُكمًا يصادِفُ حُكمَهُ فأوتيَهُ، وسألَ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِهِ فأوتيَهُ، وسألَ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- حينَ فرغَ من بناءِ المسجدِ أن لا يأتيَهُ أحدٌ لا ينهزُهُ إلَّا الصَّلاةُ فيهِ أن يخرجَهُ من خطيئتِهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ). وقد استمرّ المسلمون بالتوجه إلى المسجد الأقصى في صلاتهم ستّة عشر أو سبعة عشر شهراً، لكن النبيّ كان يدعو الله أن تكون قبلته المسجد الحرام ، فاستجاب الله له وصارت القبلة نحوه، قال -تعالى-: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
أحكام تخص المسجد الأقصى
قال بعض أهل العلم باستحباب ختم القرآن الكريم لمن أقبل إلى المسجد الأقصى، فقد كان أبو سفيان الثوري يختم القرآن فيه، وقال أبو مِجْلز: "كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِمَنْ أَتَى الْمَسَاجِدَ الثَّلاَثَةَ، أَنْ يَخْتِمَ بِهَا الْقُرْآنَ قَبْل أَنْ يَخْرُجَ، الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ"، واستحبّ بعض السّلف الإحرام منه، وفعل العديد منهم ذلك، وقد ذكرناهم سابقاً، وقد نُقل عن بعض السلف أنّ الذنب فيه مُضاعف، ويُكره استقباله واستدباره أثناء البول والغائط، وقال بعض العلماء إنّ إقامة صلاة العيد فيه أولى من إقامتها في المُصلّيات، رغم أنّ الأفضل في صلاة العيد أن تكون في مصلّى، لكنّه استثني من هذا الحكم مع المسجد الحرام.