أهمية الاجتهاد في طلب العلم
العلماء أرفع مكانة عند الله لعلمهم
وذلك ظاهرٌ في كتاب الله -سبحانه- من كثرة الثناء على العلم وأهله، وذكر أدواته وآثاره، والحث على اجتناب سواه من الخرَص والظن والجهل و التقليد الأعمى ، لأنه عند الله -سبحانه- لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والأمثالُ التي يضربها الله -سبحانه- لعباده لا يعقلها إلا العالمون، ومنهج الأنبياء وأتباعهم في الدعوة إلى الله -سبحانه- إنما يكون على بصيرة، ولقد ذم الله -سبحانه- الجهلَ بكثرةٍ في كتابه العظيم.
العلماء أنفع الناس للناس
(أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ)، هذا كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس أنفعَ للناس شيءٌ أكثر من نفع العالم الداعي إلى الله -سبحانه-، فمن غير العلم سيكون سير الناس في تيهٍ وضلالٍ مبين، فمن أراد السير في السبيل الموصلة إلى المقاصد والغايات فلن يصل إليها إلا إن كان عالماً بخطاه ومدركاً أين وإلى أين يسير، ولن يتحقق ذلك لأحدٍ لم يعلم تفاصيل ذلك، وليس كلُّ الناس ساعين في تحصيل العلم وتبيينه، بل أكثرهم سائرون وَفق ما يوجَّهون، وبهذا يظهر فضل العالمِ المبيِّنِ للناسِ سبيلَ اللهِ المنجي في الدنيا والآخرة، فهو بذلك من أنفعِ الناسِ للناسِ بلا ريبٍ.
العلم للقلوب كالبصر للعيون
لا يمكن لفاقد البصر أن يسير من غير قائد يمتلك بصراً يهديه به ويكملُ له ما فقده، وكذلك فاقد العلم بمراداته وبسبل الوصول إليها يحتاج عالماً بصيراً يدلُّه ويهديه لذلك، فنور القلوب والبصائر به تتبيَّنُ سبيلُ الهدى من سبلِ الضلال، تماماً كما تتبيّنُ مواضعُ الأقدامِ للسائرين بأبصارهم.
والعاقل الموفَّق هو الذي يبذل جهدَه فيما ينفعه وينفع غيرَه، وأعظم النفع ذلك الذي يمتد إلى الجنة ونعيمها ورضوان الله عز وجل، وليس أعظمَ نفعاً لصاحبه - مع الإيمان والتوحيد - من العلمِ النافع، إذ بالعلم يبصرُ المؤمنُ ويبصِّرُ غيرَه وإذا ورَّثَ بعدَه علماً نافعاً نالَ أجرَه ما دام الناسُ يتناقلونَه عنه إلى قيامِ الساعةِ، فإن أجرَ العلمِ الذي يُنتفعُ به جارٍ لصاحبِه بعد موتِه، والآخذُ بالعلمِ إنما يأخذُ بميراث (الأنبياءِ عليهم صلوات الله سبحانه، فإنهم يورِّثون العلمَ).
وإدراك تلك الفضائل والأجور العظيمة ليس متوقفاً على بلوغِ مراتب العلماء، بل يكفي سلوك طريق تحصيل العلم النافع بنيةٍ صحيحةٍ وقصدٍ خالصٍ لله سبحانه، مع بذلِ الوسعِ في تحقيقِ الممكنِ منه، ومن أراد الله سبحانه به خيراً يسرَ له بلطفه ما يوصلُه إلى رضوانِه وإلى ما يرفعُ مقامَه عندَه، ويحققُ له ما أرادَ وزاده من فضله العظيمِ الواسعِ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ).